حفلة طلاق بمصر تثير غضبا أسريا ضد طريقة التعافي والانتقام

حفلة طلاق بمصر تثير غضبا أسريا ضد طريقة التعافي والانتقام

حفلة طلاق بمصر تثير غضبا أسريا ضد طريقة التعافي والانتقام


29/08/2023

أحمد حافظ

أعادت حفلة طلاق لسيدة مصرية قبل أيام إلى الواجهة الجدل حول هذا النوع من التصرفات، وأثارت السيدة انقساما أسريا واسعا بنشرها مقطع فيديو تظهر فيه مرتدية فستانا أنيقا وتقوم بتقطيع الحلوى وتوزيع هدايا من الذهب احتفالا بطلاقها وسط حضور من صديقاتها وأقاربها.

وظهرت السيدة في فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأمامها كعكة كبيرة مدوّنة عليها عبارة “طلاق سعيد.. مبارك الطلاق” قبل أن تكشف لمتابعيها سر وصولها إلى هذه الحالة، حيث تعرضت لخيانة زوجية، وشعرت بالكثير من القهر، وقررت أن تبدأ حياة جديدة لنفسها وتنسى كل ما مضى من مساوئ.

ورأى كثيرون أن الحفل تقليد أعمى، لكن ظهرت عدة أصوات نسوية دافعت عن تصرفها وأقرت بحقها في الاحتفال بطلاق نتج عن خيانة يصعب أن تتجاوزها امرأة بسهولة، وتحتاج إلى جرأة للتعافي من زواج فاشل، وربما تكون هذه المناسبة فرصة لاسترجاع كرامتها مجددا.

ومع تعرض السيدة لهجمة شرسة وانتقادات واسعة ظهرت أصوات نسوية شرحت مزايا أن تحتفل المرأة بالطلاق طالما أنها تشعر بالأثر الإيجابي للفكرة، وأنه لا مانع من الاحتفال بالانفصال إذا عاشت السيدة فترة مؤلمة وترغب في عودتها إلى الحياة مرة أخرى بشكل غير تقليدي.

وهذه ليست الواقعة الأولى في مصر التي تقيم فيها نساء حفلات طلاق، لكنها كانت قاصرة على طبقة مخملية من السيدات المنتميات إلى شريحة ثرية في المجتمع أو فنانات، ثم انتقلت إلى شرائح أخرى، فقد تكون المرأة من طبقة متوسطة وتمتلك شجاعة الاحتفال بالطلاق علانية.

ويبرر بعض الرافضين لحفلات الطلاق اعتراضهم بأنها تتنافى مع التقليد الأسري المتعارف عليه في مثل هذه الحالات، لأن الانفصال مرتبط بمشاعر الغضب والأذى والحزن التي تؤثر بشكل أكبر على النساء وليس الرجال، ومهما تعرضت المرأة للظلم خلال فترة الزواج فليس من المنطقي أن تجاهر بفرحة الطلاق.

وتعتقد المصرية هاله حلمي، وهي شابة حملت لقب مطلقة بعد عامين فقط من الزواج، أن إقدام أي سيدة على الاحتفال بالطلاق يستهدف توفير شعور مؤقت بالانتقام، لكنه لا يساعد على أن تنسى الزوجة المشاعر السلبية التي عاشتها طوال فترة العلاقة مع الشريك عندما يكون سيئا وغير ودود.

وقالت حلمي، وهي أستاذة جامعية تعرضت أيضا للخيانة الزوجية، لـ”العرب” إن “كثرة الضغوط التي تتعرض لها المرأة وتدفعها إلى الطلاق لا يشعر بها الناس أو أقرب الأصدقاء إليها، لذلك يجب على كل أسرة أن تلتمس الأعذار لمن تحتفل بطلاقها، لأنها في الأساس ترغب في التعبير عن قوتها، على الرغم من أنها محطمة داخليا”.

وأضافت “باعتباري سيدة، فإن الاحتفال بالطلاق لا يمكن أن يوفر سعادة للمرأة بعد انفصالها، خاصة إذا عانت من مرارة الحياة الزوجية، وتعرضت للخيانة والصدمة في الشريك، غير أنه يمثل فرصة للتعلم من الدروس والشفاء وإظهار الشجاعة في إمكانية بدء علاقة جديدة مرة أخرى بعد علاقة حكم عليها بالفشل”.

وتمنت حلمي أن تقيم حفل طلاق مثل أي سيدة شجاعة تفعل ذلك، إلا أن أسرتها عارضت ذلك بشدة، باعتبار أن الطقوس الأسرية والتقاليد المجتمعية تنظر إلى الطلاق بنوع من الرفض مهما بلغت الأسباب والدوافع والمبررات، وكثيرا ما يتم إجبار المرأة على نمط حياة معين لتجنب النظرات السلبية من المحيطين بها.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن عودة حفلات الطلاق انعكاس حقيقي وواقعي لما تتعرض له بعض المصريات من أذى نفسي خلال فترة العلاقة الزوجية، يدفع بعضهن إلى الخروج عن المألوف أمام فقدان الأمان النفسي والشعور بالصدمة ومحاولة النأي بأنفسهن عن اليأس والإحباط والفشل.

وأوضحت عبير سليمان، الباحثة الأسرية والناشطة في قضايا المرأة بالقاهرة، لـ”العرب” أن “احتفال المرأة بالانفصال يحمل الكثير من المعاني والرسائل للأسرة والمجتمع والشريك الذي جعل من هذه السيدة ضحية، وبعيدا

 عن اختزال الحفل في رغبة الكيد والانتقام، فهو إعلان رسمي من المرأة بأنها تحررت من سجن نفسي لا يحتمل، وعذاب لم تعد قادرة على تحمله”.

وأشارت إلى أن حفلات الطلاق في العموم تعكس تراجعا في منسوب الانفصال المتحضر وهيمنة السلطة الذكورية على الحياة الأسرية، فليس طبيعيا على أي امرأة حصلت على الطلاق أن تقدم على إقامة احتفالية علنية، إلا إذا تعرضت للذل والقهر وخاضت صراعات طويلة ودخلت في معارك كثيرة لنيل حريتها.

وتلجأ المرأة إلى هذا السلوك أحيانا لتوصيل رسالة إلى أسرتها وأقاربها والمحيطين بها يفيد مضمونها بأنها لا تزال سيدة قوية، واتخذت قرار الطلاق بنفسها ولم يفرضه الرجل، كما ترغب أيضا في توصيل رسالة إلى شريكها السابق تفيد بأنها نجحت في التحرر من سجنه ولم يستطع تدميرها، ولذلك تحتفل بهذه المناسبة لأهداف أنثوية بحتة.

وقد تكون الرسالة الأهم من احتفال المرأة بالطلاق إبلاغ المجتمع بأن السيدة التي تتم معايرتها بالانفصال والنظر إليها بدونية وتطاردها النظرات والعبارات القاسية، هي امرأة قوية وشامخة لا يعنيها أحد، وقادرة على مواجهة الجميع، ومن المهم أن تعيش حرة وليست أسيرة لرجل سعى إلى تدمير حياتها بسلوكيات ذكورية.

ولا تكترث شريحة كبيرة في المجتمع المصري بهذه الرسائل، وتطارد أحيانا كل امرأة أقدمت على الاحتفال بطلاقها بعبارات قاسية وكلمات ساخرة، فهناك من يروجون أنها تبحث عن عريس جديد وآخرون يرونها مستهترة وغير قادرة على تحمل المسؤولية الأسرية الملقاة على عاتقها، وهناك فريق ثالث يعتبرها امرأة متمردة ومهما خاضت تجارب زوجية لن يكتب لها النجاح.

ولفتت عبير سليمان إلى أن خطر حفلات الطلاق يكمن في أنها تقود إلى مشكلات أسرية معقدة للمرأة، وقد تتسبب في إشعال نار العداء والخصومة والغيرة والانتقام بين المطلقين، لأن السيدة عندما تحتفل بانفصالها من رجل بعينه لا تمانع في التشهير به، ما يلحق الضرر بها وبأولادهما، أي أنه يحمل مخاطرة ضدها.

ومهما حاولت المطلقة أن تقنع أولادها بمرارة الحياة التي عاشتها مع الأب وحقها في الاحتفال بالانفصال، فإن الأولاد قد يشعرون بكراهية شديدة تجاه الطرفين لأنهم لن يعرفوا الحقيقة من مختلف زواياها، وتتولد بداخلهم مشاعر البغض نحو أحدهما أو كليهما، ما يؤثر على حياتهما الشخصية والأسرية مستقبلا.

ولئن كانت هناك أصوات تعطي المرأة الحق في الطلاق طالما أنها تعيش مرارة الحياة الزوجية وتخوض لأجل حريتها معارك طويلة، فإنها تتفق على أن حفلات الطلاق تظل تعبيرا عن الرغبة في الانتقام أو إظهار القوة لدى من تعرضت للإهانة، ومهما بلغت قسوة العلاقة فهذا لا يعني إقامة كرنفال احتفالا بالطلاق.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية