"ذوو الهمم": مصر تلتفت لذوي الإعاقة بعد عقود من الإهمال

"ذوو الهمم": مصر تلتفت لذوي الإعاقة بعد عقود من الإهمال


20/12/2021

نشرت النيابة العامة المصرية قبل أيام بياناً عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" تعلن فيه إحالة معلمة إلى الجنايات بتهمة التنمّر على طالب من طلاب الدمج (ذوي الهمم)، ويتجاوز البيان، الذي يعكس التغيير الكبير الذي شهدته مصر على نواحي عدة خلال الأعوام الماضية، مجرّد الجانب الإخباري إلى تقديم رسالة دعم وتحذير.

أمّا الدعم، فهو لكافة أبناء وأهالي تلك الفئة في التقدم ببلاغات سيتمّ النظر إليها باهتمام، وستجد طريقها إلى التحقق السريع، وبخصوص التحذير فهو موجّه إلى المجتمع ككل، مفاده أنّ ردّ الاعتبار لتلك الفئة لم يعد منحة أو فضلاً يمكن أن يمنحه المجتمع وأفراده لهؤلاء، وإنّما بات مكفولاً ومحفوظاً بموجب قوانين.

اقرأ أيضاً: رضا عبدالسلام: رحلتي إلى إذاعة القرآن الكريم بدأت بتحايلي على الإعاقة

في العام 2018، أصدرت مصر قانون رقم (10) لتنظيم شؤون الأفراد "ذوي الإعاقة والأقزام"، ونصّ على توفير الحماية الاجتماعية والرعاية لتلك الفئات، والتواصل، وعدم التمييز على أساس الإعاقة، والإتاحة عبر توفير بيئة دامجة وموائمة، مع الدمج الكامل في المجتمع؛ أي استخدام الأشخاص "ذوي الإعاقة" لكافة الخدمات والأنشطة والمرافق العامّة ووسائل التعليم على قدم المساواة مع الآخرين، وقد مثل القانون طفرة.

في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أدخل مجلس النواب المصري تعديلاً على قانون "ذوي الإعاقة"، حيث غلّظ عقوبة التنمّر على هؤلاء، حتى تصل إلى السجن (5) أعوام، وهو ما مثل طفرة جديدة.

والطفرات التي شهدتها أحوال ذوي الهمم في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متصلة، فما أن تقفز قفزة في تلك الطريق حتى تتبعها بأخرى، وربما كان في الدعم النفسي والمعنوي الذي يقدّمه الرئيس إلى تلك الفئة منافع لا تقلّ عن المنافع المادية، إذ تبعث رسالة ووعوداً من رأس الدولة، لاستعادة ما فقدوه خلال أعوام وعقود.

في العام 2018 أصدرت مصر قانون رقم (10) لتنظيم شؤون الأفراد ذوي الإعاقة ونصّ على توفير الحماية الاجتماعية والرعاية لتلك الفئات

وتُعدّ أزمة ذوي الإعاقة في مصر أزمة متداخلة، قادرة على إصابة أيّ أسرة بالصدمة والقلق والخوف إذا ما ولد لها طفل من ذوي الهمم، حتى الأسر الأعلى دخلاً، فبعضها يفضل تخبئة أبنائهم خشية التنمّر، أو لعدم القدرة على مواجهة المجتمع، وتتفاقم تلك الأزمة لدى الأسر الفقيرة وفي النجوع، التي لا يقف الأمر فيها عند حدّ القبول فقط، ولكن الإعالة والإنفاق.

اقرأ أيضاً: هكذا تحدّت ديما جحا الإعاقة والحرب والوصايا المحبطة

ويقلب الدعم المعنوي الذي يقدّمه الرئيس إلى تلك الفئات المعادلة، صحيح أنّه لا يمثل عصا سحرية تذيب كافة أزماتهم العميقة، لكنّه يمحو سلطوية اعتبارهم منقوصين.

قبل أسبوعين، شارك الرئيس المصري في احتفالية كانت ضمن الخطوات التي قدّمتها الدولة لهم، بالتزامن مع اليوم العالمي للإعاقة. الاحتفالية التي استمرت قرابة ساعتين، تحت اسم "قادرون باختلاف"، تضمّنت فقرات غنائية واستعراضات، ولقاءات مع ذوي الهمم وعائلاتهم.

أدار الرئيس حواراً عفوياً مع المشاركين، واستمع إليهم، واستجاب لبعض مطالبهم، في احتفالية لم ترفع فقط من نصيب هؤلاء وصورتهم في المجتمع، لكنّها رفعت أيضاً من أسهم الرئيس لدى المواطنين.

تتجاوز نسبة ذوي الهمم الـ10% من إجمالي عدد السكان في مصر، وفق الإحصائيات الرسمية؛ أي أكثر من (10) ملايين شخص.

رئيسة مؤسسة الشكمجية الفنية لذوي الهمم: ما حدث خلال الأعوام الماضية يفوق التوقعات

خلال "قادرون باختلاف"، لبّى الرئيس المصري حلم الشاب عبد الرحمن الذي كان يرغب في أن يصبح مذيعاً في التلفزيون المصري لكي ينقل احتياجات زملائه، وفي اليوم التالي كان عبد الرحمن يظهر على شاشة التلفاز في برنامج "صباح الخير يا مصر"، كما لبّى حلم الطفلة بسملة، وهي من الناجيات من الحروق، وترغب في أن تصبح قائدة طائرة حين تكبر، تسوق الطفلة الحلم بعفوية دون الاكتراث إلى يديها اللتين التهمتهما النيران، ويستقبل الرئيس الحلم بالعفوية نفسها ويعدها بركوب طائرة للجيش، بل وتصويرها فيها، وفي غضون أيام، كانت بسملة في قاعدة جوية تُستقبل بالتحية العسكرية، وتذهب في جولة بطائرة.

اقرأ أيضاً: الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة

بين الـ(10) ملايين شخص آلاف الأحلام القريبة أو المستحيلة، ولو أنّ الرئيس المصري كان يكتفي في تعامله مع تلك الفئة بالاستجابة لبضعة أحلام دون تمهيد الطرق لتحقق الأخريات، لعُدّت ضرباً من الشعبوية أو الاستغلال، غير أنّ ما تمّ خلال الأعوام الماضية يعكس الرغبة الحقيقية في الانتقال بتلك الفئة إلى وضع أفضل.

تقول رئيسة مؤسسة الشكمجية الفنية لذوي الهمم أميرة شوقي، وهي أيضاً أم لابن مصاب بالتوحد: "إنّ ما حدث خلال الأعوام الماضية يفوق توقعاتهم، فالدولة تقدّم الدعم الحقيقي والجاد لذوي الهمم في كافة المجالات.

ولفتت شوقي، في تصريح لـ"حفريات"، إلى الشمول المالي الذي يُقدّم حالياً ببساطة لذوي الهمم، سواء الأصم أو الكفيف أو المصاب بمتلازمة داون، ولم يكن متاحاً قبل ذلك، فكلّ منهم بات لديه حساب بنكي، وتقدّم لهم قروض بفائدة ضئيلة 3% لتشجيعهم على الإنتاج وافتتاح مشاريعهم الخاصة.

اقرأ أيضاً: مصر: مواقع التواصل تنقذ أحد ذوي الاحتياجات الخاصة من التنمر... ما القصة؟

وتابعت: الدعم موجود على كافة المستويات، من خلال الوزارات التي تقدّم عملاً حقيقياً على الأرض، سواء معاش تكافل وكرامة، أو تقديم السيارة المجهزة لذوي الهمم بتسهيلات كبيرة، وفي كل محافظة يوجد مكتب تابع لوزارة الشباب والرياضة مخصص لذوي الهمم، لتقديم المساعدات لهم ودمجهم في الأندية ومراكز الشباب، وتقديم برامج لتعديل السلوك، فضلاً عن الدمج في التعليم، الذي أصبح مختلفاً عن ذي قبل؛ ممّا مهّد الكثير لذوي الهمم لاستكمال دراستهم، والالتحاق بالمعاهد المهنية أو الكليات والجامعات، بعدما كان غالبيتهم يكتفون بنيل الشهادة الإعدادية في بيئة غير مؤهلة.

مراقبون: التفات صناع الدراما إلى هذه الفئات يتسق مع اتجاه الدولة ككل في الرعاية والتوعية بحقوقها

وأميرة تُعدّ نموذجاً لافتاً في قضية ذوي الهمم، فهي أمّ لنجل مصاب بالتوحد، خصصت وقتها ليس لدعمه فقط بل لدعم القضية ككل، فأطلقت فرقتها المسرحية الشكمجية التي هدفت بداية إلى إصلاح مجتمع ذوي الهمم من الداخل، وتعليم الآباء والأشقاء كيف يقبلون الفرد المختلف في العائلة، ثمّ تأتي المرحلة التالية في كيفيّة مواجهة تلك الأسرة ككل للمجتمع.

وتعمل أميرة على دمج ذوي الهمم وذويهم في عروض مسرحية، على اعتبار أنّ الفنّ من أهم الوسائل القادرة على الدمج وبعث الرسائل.

وعلى ذكر الفن، لا يمكن تجاهل مسلسل "إلّا أنا" الذي يُعرض حالياً على إحدى الفضائيات المصرية في قصة تحت عنوان "حلم حياتي"، ويدور حول فتاة مصابة بالتوحد تحلم بأن تصبح ممثلة، وتتعرّض للتنمّر والمضايقات من المحيطين.

ويرى مراقبون أنّ توجّه صنّاع الدراما إلى مثل تلك الأعمال يأتي اتساقاً مع اتجاه الدولة ككل في الرعاية والتوعية بحقوق تلك الفئات، خصوصاً أنّ منتج العمل هي شركة سينرجي للإنتاج الفني، لصاحبها تامر مرسي، الذي يُعدّ أبرز الوجوه الإعلامية في عهد السيسي.

اقرأ أيضاً: سوري من ذوي الاحتياجات الخاصة قضى تحت التعذيب بيد فصائل موالية لتركيا

وفيما لم تخمد بعدُ الآثار الإيجابية الكبيرة لاحتفالية "قادرون باختلاف"، وقرار النيابة العامة في تقديم معلمة تنمّرت على طالب من ذوي الهمم للمحاكمة، كان نائب في البرلمان يتقدّم بمشروع قانون يطالب برفع نسب الوظائف المخصصة لذوي الهمم في الدولة من 5% إلى 7%، ومن المتوقع أن نجد في الغد تحركاً جديداً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية