خمسة مفاهيم خاطئة عن التطرف غير العنيف في دراسات الإرهاب

خمسة مفاهيم خاطئة عن التطرف غير العنيف في دراسات الإرهاب

خمسة مفاهيم خاطئة عن التطرف غير العنيف في دراسات الإرهاب


14/03/2023

تتمحور إحدى المناقشات الأساسية المحتدمة في مجال دراسات الإرهاب، في هذا الوقت، حول فكرة إلى أي مدى يؤدي التطرف الأيديولوجي إلى أعمالٍ عنيفة أو غير عنيفة. من بين النماذج أو المسارات الأكثر تأثيرًا التي تشرح التحوّل من التطرف غير العنيف إلى التطرف العنيف، ما يُعرف باسم “سُلّم” الإرهاب لفتحالي مقدم، و”هرم” الإرهاب لماكولي وموسكالينكو، و”الحزام الناقل” إلى الإرهاب لباران. كل هذه النماذج ترى التطرف غير العنيف تمهيدًا وبداية لمسارٍ يفضي إلى العنف.

ومع ذلك، فليس هذا هو الحال دائمًا: فهناك الكثير ممن يصبحون متطرفين وينخرطون في التطرف (يعارضون النظام) ومع ذلك “لا يصبحون مقاتلين أجانب، أو ينخرطون في الإرهاب، أو حتى يصلون إلى خط المواجهة”1.

إن الافتراض بأن جميع المتطرفين سيصبحون إرهابيين قد يمنع العلماء من دراسة التحدي الذي يواجه الحكومات الوطنية التي تطرحها تلك الجماعات التي لا تمارس ضغوطها من خلال العنف، ولكن من خلال قوة الأفكار.

في هذه المقالة، نقدِّم لمحة عامة عن المفاهيم الخاطئة الخمسة الرئيسة التي تعرقل النقاش العلمي والعام حول التطرف غير العنيف، بالإضافة إلى مقترحاتٍ لحلها. هذه المفاهيم الخاطئة حول التطرف غير العنيف أشير إليها بشكلٍ كامل في دليل روتليدج الجديد2، الذي يمثل أول مساهمة علمية شاملة حول مظاهر التطرف غير العنيف عبر الأوساط الأيديولوجية المختلفة.

المفهوم الخاطئ الأول: التطرف غير العنيف هو ببساطة “حزام ناقل” للتطرف العنيف

في الدليل المُشار إليه أعلاه، لا تزال العديد من الجماعات التي خضعت للدراسة متطرفة وتنخرط في التطرف دون اللجوء إلى العنف. وسواء كانت أشكالًا يسارية أو نسوية أو تتعلق بالمدافعين عن البيئة، فإن أيًا من دراسات الحالة حول هذه الأشكال من التطرف التقدمي (أو ما يسمى هنا باسم “ما بعد الحداثة”) لا ترقى إلى العتبة الجنائية للإرهاب.

وفي حين أنها (في حالات الجماعات المدافعة عن البيئة خاصة) قد تنخرط في أعمال عنفٍ سياسي عفوية، فإن أساليب عملها ودورات التخطيط للهجمات ليست موجهة ضد الناس، وتستند إلى أشكال مبدئية من اللا عنف، وتميل إلى أن تكون عفوية بالأساس، وليست متعمدة.

في الواقع، تحتج هذه الحركات، في بعض الحالات (خاصة عندما يتعلق الأمر بأشكال التطرف النسوي)، على أشكال عنف الدولة التي تحدث ضد مجموعة مجتمعية مضطهدة أو ممثلة تمثيلًا ناقصًا.

المفهوم الخاطئ الثاني: التطرف غير العنيف مجرد ظاهرة جهادية غربية محلية

إحدى المساهمات الرئيسة للدليل هي تركيزه على تعدد مظاهر التطرف غير العنيف. لفترة طويلة الآن، يطغى التطرف العنيف والجهادي على دراسات الإرهاب والتطرف. إلى حدٍّ ما، هذا أمر مفهوم في حقبة ما بعد 11 سبتمبر. لقد أصبح الجناة الجهاديون يهيمنون على بيئة التهديد، وقد قاد ذلك النخب السياسية إلى إعطاء الأولوية للتدابير المضادة، التي ركّزت بشكلٍ كبير على العناصر العنيفة وغير العنيفة للقضية الإسلاموية والمسلمين المهاجرين.

ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، نعلم أنه -سواء من حيث تواتر الهجمات أو عدد القتلى- فإن اليمين المتطرف هو المسؤول عن عدد متزايد من الهجمات الإرهابية، مع ارتفاع بنسبة 320 في المائة في السنوات الخمس السابقة لعام 2019، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي.

وبالتالي، فإن الأوقات الجديدة تتطلب تركيزًا جديدًا، ويقدم هذا الدليل وجهات نظر وطرائق جديدة للتطرف تلبِّي احتياجات الباحثين والممارسين للتعامل مع بيئة التهديد الجديدة هذه. وبالانتقال إلى ما هو أبعد من الجماعات الإسلاموية، يوثِّق هذا الدليل صعود التطرف اليميني والبوذي غير العنيف، والمظاهر الجديدة للتطرف النسوي واليساري والبيئي، مع الجماعات التي لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن، والمناطق الجغرافية التي أغفلتها الأدبيات في السابق كمواقع للتطرف.

يتمثل أحد الجوانب المهمة لهذا الأمر في بدء محادثة علمية حول التطرف غير العنيف كمحور موضوعي للبحث في حد ذاته، فضلًا على إزالة الافتراض بأن التطرف غير العنيف يؤدي بالضرورة إلى الإرهاب في المقام الأخير.

المفهوم الخاطئ الثالث: المتطرفون غير العنيفين أقل تأثيرا ممن يسمون المتطرفين العنيفين

يوضح الدليل أن العديد من الحركات المتطرفة غير العنيفة تكبح جماح التطرف المؤدي للإرهاب أو العنف السياسي. لنأخذ على سبيل المثال، الفصل الذي كتبه جان علي عن جماعة التبليغ، حيث يشير إلى أن ما تنتهجه الجماعة يُعد شكلًا أكثر أخلاقية من أشكال اللا عنف المرتبط برؤية التحوّل الاجتماعي العالمي البنّاء والمفيد من خلال الالتزام الديني.

أما في حالة الفصل الذي كتبه ويليام ألشورن عن تحالف فتيان كرة القدم الديمقراطيين (DFLA)، على سبيل المثال، فيشير إلى شكلٍ أكثر استراتيجية من أشكال اللا عنف المرتبط بالالتزام التكتيكي بالوقفات السلمية والاحتجاجات المرتبة مسبقًا.

في حالة الفصل الذي كتبه جيراي جريم عن حزب الحركة القومية في تركيا، كانت التطورات التنظيمية (أي زيادة المنافسة وعدم استقرار ناخبيه الأساسيين) هي التي قادته بعيدًا عن العنف.

وبالتالي، فإن الدليل يتجاوز ثنائية العنف واللا عنف من خلال الإشارة إلى عدم وجود فواصل واضحة داخل المجموعات نفسها حول ما إذا كان العنف أو اللا عنف موجودًا، اعتمادًا على مسارات التطوّر الفردية، ومساراتها التنظيمية.

المفهوم الخاطئ الرابع: العنف أمر لا مفر منه في ظل الجماعات المتطرفة غير العنيفة المدفوعة بقضايا رجعية مقابل الجماعات التقدمية

أظهرت التوجهات الاستراتيجية لانتهاج اللا عنف أنها أكثر انتشارًا بين أشكال التطرف التحريرية أو الرجعية، أي ذات الطبيعة الدينية أو اليمينية المتطرفة. وسواء كانت التيارات البوذية المتطرفة في ميانمار أو سريلانكا أو الحركات الهوياتية واليمينية المتطرفة في أوروبا وتركيا، فإن هذه الحركات غير العنيفة شهدت تطرفًا نحو العنف من خلال خطاب الأزمات الذي أدّى إلى اتخاذ إجراءات ضد الأقليات الدينية والعرقية -سواءً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر- في شكل عنف سياسي مُنظّم وحتى إرهاب.

هذا لا يعني أن جميع الحركات المتطرفة الرجعية غير العنيفة في هذا الدليل قد شهدت مثل هذا التحوّل. في حالة حركات الاحتجاج المناهضة للإسلام في أوروبا (كما ورد في فصول الخاصة بـ”فتيان كرة القدم الديمقراطيين”، وحركة “بيجيدا” في ألمانيا، ضمن دليل ويليام ألشورن وسابين فولك ومانيس فايسكيرشر)، كان التحوّل إلى اللا عنف شكلًا رئيسًا من أشكال “إدارة الانطباع” بين الحركات التي تسعى إلى الحفاظ على الشرعية والأهمية السياسية3.

علاوة على ذلك، في حالة التطرف الديني، قامت بعض الجماعات (لا سيّما كما ورد في فصول الدليل الخاص بجماعة التبليغ وحزب النور في مصر، والتحالف السلفي الإسلامي في الكويت في الكويت من قبل جان علي وزانا جول محمد وكيرا جوميت) بدمج استراتيجية اللا عنف والمشاركة داخل المؤسسات السياسية الرئيسة كجزءٍ أساسي من منهجيتها، وطريقة ممارستها، والمشاركة في العملية الانتخابية وتقديم مرشحين برلمانيين من أجل الحفاظ على مكانة الإسلام في المجتمع والنظام القانوني.

وعلى النقيض من ذلك، اختار آخرون، كما ورد في فصل كتبه أوروفينو وتشوبان أوغلو عن حزب التحرير، العمل خارج النظام الديمقراطي القائم، ليس الانخراط في الإرهاب والعنف السياسي بأنفسهم ولكن باستخدام ما يُسمى بـ”النصوص الملهمة” من أجل تشجيع الآخرين على العمل العنيف مع التوقف عند أعتاب العمل العنيف هم أنفسهم.

المفهوم الخاطئ الخامس: الجماعات المتطرفة غير العنيفة جميعها ذات هيكل هرمي دقيق وواضح

يتعلق الدرس الأخير المستفاد من الدليل بطبيعة تنظيم الحركات المتطرفة غير العنيفة نفسها. العديد من الجماعات المتطرفة غير العنيفة في الوقت الحاضر، التي وردت في الفصول المبكرة في الدليل، هي ما نسميه ما “بعد التنظيمية”، أي تلك التي تتجاوز مسألة الهيكل التنظيمي.

تعتمد هذه الحركات على التبرعات الصغيرة سواء من حيث الوقت أو المساعدات المالية أو النشاط عبر الإنترنت، من أجل الحفاظ على نفسها.

وبالتالي، فإن ما يُسمى بالحركات المتطرفة غير العنيفة “ما بعد التنظيمية” تثري معرفتنا حول ما يُشكِّل منظمة سياسية، وما يعنيه أن تصبح عضوًا في واحدةٍ عندما لا تكون هناك هياكل رسمية أو قوائم عضوية مقننة أو قوائم تُذكر.

بإعطاء مثال على حركتي “المواطنين السياديين”، و”كيوآنون” على سبيل المثال، يجد دانيال بالدينو ومايكل بالنافيس في مساهمتهما أن الهويات السائلة والقاعدة الديموغرافية المتنوعة تتلاقى وتتضافر في نظرة “المواطنين السياديين” للعالم (مثل الحكومة كيان مؤسسي فاسد وغير شرعي) في الفضاء عبر الإنترنت.

علاوة على ذلك، يوضح ميلو كمرفورد وجاكوب جروهل وجاكوب ديفي في مساهمتهم كيف أن مجتمعات المتطرفين اليمينيين تُنسّق وتُنظم بطريقةٍ أكثر مرونة، وغالبًا ما تتسم بالالتزام بالمجازات والرموز الثقافية والأيديولوجية، بدلًا من العضوية في مجموعاتٍ معينة.

لو شئنا الدقة أكثر، ما سبق يظهر كيف أن تصنيفات العنف واللا عنف تصبح غير واضحة في حركات ما بعد التنظيمية، في ظل انتشار نظريات المؤامرة في أوقات الأزمات، والمعلومات المضللة حول الإحصاءات السكانية من قبل الحركات الاجتماعية اليمينية المتطرفة الصغيرة (على سبيل المثال، حركة الهوية الأوروبية) التي تشجّع الآخرين في جميع أنحاء الجانب الآخر من العالم على ارتكاب هجمات إرهابية وفظائع (مثل إطلاق النار على مسجد كرايستشيرش) في نيوزيلندا.

الخلاصة

في الختام، ثمة سؤال يثور حول ما إذا كانت مثل هذه الحركات ما بعد التنظيمية -التي يوجد الكثير منها ليس فقط في الفضاء المتطرف المناهض للحكومة أو اليمين المتطرف- توفر مسارات العنف المتطرف أو على الأقل توفر ثقافات فرعية توجد فيها أفكار تجرد البشر من إنسانيتهم، التي يمكن أن تؤدي بدورها إلى العنف السياسي.

الإجابة مُعقدة، فعلى الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة، فإن طبيعة الحركات، التي لا قيادة لها والمجزّأة تنظيميًا، تجبر المرء على التساؤل عما إذا كانت الهياكل الهرمية الرسمية تضع “سقفًا للعنف”4، وهو أمر يستكشفه الدليل بإسهاب كبير.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية