حظر واردات النفط الروسي: هل تجر واشنطن أوروبا لمواجهة أخرى مع موسكو؟

حظر واردات النفط الروسي: هل تجر واشنطن أوروبا لمواجهة أخرى مع موسكو؟


09/03/2022

مع إتمام الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الثاني اليوم، أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على قرار من شأنه أن يصيب الأسواق العالمية للنفط بالارتباك ربما لشهور قادمة، بعد حظرها واردات النفط الروسي.

وتُعدّ الولايات المتحدة الأمريكية منتجاً رئيسياً للنفط والغاز، على عكس أوروبا، التي تعتمد على الاستيراد بنسبة 90% من غازها، و97% من منتجاتها النفطية، منها 40% من الغاز الروسي وربع نفط روسيا تقريباً.

اقرأ أيضاً: الرئيس المصري يتصل بنظيره الروسي... ماذا بحثا؟

 حظر الولايات المتحدة، أعقبه إعلان بريطاني مماثل، فقد قال وزير الأعمال البريطاني كواسي كوارتنج مساء أمس: إنّ المملكة المتحدة سوف تتوقف تدريجياً عن واردات النفط الروسي بحلول نهاية العام، وقد تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مماثلاً لذلك البريطاني اليوم الأربعاء.

وحظر النفط الروسي هو بمثابة تصعيد كبير في الرد على غزو أوكرانيا ومن المحتمل أن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" التي أشارت إلى أنّ المستهلكين بالفعل بدأوا يشعرون بتأثير العقوبات الغربية والأمريكية على روسيا على الطاقة، حيث قفزت فواتير الغاز الطبيعي والوقود للمنازل.

 الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي

تُمثل صادرات الطاقة مصدراً حيوياً للاقتصاد الروسي، حيث يبلغ نصيبها من إجمالي المحلي الروسي نحو 39%، وهي ثاني أكبر منتج للنفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية، إلا أنّه من المحتمل أن تؤثر هذه الخطوة أيضاً على المستهلكين الغربيين، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

 أقرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّ أوروبا ليست في وضع جيد لتحمّل مثل هذا القرار

وفي خطاب متلفز طويل مساء أمس، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقب قراره بحظر واردات النفط الروسي: إنّ هذه الخطوة تستهدف "الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي".

  قرار صادم ولكنّه متوقع

وفي معرض تعليقه على القرار الأمريكي، قال ماركو دي ليدو كبير المحللين بمركز الدراسات الدولية في إيطاليا، في تصريح لـ"حفريات": إنّه "قرار صادم، ولكنّه كان متوقعاً."

 وأوضح دي ليدو أنّ "السوق الأوروبية هي السوق الرئيسية لصادرات النفط والغاز الروسي، وبالتالي فإنّ الحظر الأمريكي هو بمثابة ضربة للاقتصاد الروسي، ولكنّها ليست كبيرة"، مضيفاً: "سيخسر الروس بعض المال، لكنّهم سيجدون بدائل لبيع نفطهم ومنتجاتهم النفطية."

أقدمت واشنطن على قرار قد يصيب الأسواق العالمية للنفط بالارتباك ربما لشهور قادمة، بعد حظرها النفط الروسي

ومطلع آذار (مارس) الجاري وقّعت "غازبروم" عملاق الغاز الروسي صفقة لتصميم خط أنابيب سويوز فوستوك عبر منغوليا باتجاه الصين، لإمداد الدولة الآسيوية بنحو (50) مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً لمدة (30) عاماً، ممّا يجعلها أكبر صفقة غاز طبيعي محتملة على الإطلاق.

بيد أنّ الحظر الأمريكي لن يؤثر على الولايات المتحدة الأمريكية، ولن يكون بقدر التأثير نفسه على الأسواق الأوروبية، المستهلك الرئيسي للنفط والغاز الروسي، حيث تستقبل أمريكا فقط نحو 8% من احتياجاتها من النفط من روسيا. وفي هذا الصدد، أقرّ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنّ "أوروبا ليست في وضع جيد لتحمّل مثل هذا القرار"، واعترف كذلك بأنّ هذه الخطوة "لم تكن بدون تكلفة في الداخل"، مضيفاً أنّ القرار اتُخذ "بالتشاور الوثيق" مع الحلفاء الأوروبيين.

بدائل النفط الروسي لأمريكا

يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحوّطت بشكل جيد من تأثيرات حظر واردات النفط الروسي، ودبّرت بدائل لتأمين احتياجاتها من النفط. وفي هذا الشأن، قال دي ليدو في تصريح لـ"حفريات": "الولايات المتحدة الأمريكية ستجد الإمدادات، وأعتقد أنّ البديل قد يكون فنزويلا، لأنّها الخيار الأمثل، نظراً لقربها الجغرافي، ممّا سيجعل تكلفة الشحن أقل."

غير أنّ دي ليدو أكد أنّ لجوء الولايات المتحدة الأمريكية قد يمثل "مشكلة"، مضيفاً: "بعد أعوام من انتقاد نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا وسياساته، ستضطر للبحث عن تسوية معه بسبب الأزمة الأوكرانية."

حظر النفط الروسي هو بمثابة تصعيد كبير في الرد على غزو أوكرانيا

ونقلت "بي بي سي" عن رينالدو كوينتيرو، رئيس الاتحاد الذي يمثل شركات النفط الفنزويلية، قوله: إنّ فنزويلا قد ترفع مستويات إنتاجها بمقدار (400) ألف برميل يومياً، معرباً عن اعتقاده أنّه يمكننا الوصول إلى (1.2) مليون برميل يومياً بالبنية التحتية التي لدينا الآن في هذه اللحظة، وهذا سيجعلنا قادرين على توفير الاحتياجات، بعض الاحتياجات، لسوق أمريكا الشمالية.

تداعيات "كارثية" على الأسواق

قبيل الإعلان عن حظر النفط الروسي، حذّرت روسيا من عواقب "كارثية" على الاقتصاد العالمي، وقالت إنّها قد تُغلق خط أنابيب الغاز الرئيسي إلى ألمانيا.

اقرأ أيضاً: هل تدفع إسرائيل ثمن انحيازها ضد روسيا وأين سيكون رد بوتين؟

وحذّر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أمس من أنّ سعر برميل النفط في أوروبا قد يصل إلى (300) دولار، في حال فرض عقوبات على النفط الروسي، ملمّحاً إلى أنّ بلاده قد تردّ بالمثل وتوقف صادرات الغاز عبر خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 1".

 

دي ليدو لـ"حفريات": الحظر الأمريكي لواردات النفط الروسي بمثابة ضربة لاقتصاد موسكو ولكنّها ليست كبيرة، سيخسر الروس بعض المال، لكنّهم سيجدون بدائل لبيع نفطهم ومنتجاتهم النفطية

 

 ولفت نوفاك إلى أنّ روسيا، التي تزود أوروبا بنسبة 40% من الغاز، تفي بالتزاماتها بالكامل، لكن "سيكون من حقها الردّ على الاتحاد الأوروبي بعد أن جمّدت ألمانيا الشهر الماضي التصديق على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2."

 وقال نوفاك: "فيما يتعلق بفرض حظر على نورد ستريم 2، لدينا كلّ الحق في اتخاذ قرار مماثل وفرض حظر على ضخ الغاز عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1"، مشيراً إلى أنّه "حتى الآن لم نتخذ مثل هذا القرار، لكنّ الساسة الأوروبيين بتصريحاتهم واتهاماتهم لروسيا يدفعوننا نحو ذلك."

 وقد أدى الصراع الروسي الأوكراني بالفعل إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، حيث لامس خام برنت عتبة الـ(140) دولاراً يوم الأحد، قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى (130) دولاراً، وسط مخاوف من تأثر الإمدادات بالعقوبات الغربية والأمريكية على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا.

 حتى البلدان ذات واردات الطاقة الروسية المنخفضة من المقرر أن تشعر بالتأثير، حيث من المرجح أن يدفع الحظر النفطي أسعار الجملة، لمزيد من الارتفاع، ممّا قد يؤدي كذلك إلى ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ممّا يزيد الضغط على الأسر.

علاوة على ذلك، فإنّ أيّ قيود على صادرات النفط الروسية يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والبنزين في القارتين وزيادة الضغط على المستهلكين والشركات والأسواق المالية والاقتصاد العالمي، على حدّ قول موقع قناة "إيه بي سي" الأمريكية.

 

ونقلت "إيه بي سي" عن محللين تحذيرهم من أنّ الأسعار قد ترتفع إلى (160) دولاراً، أو حتى (200) دولار للبرميل، إذا استمرّ المشترون في تجنب الخام الروسي، وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى تجاوز أسعار البنزين في الولايات المتحدة (5) دولارات للغالون، وهو سيناريو يسعى بايدن وشخصيات سياسية أخرى إلى تجنبه، وفقاً للمحللين.

 حرب نفسية تقودها أمريكا

خطاب الرئيس الأمريكي حول حظر النفط الروسي لم يخلُ من العبارات التي يعتبرها محللون جانباً من "الحرب النفسية" على روسيا، عبارات قد تؤجج مشاعر الكراهية لدى الأوروبيين تجاه روسيا، ومن بين تلك العبارات "النفط الروسي لم يعد مقبولاً".

 وقال بايدن في خطابه: "هذا يعني أنّ النفط الروسي لن يكون مقبولاً بعد الآن في الموانئ الأمريكية، وسيوجّه الشعب الأمريكي ضربة قوية أخرى إلى (الرئيس فلاديمير) بوتين".

 

قناة "إيه بي سي": أيّ قيود على صادرات النفط الروسية، يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والبنزين المرتفع بالفعل في أوروبا وأمريكا

 

 لم يمضِ على الخطاب دقائق قليلة، حتى اتخذت بريطانيا قراراً مماثلاً بالتخلص التدريجي من واردات النفط الروسية بحلول نهاية عام 2022، وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: إنّ هذه الخطوة لن تضرب روسيا على الفور، لكن "ما ستفعله هو زيادة الضغط الذي نراه بالفعل على روسيا، ولا تنسَ أنّ التأثير الاقتصادي للعقوبات التي قادتها المملكة المتحدة كان شديداً".

 وقال فرانك ماتشيارولا النائب الأول لرئيس معهد البترول الأمريكي، أكبر مجموعة ضغط في صناعة النفط والغاز: "لقد اتخذت صناعتنا خطوات مهمّة وذات مغزى لتفكيك العلاقات مع روسيا، والحدّ طوعياً من الواردات الروسية".

استئصال روسيا

مدفوعة بالتصريحات الأمريكية، تسارع أوروبا بكلّ ما أوتيت من قوة للتخلص من اعتمادها على روسيا كمورد رئيسي للنفط والغاز، رغم التحذيرات من أنّها لن تستطيع إيجاد بدائل للنفط والغاز الروسي.

  وفي حين يأتي حوالي 8% من واردات الولايات المتحدة من النفط والمنتجات المكررة من روسيا، تشكّل روسيا حوالي 6% من واردات المملكة المتحدة من النفط. وعلى النقيض من ذلك يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر على الطاقة الروسية، إلا أنّ الكتلة الأوروبية اتخذت قراراً صباح اليوم بالتخلص من واردات النفط والغاز الروسي تدريجياً بحلول نهاية العام الجاري.

 وقالت المفوضية الأوروبية: إنّها ستتجه إلى إمدادات بديلة وتوسع الطاقة النظيفة بشكل أسرع لسدّ النقص، بهدف جعل أوروبا مستقلة عن الوقود الأحفوري الروسي "قبل عام 2030 بوقت طويل".

الأسعار قد ترتفع إلى (160) دولاراً، أو حتى (200) دولار للبرميل

 وأقرّ نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز: "نحن لا نقف هنا لنقول إنّ هذا سيكون سهلاً بأيّ شكل من الأشكال، لكنّني مقتنع بشدة أنّه حتى لو لم يكن الأمر سهلاً، حتى لو كان صعباً للغاية، فإنّه شيء نحتاج إلى القيام به، لأنّه الآن مرتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بأمننا."

 تصريحات المسؤول الأوروبي عكست محاولات الاتحاد الأوروبي استئصال روسيا من خريطة الموردين الأساسيين للطاقة، إلا أنّ روسيا أيضاً مُصدِّر رئيسي للحبوب والمعادن.

 وفي خطوة يُعتقد أنّها للردّ على حظر النفط، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس مرسوماً بحظر استيراد وتصدير المنتجات والمواد الخام من وإلى روسيا، ورغم أنّه لم يُحدد ماهية تلك المنتجات والمواد الخام، إلا أنّ روسيا تُعدّ مُصدِّراً رئيسياً للحبوب والمعادن. وقد يفسّر طلاسم المرسوم الروسي تصريح نوفاك الذي هدّد بوقف تصدير الغاز الروسي عبر "نورد ستريم1" ردّاً على العقوبات الغربية والأمريكية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية