داعش يعود.. لكن هل غاب التنظيم أصلاً؟

داعش يعود.. لكن هل غاب التنظيم أصلاً؟


31/01/2022

أعادت الهجمات الأخيرة التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق وغيرهما من البلدان والمناطق مؤخرا تساؤلات عن إمكانية عودة التنظيم الذي لا يبدو أنه غاب عن الساحة أصلا.

وبعد الهروب من السجن في سوريا والهجوم المميت على ثكنات الجيش في العراق يعود تنظيم الدولة الإسلامية إلى عناوين الأخبار، في تذكير بحرب انتهت ظاهريا قبل ثلاث سنوات لكنها في الواقع مازالت مستمرة بعيدا عن الأنظار في الغالب.

أكثر الهجمات خطورة

كانت الهجمات الأخيرة الأكثر جرأة منذ أن خسرت الجماعة المتطرفة آخر قطعة من أراضيها في عام 2019 بمساعدة تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد حرب استمرت سنوات وتركت الكثير من عمران العراق وسوريا في حالة خراب.

ويقول السكان في كلا البلدين إن العمليات الأخيرة التي نفذها داعش كانت عمليات نوعيّة وأكدت ما عرفوه وخشوه منذ أشهر، حيث يؤدي الانهيار الاقتصادي وغياب الحوكمة والتوترات العرقية المتزايدة في المنطقة الفقيرة إلى عكس ما يترتب على المكاسب التي يتم جنيها من مكافحة داعش، مما يسمح للتنظيم بالتهديد بما يسمى “الخلافة” مرة أخرى.

وقال رجل سوري إنه على مدى السنوات القليلة الماضية نفذ مسلحون هجمات متكررة في بلدته الشحيل، معقل داعش السابق في محافظة دير الزور شرقي سوريا. ونجحوا في ضرب أفراد من قوات الأمن التي يقودها الأكراد أو الإدارة المحلية ثم اختفوا. وأضاف “نعتقد أن الأمر قد انتهى ولن يعودوا. ثم فجأة ينقلب كل شيء رأسا على عقب مرة أخرى. إنهم في كل مكان، وهم يضربون بسرعة وفي الغالب في الظلام، مما يخلق هالة من قوة التخفي المنتشرة في كل مكان”، وتحدّث الرجل شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته.

وخسر داعش آخر رقعة من أراضيه بالقرب من الباغوز في شرق سوريا خلال مارس 2019.

ومنذ ذلك الوقت بقي بعيدا عن الأنظار إلى حد كبير وشن تمردا منخفض المستوى، بما في ذلك تفجيرات على جوانب الطرق واغتيالات وهجمات كر وفر استهدفت في الغالب قوات الأمن. كما نفذ المسلحون في شرق سوريا نحو 342 عملية خلال العام الماضي، كانت الكثير منها هجمات على القوات التي يقودها الأكراد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا. وكانت عملية الهروب من السجن في العشرين من يناير في منطقة الحسكة السورية هي أكثر هذه العمليات تعقيدا حتى الآن.

ومن تفاصيل ذلك أن المسلحين اقتحموا السجن بهدف تهريب الآلاف من رفاقهم. وسمح المهاجمون لبعض السجناء بالهروب، واحتجزوا رهائن، بينهم أطفال معتقلون، وقاتلوا قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد لمدة أسبوع. ولم يتضح عدد المسلحين الذين تمكنوا من الفرار ولا يزال بعضهم في السجن. وأسفر القتال عن مقتل العشرات واجتذب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي نفذ غارات جوية ونشر أفرادا أميركيين في مركبات برادلي القتالية في مكان الحادث.

كما أدت المعركة إلى نزوح آلاف المدنيين المجاورين من منازلهم. وأعادت إلى الأذهان سلسلة من عمليات الهروب من السجون التي غذت تصاعد تنظيم الدولة الإسلامية قبل أكثر من ثماني سنوات، عندما اجتاح أراضي في العراق وسوريا.

وبعد ساعات من بدء الهجوم على السجن اقتحم مسلحو داعش في العراق ثكنات في الجبال شمال بغداد، وقتلوا حارسا و11 جنديا بالرصاص أثناء نومهم. وكان ذلك جزءا من تصعيد في الهجمات مؤخرا أثار مخاوف من أن الجماعة بدأت تكتسب زخما في العراق أيضا. وقال مصدر استخباراتي عراقي إن تنظيم الدولة الإسلامية ليس لديه نفس مصادر التمويل كما في الماضي وهو غير قادر على الصمود. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته “إنهم يعملون كمنظمة لامركزية”.

وقال المتحدث العسكري العراقي اللواء يحيى رسول إن أكبر عملية تقوم بها الجماعة ينفذها ما بين 7 و10 مسلحين. ويعتقد أنه من المستحيل حاليا على داعش السيطرة على قرية، ناهيك عن مدينة. في صيف 2014 انهارت القوات العراقية وتراجعت عندما اجتاح المسلحون مساحات شاسعة من شمال العراق. وينشر تنظيم الدولة الإسلامية على قناته “أعماق” في الإنترنت مقاطع فيديو من هجوم على السجن ويمجد عملياته الأخرى في حملة دعائية مكثفة. والهدف من ذلك هو تجنيد أعضاء جدد و”إعادة تنشيط الشبكات شبه النائمة في جميع أنحاء المنطقة”، وفقا لتحليل أجراه مركز صوفان الاستشاري للشؤون الأمنية.

وعلى جانبي الحدود السورية – العراقية يستفيد تنظيم الدولة الإسلامية من الاستياء العرقي والطائفي ومن تدهور الوضع الاقتصادي. وفي العراق أدى التنافس بين الحكومة المركزية في بغداد والمنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال البلاد إلى فتح شقوق تسلل من خلالها تنظيم الدولة الإسلامية. وتساعد خيبة أمل العرب السنة في السياسيين الشيعة المجموعة على جذب الشباب.

وفي أفغانستان صعّد مسلحو داعش هجماتهم على حكام البلاد الجدد -أعضاء حركة طالبان- وعلى الأقليات الدينية والعرقية، في محاولة لإرباك طالبان.

استثمار تدهور الأوضاع

في شرق سوريا تصاعدت التوترات بين الإدارة التي يقودها الأكراد والسكان العرب. ويغذي داعش استياء العرب من هيمنة الأكراد على السلطة ومن ندرة فرص العمل في وقت تنهار فيه العملة السورية. ونفذت السلطات الكردية حملات قمع ضد السكان العرب للاشتباه في تعاطفهم مع داعش، خاصة بعد موجة الاحتجاجات على الظروف المعيشية.

وفي نفس الوقت، وبهدف تخفيف التوترات، أطلقت السلطات الكردية سراح العرب المحتجزين وشجعت أفراد القبائل العربية على الانضمام إلى صفوف قوات سوريا الديمقراطية. لكن هذه الخطوات أثارت مخاوف تتعلق بتسلل المناوئين أو تفشي الفساد، مما فاقم التحديات. ولدى المسلحين خلايا تمتد من الباغوز شرقا إلى ريف منبج بمحافظة حلب غربا، بحسب رامي عبدالرحمن رئيس المرصد السوري الذي قال “إنهم يحاولون إعادة تأكيد وجودهم”.

كما أن شرق سوريا منقسم أيضا بين عدة قوى متنافسة حيث تدير الإدارة التي يقودها الأكراد معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات بدعم من القوات الأميركية. وتقبع الحكومة السورية مع حلفائها الروس والإيرانيين غربي النهر.

وتمسك تركيا والمقاتلون السوريون المتحالفون معها، الذين ينظرون إلى الأكراد على أنهم أعداء وجوديون، بحزام على طول حدود البلدين.

وقالت دارين خليفة، محللة شؤون سوريا لدى مجموعة الأزمات الدولية، إن اعتماد قوات سوريا الديمقراطية على “وجود أميركي غير متوقع” في قتال المسلحين هو أحد أكبر تحدياتها.

وشددت على أن قوات سوريا الديمقراطية يُنظر إليها على أنها بطة عرجاء تجعل السكان المحليين يترددون في التعاون على شن غارات ضد داعش أو تقديم معلومات استخبارية عن خلايا التنظيم المتطرف، لاسيما بعد أن هددت الجماعة أو قتلت العديد من المتعاونين المشتبه بهم في الماضي.

وأوضحت أن ادعاء السلطات الكردية بأنها قادرة على الحكم وتقديم الخدمات للمنطقة وسكانها المختلطين “تلقّى ضربة في 2021 مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في المنطقة”.

ويقول السكان إن تنظيم الدولة الإسلامية لا يجمع الضرائب أو يجند الناس، مما يشير إلى أن أعضاء داعش لا يسعون للاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها كما فعلوا في 2014، عندما أصبحوا حكاما فعليين لمنطقة امتدت عبر ما يقرب من ثلث سوريا والعراق. وبدلا من ذلك يستغلون الفراغ الأمني وغياب الحكم ويلجأون إلى التخويف والخطف. وقال ساكن الشحيل في دير الزور إنهم ينشطون في الغالب ليلا، في هجمات خاطفة على مواقع عسكرية أو عمليات قتل مستهدفة تنفَّذ من دراجات نارية سريعة. وتابع “إنهم دائما يضربون ويهربون”.

ووصفت خليفة المنطقة بأنها متوترة باستمرار، وتحت تهديد غير مرئي من مسلحين يندمجون في السكان الذين قالوا إن “الخوف شديد جدا، ولا أحد يتحدث عن الأمور بصراحة”. وقالت خليفة إن “الكل يخاف من الاغتيالات. لديهم مكانة وسمعة ولن يرحلوا أبدا”.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية