تونس وعداء "الإخوان" للجيوش!

تونس وعداء "الإخوان" للجيوش!


29/07/2021

محمد صلاح

التطورات المتلاحقة في تونس كانت متوقعة، وكل من تابعوا أنماط العالاقات بين "الإخوان المسلمين" هناك وباقي مفردات المجتمع، انتظروا صداماً بين "حركة النهضة" والرئيس قيس سعيد، أو قل بين التنظيم والشعب. أما قرارات إقالة الحكومة وتجميد البرلمان ونقل معظم الصلاحيات الى الرئيس فتضع البلاد على المحك، وتختبر قدرة "النهضة" على تحريك الشارع، أو بمعنى أدق اللجوء الى العنف!

المؤكد أن الرهان في المرحلة التالية سيكون على موقف الجيش التونسي ومدى انحيازه الى الإرادة الشعبية، خصوصاً أن قرارات الرئيس سعيد أتت بعد مؤشرات الى عزم الإخوان على التصدي لاعتراضات الشارع وغضب الجماهير ضد سياسات "النهضة" وتصرفات زعيمها راشد الغنوشي، ناهيك بالتنكيل بالمعارضين والاعتداء عليهم وممارسة الاغتيال المعنوي ضد كل شخص يتصدى لسياسات "النهضة" أو يفنّد ادعاءات رئيس البرلمان، لكن المتابع أيضاً لتاريخ الإخوان وصداماتهم مع الحكومات والأنظمة والشعوب، يدرك تماماً مدى العداء الذي يحكم علاقة ذلك التنظيم وأذرعه بالجيوش، ولنا في مصر نموذج ربما يضع مؤشرات الى مستقبل الأوضاع في تونس. فبينما يضع مؤشر غلوبال فاير باور Global Firepower الجيش المصري بين أقوى الجيوش في العالم بعدد ضباطه وجنوده الذي يقترب من 400 ألف، ودباباته التي تتجاوز الـ700 دبابة، وطائراته الـ 1594، ستدخل بعد أيام عشرات الآلاف من الأسر المصرية ماراثون إلحاق أبنائهم بالكليات العسكرية، بمجرد إعلان نتائج المرحلة الثانوية من التعليم الأساسي. بالطبع فإن أخبار تفوُّق الجيش المصري في المؤشر العالمي يتم التعتيم عليها من وسائل الإعلام المتعاطفة مع تنظم الإخوان الإرهابي، مثل كل خبر أو حدث إيجابي يحدث في مصر أو للمصريين، بينما لا تتوقف الآلة الإعلامية الضخمة للتنظيم التي تعتمد بالأساس على اللجان الإلكترونية لآلاف من عناصر الجماعة، وتغوص في ممارسة التحريض ضد الحكم وتخوض في نقاش يومي لا ينتهي حول ارتفاع الأسعار!! إلى مواصلة الحملة على الجيش والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورغم تخصيصها مساحات كبيرة من الوقت للحديث عن نظام التعليم وشكاوى الطلاب والمدرسين، وكذلك مشكلة الغش في الامتحانات، لم تشر قط إلى ظاهرة الحرص على الالتحاق بالكليات العسكرية، بل تواصل محاولة الإساءة إلى الجيش، وتنتظر دائماً وقوع عمليات إرهابية في سيناء للترويج بأن ما يحدث هناك يعني تقصيراً، بينما القبض على الإرهابيين أو التصدي لهم وقتلهم يعني ظلماً للأبرياء وعدواناً على الحق في الحياة!!

ولا يمكن إخفاء حرص الأسر المصرية على إلحاق أبنائها بالكليات العسكرية، رغم المخاطر التي يتعرض لها الضباط والجنود في ظل حرب ضروس تخوضها مصر في مواجهة الإرهاب، ويدرك الجميع أيضاً أن الإرهاب تفجر منذ ظهور جماعة "الإخوان المسلمين" وتنظيمات أخرى تستخدم الدين وسيلة لتحقيق هدفها بإسقاط الأنظمة والحكومات والوصول إلى السلطة، وأن دولاً وجهات معادية لمصر تتحالف مع الإرهابيين وتستخدمهم وتنفق عليهم وتفتح أراضيها لإيوائهم ورصد أموال ضخمة لإنتاج أفلام ركيكة تسيء إلى الجيش وتسعى إلى النيل منه.

وليس سراً أن شرعية الرئيس السيسي المنتمي الى المؤسسة العسكرية تأسست على العداء لتنظيم الإخوان والتصدي لمؤامراته ومواجهة الإرهاب، بينما الرؤساء الذين سبقوه كانوا قد وصلوا الى الحكم ثم بعد ذلك دخلوا في صدامات مع الإخوان، ورغم أن السيسي واجه ذلك التنظيم وخلفه دعم شعبي هائل في 30 حزيران (يونيو) 2013، لكن تجدر الإشارة الى أن أحكام السجن والإعدام التي صدرت ضد قياداتهم في عصر الرئيس السيسي كانت من محاكم عادية، ولم تلجأ الحكومة الى محكمات عسكرية أو استثنائية، ومع ذلك لم ينفذ أي حكم بالإعدام بقيادات أو أعضاء من الجماعة، كما أن السيسي أعلن في مناسبات عدة أنه لا مجال لعودة كيان تنظيمي للجماعة أو غيرها من التنظيمات المتأسلمة التي وجدت في السنة التي حكم الإخوان فيها مصر فرصة لتحويل تنظيماتها المسلحة أحزاباً سياسية. 

عموماً، فإن إقبال الشبان المصريين على الالتحاق بالجيش يثبت الفشل المزدوج للإخوان وحلفائهم، فرغم الهجوم الممنهج الذي يستهدف الجيش كانت النتيجة عكسية، ما يسبب دائماً صدمة كبيرة لهؤلاء الذين أنفقوا أموالاً طائلة من أجل كسر الجيش المصري وتشويه صورته أمام شعبه، ثم يظهر أن الإرهاب الذي يمارسه الإخوان والجماعات الأصولية الراديكالية لم يزد أبناء مصر إلا رغبة في الالتحاق بالجيش، الذي تصبّ في شرايينه، في مثل هذا الوقت من كل عام، دماء جديدة تعوّض غياب الشهداء وتتبنى القناعات والمبادئ نفسها التي صنعت عقيدة المؤسسة العسكرية، وربطت بينها وبين فئات الشعب في محافظات مصر ومدنها وقراها وأحيائها الراقية والشعبية والفقيرة. هنا تكفي الإشارة الى أن الأفلام التي تبثها القنوات القطرية والتركية عن الجيش المصري قوبلت بالسخرية من المصريين، الذين يحترمون الضباط والجنود ويقدرون تضحياتهم ويرفضون إهانتهم ويستنكرون تحقير فكرة الواجب الوطني، لكنّ أفلاماً كتلك أثبتت ما كان الشعب المصري توصل إليه، من أن الإخوان والدول والجهات الداعمة لهم يعتبرون الجيش حائطاً صلباً ضد أطماع الجماعة وأحلام داعميها.

يتعامل الإخوان في مصر وتونس وغيرهما من الدول العربية مع الجيش باعتباره منافساً للجماعة، ولذلك لا تتوقف منصات التنظيم عن التهكم على المؤسسات العسكرية والسخرية من الضباط والجنود مقابل الإشادة بالميليشيات أو الحرس الثوري، وما يزعج الإخوان ويسرّب اليأس الى عقول عناصرهم مشاهد الإقبال على الالتحاق بالخدمة العسكرية في هذه الدولة أو تلك، فقبل سنوات لم يكن سهلاً أن تمر في شارع العروبة شرق القاهرة في مواجهة مقر الكلية الحربية، حيث مكتب تنسيق الكليات العسكرية في مثل هذا الوقت من السنة، وكانت السلطات تضطر إلى إجراء تحويلات مرورية للتعاطي مع الازدحام الرهيب من شباب أتوا إلى المكان يحلمون بارتداء الزي العسكري. تغيّرت الحال الآن وأصبح تقديم طلبات الالتحاق بواسطة شبكة الإنترنت، لكن في مواعيد الاختبارات البدنية والطبية ظلت المشكلة قائمة، فالأعداد كبيرة رغم إعلام الإخوان وجرائم الإرهاب!!

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية