حرب غزة: لماذا لا تستطيع اليابان الانفصال عن الفلك الأمريكي؟

جاء العدوان الجاري على قطاع غزة في وقت يشهد فيه العالم حالة من الحدية والأحادية في العلاقات الدولية، بسبب التجاذبات الواسعة بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي، وكذلك تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها في شرق آسيا مع الصين، في ظل تبني واشنطن سياسة أكثر رفضاً وحذراً تجاه الصين.

وانعكست تلك الأوضاع على الموقف الياباني من الحرب في قطاع غزة، التي اندلعت بعد هجوم الفصائل الفلسطينية في القطاع على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

واتسم الموقف الياباني بانخراط كبير ملحوظ، على المستوى السياسي والدبلوماسي، بدايةً بإدانة اليابان لهجمات الفصائل الفلسطينية على إسرائيل، وإعرابها عن مخاوفها من سقوط ضحايا نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

كما زارت وزيرة الخارجية اليابانية المنطقة مرتين منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، كانت البداية إلى القاهرة، حيث مثّلت وزيرة الخارجية كاميكاوا يوكو بلادها في قمة القاهرة للسلام التي دعا إليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. في جولتها الثانية زارت الوزيرة اليابانية تل أبيب ورام الله والأردن، وبحثت تداعيات الحرب في غزة. 

‬أدانت الوزيرة كاميكاوا الهجوم الضخم الذي شنته حماس على إسرائيل ووصفته بأنه هجوم إرهابي، خلال زيارتها إلى تل أبيب، وشددت في الوقت نفسه على ضرورة بدء هدنة إنسانية في الصراع لتخفيف التوترات في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. كما زارت كاميكاوا مدينة رام الله الفلسطينية في الضفة الغربية والتقت بنظيرها في السلطة الفلسطينية رياض المالكي، وأكد الجانبان على التعاون لتهدئة الأوضاع في أسرع وقت ممكن وتحسين الأوضاع الإنسانية.

وذكر بيان وزارة الخارجية اليابانية أنّ كاميكاوا طلبت من إسرائيل وقف قتالها ضد حركة حماس الفلسطينية، خلال محادثات مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، في تل أبيب. للمرة الأولى فرضت الحكومة اليابانية عقوبات على 9 شخصيات من قطاع غزة في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، من بينهم ممولون ونشطاء وصفتهم بـ"الإرهابيين"، وشركة مقرها غزة تقدم خدمات تحويل الأموال وتبادل العملات الافتراضية. ضمت القائمة الأسماء نفسها التي أعلنتها وزارة الخزانة الأمريكية عندما أعلنت الولايات المتحدة عقوبات مماثلة.

منذ هزيمة اليابان واستسلامها في الحرب العالمية الثانية، وهي ترتبط بالولايات المتحدة في السياسة الدفاعية، كما أنّ واشنطن ملتزمة بحماية مصالح اليابان 

يعلق الأكاديمي التونسي والباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، بأنّ اليابان دولة شبه مستقلة على أرض الواقع، رغم أنّها قانوناً دولة كاملة السيادة، لكنّ هناك معيارين للسيادة في العلاقات الدولية لم يتحققا لليابان، وهما؛ موضوع الدفاع والسياسة الدفاعية، والثاني مسألة السياسة الخارجية. يتابع لـ"حفريات" بأنّه ليس بالصدفة أنهما مرتبطان ببعضها البعض، لكل دولة موجودة في النظام العالمي.

وأوضح بأنّه منذ هزيمة اليابان واستسلامها في الحرب العالمية الثانية، وهي ترتبط بالولايات المتحدة في السياسة الدفاعية، كما أنّ واشنطن ملتزمة بحماية مصالح اليابان، وبالتالي ليس من الغرابة أن نجد دولة تؤمن سياسة دفاعية لدولة ثانية، وننتظر من الدولة الثانية أن تكون لها سياسة خارجية مستقلة عن الدولة التي تحميها.

الفلك الأمريكي

وصرحت وزيرة الخارجية اليابانية لهيئة الإذاعة اليابانية (إن إتش كيه)، بأنّها تعتقد أنّ بلادها قد تلعب دوراً فريداً، مستفيدة من علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل والدول العربية، وقالت "سنسعى للقيام بهذا الدور". كما استضافت العاصمة طوكيو قمة الدول السبع الكبرى، على مستوى وزراء الخارجية، في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، والذي دعا بيانها الختامي إلى مواجهة التداعيات الإنسانية وهدن إنسانية وإطلاق سراح الرهائن لدى حماس.

ويرى الباحث في الشؤون الأمريكية – الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، بأنّ دور اليابان السياسي تابع للولايات المتحدة، ولا يمكن أنّ يختلف معها. وتعليقاً على بيان الدول السبع الكبرى عقب القمة التي ترأستها اليابان، قال بأنّه من المرات القليلة في تاريخ المجموعة أن يصدر بيانان في أسبوعين، بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، منوهاً بأنّ ظاهر البيان الثاني يبدو متوازناً لأنّه تضمن دعوة إلى هدن إنسانية، والتأكيد على حلّ الدولتين، لكنّ الحقيقة أنّ اليابان امتنعت عن الإشارة إلى وقف إطلاق النار وحجبت تلك النقطة في البيان الختامي، استجابةً لضغوط أمريكية.

الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم: السياسة اليابانية تابعة للسياسة الغربية بصفة عامة، والأمريكية بشكل خاص، وطوكيو لا تقدر على فعل شيء

ونوه إلى أنّ اليابان في سياستها الخارجية الإقليمية والدولية ليست مستقلة، وتتبع الولايات المتحدة 100%، وبالتالي لا يمكن أن ننتظر موقفاً سياسياً يابانياً يختلف عن الموقف الأمريكي بشأن الحرب في غزة، مشيراً إلى أنّ اليابان لو اختلفت مع الولايات المتحدة في ملفات الشرق الأوسط، قد تختلف الولايات المتحدة معها في الملفات الإقليمية لليابان، ومنها كوريا الشمالية والصين.

وفي منطقة شرق آسيا تلتقي الولايات المتحدة واليابان في مصالح متعددة، وعلاوةً على ذلك تحتاج اليابان إلى الولايات المتحدة في إدارة علاقاتها مع محيطها، الذي ينظر من منظور تاريخي أيضاً.

المساعدات المالية

احتلت اليابان شبه الجزيرة الكورية في العام 1910 ثم احتلت شرق الصين في العام 1937، وذلك حتى العام 1945. خلال الاحتلال الياباني لتلك المناطق ارتكبت طوكيو فظائع وجرائم حرب، ما تزال تثير عدوات وخلافات مع جيرانها في الصين وكوريا الشمالية، وحتى كوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة.

ويذهب جلال بن الحاج رحيم إلى أنّ السياسة اليابانية تابعة للسياسة الغربية بصفة عامة، والأمريكية بشكل خاص، منوهاً بأنّ طوكيو لا تقدر على فعل شيء سوى رفع مساهمتها المالية لدعم الأنشطة الإنسانية للمدنيين في غزة. وأفاد بأنّ هناك مطالب وضغوطاً تمارسها منظمات حقوقية غير حكومية على اليابان، لحثها على لعب دور أخلاقي أكبر منه سياسياً، كون اليابان عضواً في محكمة الجنائيات الدولية. 

عقب اندلاع الحرب في غزة تعهدت اليابان بتقديم 10 ملايين دولار مساعدات عاجلة لقطاع غزة، وأعلنت عن تجهيز مواد إغاثية لإرسالها إلى مطار العريش في مصر. يذكر أنّ اليابان واحدة من كبريات الدول المانحة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، منذ العام 1957. كما قدمت اليابان مساعدات إلى الفلسطينيين بنحو 2.3 مليار دولار منذ العام 1994 عقب تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، وفق اتفاق أوسلو، وحتى العام 2023.