جدل يحتدم في الجزائر... هل القرآن الكريم في حاجة إلى تفسير؟

جدل يحتدم في الجزائر... هل القرآن في حاجة إلى تفسير؟

جدل يحتدم في الجزائر... هل القرآن الكريم في حاجة إلى تفسير؟


02/08/2023

يثار جدل كبير في الجزائر حول حاجة القرآن فعلياً إلى تفسير، فما القصة؟

بدأ كل شيء إثر طرح نشره البروفيسور محمد هنّاد في صفحته الرسمية بمنصة (فيسبوك)، حيث تساءل الباحث في الشؤون السياسية عمّا إذا كان "القرآن في حاجة، فعلاً، إلى تفسير؟"، وبرّر هنّاد رؤيته بأنّ "النص القرآني جاء في صيغة "آيات بيِّنات"، قائلاً: "أليس القرآن تام الوضوح لا يحتاج إلّا للبحث عن شرح لمن وجد صعوبة في فهم بعض مفرداته وعباراته؟ عبارة "آيات بيّنات" مهمّة جداً في الكتاب، بدليل أنّها وردت في أماكن كثيرة منه، ضمن سياقات في غاية الأهمية بالنسبة إلى الرسالة المحمدية".

واعتبر هنّاد أنّ "التفسيرات السائدة ليست لسانية، بل مجرد نقل عن نقل"، وعليه فالمشكلة بمنظوره تكمن في تعدّد التفاسير نفسها، وإذا كانت جميع التفاسير تقول الشيء نفسه، فلمَ تعددها؟ أمّا إذا كانت مختلفة، أليس من شأن التعدّد أن ينال من إلهية الرسالة بسبب مستوى المفسِّر ونفسيته وبحسب شروط عصره والغرض الذي يتوخاه في ظلها؟ أليس الحفاظ على إلهية الرسالة هذه هو الذي جعل التراجم لا تُعتبر قرآناً؟".

اعتبر هنّاد أنّ "التفسيرات السائدة ليست لسانية، بل مجرد نقل عن نقل"، وعليه فالمشكلة بمنظوره تكمن في تعدّد التفاسير نفسها

وركّز الأستاذ في جامعة الجزائر على أنّ "مسألة الغرض تبقى دائماً واردة، حيث لا بدّ أن تكون للمفسِّر، إضافة إلى المصلحة الأخروية، مصلحة دنيوية، مادية ومعنوية، لعل أهمها اكتساب بعض السلطة الدينية على الناس"، مشدّداً على أنّ: "الأساس هو أن نتعامل مع النص القرآني مباشرة دون وسيط، لأنّ هذا الوسيط سيجعل من مركزه سلطة، ثمّ إنّ التعامل مع النص القرآني معاملة مباشرة إنّما هو اتصال مباشر بين الشخص وربّه".

البروفيسور محمد هنّاد

وأيّد الناشط يوسف مختاري رأي هنّاد، بإقراره: "الجرح طالما نفى وجوده المسلمون رغم تدفق الدماء منه طوال قرون"، على المنوال ذاته، قال أحسن خلاص: "تبحث في المصحف كله فلا تجد أيّ دعوة إلى تفسير القرآن، بل حديث عن التدبّر والتأويل"، وتابع زهير دومي: "التفسير للأحلام وليس لكلام الله وكتابه العظيم الذي نزل مبيّناً".

وقال عبد الجبار عبيد: "رجال الدين على اختلاف عقيدتهم طينة واحدة، وهدف واحد ظاهره روحي وباطنه دنيوي مادي بحت، لا يختلفون عمّن ينادون بالجدلية المادية، والواقع المعاش خير دليل".

هجوم معاكس

شنّ فريق من ناشطي شبكات التواصل هجوماً معاكساً على هنّاد، وقال أسامة محفوظي: "إنّ المنشور دليل على أنّ صاحبه لم يقرأ تفسيراً واحداً في حياته"، ولفتت نضال بوخروفة إلى أنّ "من معجزات القرآن أنّه صالح لكل زمان وفي كل عصر"، وأضاف علي موزاوي مستفهماً: "كيف لجيل من الناس من القرنين السابع والثامن لهم الحق في تفسير القرآن، وجيل اليوم من العلماء ليس لهم هذا الحق؟

بدوره، عارض أسامة المدني بوكثير ما نطق به هنّاد، وخاطبه منتقداً: "قد سبقك إلى هذا من هو أعلم منك وأشهر منك. لكنّهم لم يستطيعوا نيل مآربهم من الطعن في هذا الدين والموروث الديني. بضاعتك راكدة وفاسدة".

نبيل كحلوش هاجم محمد هنّاد قائلاً: "دستور بلادك عنده تفاسير، والجزائر لديها تخصص جامعي قائم بذاته هو (الفقه الدستوري)، وتبتغي اختزال كلام خالق الكون بأنّه لا يستحق التفسير".!

شنّ فريق من ناشطي شبكات التواصل هجوماً معاكساً على هنّاد، وقال أسامة محفوظي: "إنّ المنشور دليل على أنّ صاحبه لم يقرأ تفسيراً واحداً في حياته"

ولم يستسغ ناصر جبار الأمر، فقد كتب محتداً: "أين المشكلة إذا حاول الناس إعطاء قراءاتهم للنص القرآني؟ هذا نص مؤسّس ويحق لأيّ واحد أوتي بعضاً أو كثيراً من المعرفة أن يدلي برأيه في محتواه، ومن الوارد الاتفاق أو الاختلاف، وفي النهاية فإنّ كل المحاولات والنقول هي التي أسّست التراث المعرفي والفكري للمسلمين".

وأضاف: "القول إنّ آيات القرآن بيّنات ولا تحتاج إلى تفسير رأي غير مقبول، لأنّ الكثير من المعارف العلمية كانت مجهولة أو مبهمة، وعندما فسّرها من يعرفون، أو بلفظ آخر العلماء، اتضحت للناس حتى بانت لهم أنّها سهلة جداً، أو بيّنة، فسهولة الآيات القرآنية لا يعني أنّها تُفهم من طرف كل الناس. بلغة أخرى؛ تعدّد التفاسير ليس عيباً في التراث الإسلامي".

من جانبه، تساءل إيدير معياش: "هل الـ (80) كيلومتراً التي حدّدها المفسّرون للمسافر للإفطار في رمضان تصلح في وقتنا الحالي؟ أكيد لا! لأنّ (80) كيلومتراً مشياً على الأقدام أو ركوباً على دابة، صحيح أنّها مسافة شاقة ومتعبة، لكنّ هذه المسافة في سيارة مكيّفة أو في طائرة لا تعني شيئاً، وبالتالي النص القرآني لم يحدّد المسافة ليجعلها تتناسب مع الأوقات والظروف".

ورفض مروان محرز كلام هنّاد، مقدّماً الآية ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ]آل عمران: 7[.

وحرص هارون برجي على التأكيد: "اختلاف علماء التفسير لم يكن أبداً في الأصول، بل الاختلاف موجود في الفروع وفي مسائل بسيطة لا تفسد للودّ قضية، والخطأ فيها لا يُخرج المؤمن من الملّة... لكن إذا أتينا للاختلاف في التفسير على حسب المذاهب، كاختلاف السنّة والشيعة، فقد نجد في التفاسير اختلافاً في الأصول، وهنا تكمن المشكلة...، فهناك آيات فيها اختلاف في التفسير والتأويل بين علماء السنّة والشيعة وقد تكون متشعّبة، أمّا بالنسبة إلينا كسُنّة، فالاختلاف في الفروع، وتعدّد الآراء رحمة للأمّة".

طامة التأويل

في المقابل، قال عبد الرزاق دوراري: إنّ: "الآيات بيّنات للعرب، وليس لغيرهم"، وعقّبت مليكة عسّاس: "الإشكال في الانحرافات التي عاشها إيصال معاني القرآن إلى الناس، حيث بدأ بالشرح ثمّ التفسير وأخيراً وصلنا إلى التأويل، وهنا بدأت الكارثة... وتحولت الكارثة إلى طامة كبرى عندما ارتدى المُؤوّل لباس القداسة، هو ونصّه، مع أنّها مجرد أفكار بشرية فيها الكثير من الهفوات وحتى الأخطاء التي تستدعي التقويم والتصحيح".

وأفاد محمد مهناني: "الناسخ والمنسوخ، العام والخاص، المطلق والمقيد، وفهم اللغة جيداً، أصل من أصول تدبر القرآن، فلا يغالط نفسه من فقد هذا الأصل، ويظنّ أنّه يتدبر ويستنبط الأحكام ويقف على المعاني".

واعتبر منير سعدي أنّ "كلام هنّاد في غاية الأهمية، لكن لمن ألقى السمع وهو شهيد"، واستدل بتضايق الشيخ عبد الحميد بن باديس (1889 ـ 1940) رائد النهضة الحديثة في الجزائر، من اختلاف المفسرين حول آيات القرآن، وطرح سعدي سؤالاً: "مرّ على نزول القرآن (15) قرناً، لكن ما زلنا لم نتعلم بعد كيف نتعامل معه، هل نقرأه بعيوننا أم بعيون من سبقنا من المفسرين؟ بينما القرآن تمّ تيسيره لكي يفهمه كل الناس، كل حسب مقدرته، وفي القرآن نصوص تخضع للتفسير وهي المحكمات، وأخرى متشابهات لا يعلمها كثير من الناس، وهي التي خصّها الله بالتأويل".

وذهب عبد الإله عزوزي إلى أنّ: "المشكلة الكبرى تكمن في الناسخ والمنسوخ الذي بفضله تمّ التلاعب بالقرآن، حتى عُطّلت الكثير من آياته، أمّا التفاسير، فجلّها تركز على المَرويات التي تخدم وجهات نظر رجال معروفين"، وأردف: "لولا نشاط القرآنيين مؤخراً، لما التفت أهل السنّة إلى القرآن".

وأوضح الناشط عمر بوبراس: "تعتبر الآيات القرآنية بيّنات بالنظر إلى وضوحها لمن أراد الفهم والتبين، وهي تحمل في طياتها استنكاراً لكل جاحد لها رغم وضوحها، أمّا تعمّد الجحود والنكران، فيمكن قيادته بالتفهيم المبسط عن طريق التفسير والشرح، والقرآن الكريم ميسّر لذلك، لقوله تعالى: "ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر".

من جهته، أبرز محمد شرفاوي: "لنتفق أوّلاً أنّ تفسير القرآن هو ادعاء باطل، ما هو مُبيّن ومُيسّر للذكر هو القرآن، وما هو مُيسّر للفهم هو الكتاب بمعنى الأحكام، وهو ما يُعرف بالتشريع الذي نزل في المدينة، حين يقول الله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْم الْخِنزِيرِ".

واستطرد: "كلّ من يفهم العربية بالضرورة يفهم ما المطلوب منه، اللّهم إلا إذا استعان بشرح مفردات على أقصى تقدير. مشكلة التفاسير أنّها تشوش على القارئ فهمه لكتاب الله، على سبيل المثال، لو قرأ طفل في الابتدائي قوله تعالى: "الطلاق مرتان": يفهم أنّ انفصال الزوجين يكون بعد المرة الثانية، أمّا إذا قرأ التفاسير، فإنّه يصل إلى أنّ الطلاق (مرتان) تعني (ثلاثة)، ولو أنكر أنّ (ثلاثة تساوي اثنين) فقد أنكر معلوماً من الدين (أو الرياضيات) بالضرورة، وعليه كلما قرأنا التفاسير، زاد جهلنا بالقرآن، لذا فإنّ عامل الزمن دالّ على المقاربة بين مستوى الفكر الإنساني والنص القرآني، وبذلك تكون كتب التفاسير صالحة لزمانها حصراً".

قصور التفاسير

تصوّر بوبراس أن يكون التفسير متساوقاً مع المقاصد الشرعية، ومع روح الشرع بمنأى عن التفسير الشكلي والحرفي، مسجّلاً: "هكذا نقول إنّ هناك من هم في حاجة إلى شرح وتفسير بمستوى أعمق، وهناك من بالإشارة يفهم، خاصة من أولي الألباب، وممّن يدركون كنه ودلالات ألفاظ القرآن الكريم، ويدركون أيضاً السياقات النسقية والموضوعية لمقاطع القرآن الكريم وأجزائه. ولعلّ هذا ما جعل العلامة محمد الغزالي يضع كتاب "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم"، وكتابه الثاني "الجانب العاطفي من الإسلام".

ركّز محمد عكوش على أنّ: "الإشكالية أيضاً في اختلاف التفاسير وتعددها، ممّا ضرب فكرة التواتر من أساسها، فأيّ معنى لتواتر الحروف والأشكال في غياب تواتر المعنى؟

ويرى بوبراس أنّ "غالبية التفاسير أو كلها يكتنفها القصور، لأنّ كل تفسير كان يركّز على جانب معيّن فقط، أو تغلُب عليه صبغة معينة متأثرة بتخصص المفسّر واتجاهاته (؟!)، وقلّما نجد تفسيراً متكاملاً بشأن القرآن الكريم. ولعلّ هذا ما يجعلنا ندعو إلى وضع تفسير متكامل يساهم فيه مختصون من كل التخصصات العلمية، وخاصة علماء العلوم المعيارية، وعندها يمكن ضبط بوصلة "التأويل" بشأن المعاني القرآنية، رغم ما يكتنفه من تحفظ طالما أنّ العقل البشري قد لا يتوصل إلى حكمة بعض الأشياء، والتي تكون حصراً لله تعالى، وفقاً لقول الله تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله".

وأيّده ديدوش شيكر: "كان تفسير من أتوا بعد المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفسيراً لنصرة فكرة أو أشخاص، فابن كثير في تفسيره نقل أقوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما اتفق عليه أهل السنّة والجماعة، وخاض الشافعي في مسائل الخلاف، والزمخشري انتصر للمعتزلة، والقرطبي للمالكية، بينما وقف ابن القيم مع الحنابلة، وانتصر سيد قطب للفكر الإخواني... والكل يحذّر من تفاسير الآخر، وكلها منقولة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويبقى هامش المراوغة والاجتهاد ضيقاً، حيث يحلو لكل متزعم أن يدعو لفكرته، إذاً، (خسارة الحبر)".

وركّز محمد عكوش على أنّ: "الإشكالية أيضاً في اختلاف التفاسير وتعددها، ممّا ضرب فكرة التواتر من أساسها، فأيّ معنى لتواتر الحروف والأشكال في غياب تواتر المعنى؟ وهذا ليس فقط على مستوى العنعنات، بل على مستوى اللغة نفسها، حيث تمّ تدوين قواعدها (غير المتواترة) في وقت متأخر بعدما اختلطت الألسنة".

مواضيع ذات صلة:

قصة (تاج) آخر حزب جزائري منشق عن الإخوان

الباحث عدة فلاحي لـ "حفريات": يستحيل قيام جمهورية إسلامية بالجزائر

الجزائر انتصرت على الإرهاب... ولكن




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية