خطاب الكراهية

خطاب الكراهية

خطاب الكراهية


24/06/2023

منير أديب

"الكراهية" هي الباب الذي تدخل منه جماعات العنف والتطرّف، والطريق الذي تسير فيه كل التنظيمات الإسلاموية. محاربة هذا الخطاب هو بمثابة قطع الطريق أمام انتشار أي أفكار من شأنها أن تؤدي إلى ظهور هذه التنظيمات أو تناميها داخل المجتمعات الآمنة.

احتفل العالم للمرّة الثانية باليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية في 18 حزيران (يونيو) الجاري، بعد أن سلّطت الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على تنامي هذا الخطاب، وتأثيره على الأمن والسلم الدوليين، وهو ما وجب التنبّه إليه في ظلّ الحرب الدائرة على الجماعات والتنظيمات المتطرّفة التي تقتات عليه.

خطاب الكراهية هو بمثابة اختراق لحصوننا من الداخل، نظراً لانتشار الجماعات الإسلاموية داخل الكثير من المجتمعات، والسماح لها بالعمل على مدار عقود طويلة. فخطورة هذه التنظيمات في خطابها وليس في تهديدها لأمن الدولة، وإن كان في ذلك خطر، فبعض هذه التنظيمات تعبث بمفهوم الأمن من خلال نشرها لهذا الخطاب، تفعل ذلك بتمهلٍ وعلى مهلٍ من دون أن يشعر بها أحد، ثم تنقضّ بعد ذلك على الوطن ويصبح فريسةً لها.

لا يمكن مواجهة التنظيمات المتطرّفة من دون مواجهة خطابها، فلا فائدة لأي مواجهة من دون تفكيك الخطاب القائم على الكراهية، والذي يُعدّ البذرة الأولى لإنتاج التطرّف، الذي يمثّل هو الآخر عصب أي سلوك إرهابي؛ خطاب الكراهية هو بداية التطرّف، والتطرّف هو بداية الإرهاب.

كل التنظيمات المتطرّفة تحمل خطاب العنف والكراهية فوق ظهرها؛ قد لا يمارس بعضها العنف الجنائي بصورة دائمة، ولكنها تهيّئ مقدّمات هذا العنف، من خلال الخطاب المنحاز للكراهية، الذي يدفع الأشخاص والجماعات إلى ممارسة العنف الجنائي في ما بعد؛ فخطاب الكراهية هو بداية بوادر المرض، وتبقى ممارسة السلوك الإرهابي مجرد عارض لمرض أكبر هو الكراهية، وهذه خطورة هذا الخطاب وتأثيره.

استخدام "الإخوان المسلمين" للعنف الجنائي قد يكون محدوداً خلال سنوات النشأة، بداية ظهور الجناح العسكري للجماعة في أوائل الأربعينات من القرن الماضي، ثم بداية تشكيل الميليشيات المسلّحة ما بعد العام 2013، من بينها، "حركة سواعد مصر"... و"حسم" و"لواء الثورة"، ولكن يبقى خطر التنظيم في خطابه.

المؤكّد أنّ جماعة "الإخوان المسلمين" مارست التحريض على العنف عبر خطاب ملحوظ ومفهوم، وإن كان غير متفهّم، منذ أن طرحه المؤسس الأول حسن البنا في دعوته في آذار (مارس) من العام 1928، حيث تعامل بذكاء ودهاء من خلال الجَهر بهذا الخطاب، فانتظر 10 سنوات كاملة حتى أعلن في المؤتمر الخامس من العام 1938 استخدام العنف، وهنا أطلق عليه القوة، وقال عبارته الشهيرة: "سوف نستخدم القوة حين لا يُجدي غيرها"، ليكشّر عن أنيابه في خطاب التنظيم الجديد!.

ومن هنا كانت بداية الانطلاق نحو عالم العنف والتحريض، حيث حمل "الإخوان" خطاباً تحريضياً، سواء ضدّ الأشخاص أو الهيئات أو حتى الحكومات، وظهرت بوادره خلال العقود التسعة الماضية، أو استقته الجماعات الإسلاموية الأخرى، فخرجت أشهر الجماعات المتطرّفة من رحَم التنظيم الأم، وتربّى قادة هذه التنظيمات داخل تنظيم "الإخوان المسلمين". مثال لذلك أسامة بن لادن، المؤسّس لتنظيم "القاعدة"، وأبو بكر البغدادي، أول خليفة لـ"داعش"، وزعيم "جماعة التكفير والهجرة"، شكري مصطفى، وآخرون.

خطورة "الإخوان" في تقديري ليس في وجود التنظيم ولا في المزاحمة على السلطة ولا في محاولة طمس الهوية، وإن كان كل هذا يمثّل خطراً حقيقياً، ولكن الخطر الأبرز في ما يحملونه من خطاب كراهية، يدفعهم للعنف ويدفع غيرهم إليه، فكل الجماعات الإسلاموية التي لجأت إلى العنف كانت بدايتها عند "الإخوان"، وكان خطاب "الإخوان" هو المتّهم الرئيسي، بل هو من شكّل خطاب الكراهية الذي يمثّل جذر الجماعة الحقيقي في اتجاه العنف.

المشتغلون على ظاهرة الإسلام السياسي دائماً ما يقعون في خطأ كبير يرتبط بمواجهة التنظيمات من دون مواجهة الأفكار أو السعي لتفكيكها، ينشغلون بمواجهة هذه التنظيمات وينسون مواجهة خطاب هذه الجماعات ومن قبل أفكارها، وهو الأهم في المواجهة، فلا فائدة من تفكيك التنظيمات، بينما خطابها أو أفكارها ما زالت تنبض بالحياة. خطورة التنظيمات في أفكارها وليس في قوة بنائها التنظيمي.

وهذا ما كانت تعمل عليه جماعة "الإخوان المسلمين" كمثال، كانت تهتم أكثر بتربية أتباعها، كما كانت منشغله بنشر أفكارها وتأصيل هذه الأفكار، حتى ولو لم يصل التنظيم إلى ما أراده من اختراق بعض المؤسسات. صحيحٌ هناك خطر من اختراق مؤسسات الوطن من خلال هذه التنظيمات، ولكن الخطورة الأكبر في خطابها، وهنا لا بدّ من أن يكون الهدف منصّباً على تفكيك هذا الخطاب، ولا بدّ من إعادة إنتاج خطاب جديد، يُعبّر عن هوية الإنسان والدولة، ويكون بديلًا للأفكار الراديكالية التي تستهدف الإنسان والإسلام معاً.

الإسلام لا يحمل إلاّ الخير والحب والسلام للنّاس، كل النّاس بلا استثناء. التنظيمات الإسلاموية قلبت هذا الخطاب رأساً على عقب، ونشرت خطاباً محرّضاً على الكراهية والعنف، واستخدمت الدين فيه؛ فمارسوا العنف باسمه وتحت لافتة الجهاد، والدين برّاء من أفعالهم. وهنا لا بدّ أن نتنبّه إلى أهمية تجديد الخطاب الديني والفكر الديني معاً، وهنا تبدو أهمية المؤسسات الدينية في المنطقة العربية للقيام بهذا الدور.

خطورة التنظيمات الإسلاموية أنّها تستخدم الدين في نشر خطاب الكراهية، وهنا تبدو الخطورة مزدوجه وذات وجهين، أحدهما يرتبط بأفكار العنف التي باتوا لها ملاذاً، وأنّ الأفكار التي ينشرونها من خلال هذا الخطاب، تجد على مرّ التاريخ من يتبنّاها ويمارس العنف على خلفيتها. وثانيهما، إنّ نشر هذه الأفكار يمثل طعناً للدين وإساءةً لفهمه وربما يصرف البعض عنه، ظناً واعتقاداً منه أنّ المشكلة في الدين وليس في فهم هؤلاء المتطرفين.

كما من خطورة التنظيمات الإسلاموية أنّها نجحت بصورة كبيرة في نشر خطابها في الأوساط الدنيا من المجتمعات العربية، فباتت هذه الأوساط تُعبّر عن هذه التنظيمات من دون أن تشعر، وبات هؤلاء مجندين في هذه التنظيمات أيضاً من دون أن يشعروا، ولذلك، من المهم التنبّه إلى خطورة الخطاب ومواجهته عن طريق التفكيك، لأنّه يمثل الخطر الأكبر والأبرز في مواجهة هذه التنظيمات.

ثلاثة أدوار لا يمكن الإستغناء عنها في معركة خطاب الكراهية، الدور الأول يتعلق بالمؤسسة الدينية، والثاني يتعلق بالمؤسسة الثقافية، والدور الثالث بالفن، وهنا لا بدّ من أن تلعب المؤسسات المعنية دوراً كبيراً في تجديد خطابها، فلا يمكن مواجهة أي خطاب يدعو للكراهية إلاّ من خلال الثقافة والفن والمؤسسة الدينية والتعليمية أيضاً.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية