"رجم ثريا".. متى تتوقف المرأة عن دفع ضريبة التخلف والاستبداد؟

"رجم ثريا".. متى تتوقف المرأة عن دفع ضريبة التخلف والاستبداد؟


03/03/2020

أحدثت الثورة الإسلامية في إيران العام 1979؛ دوياً ثقافياً وسياسياً، تردّد صداه لدى كثرة من المثقفين العرب وبعض المثقفين الأوروبيين، من أمثال ميشيل فوكو وغيره، لظنّهم أنّها ثورة شعبية على استبداد الشاه وطغيانه وتبعيته للغرب الإمبريالي، كما أوهمت كثيرين.

اقرأ أيضاً: كيف سعت أدبيات الإخوان لتشكيل عقل المرأة؟
كما استقطبت، بلغتها وشعاراتها الدينية بعض جماعات الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفصائل فلسطينية أخرى، إضافة إلى جماعاتها الخاصة، كحزب الله في لبنان والعراق وغيرهما.
لكن ما إن اتضحت بعض معالمها الظلامية بتصفية القوى الليبرالية والديمقراطية والاشتراكية (حزب توده)، التي شاركت في الثورة، ثم بسعيها إلى "تصدير الثورة" إلى العالم الإسلامي، الذي تُرجم في الحرب العراقية الإيرانية، انفض عنها معظم المثقفين العرب والأوروبيين، وبدأت تظهر أعمال أدبية وفنية في نقدها، من أبرزها فيلم "رجم ثريا".

رُجمت الإيرانية ثريا العام 1988 فقط لإشباع رغبة زوجها الذكورية بالزواج من فتاة تصغرها سناً

"رجم ثريا" فيلم إيرانيّ مبنيّ على قصة واقعية، جرت أحداثها في قرية من ريف طهران تدعى "كوباي"، تسربت القصة من إيران عن طريق صحفي إيراني فرنسي هو "فريدوني ساهيب جام"، روتها له سيدة شجاعة هي "الزهراء"، كانت قد وعدت ابنة أختها المغدورة "ثريا"، أن يعرف العالم بقصتها، وقد تكون تسمية البطلة المغدورة على اسم زوجة الشاه (الإمبراطورة ثريا) إشارة إلى روح الانتقام من العهد الإمبراطوري "الفاسق".
الفيلم من إنتاج أمريكي، تداولته السينما الغربية منذ العام 2008، ثم بدأت في تداوله منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت، إلى أن وصل إلى بعض دور السينما في البلدان العربية، وقد منعته بعضها.
رُجمت ثريا بغير ذنب في العام 1988؛ فقط لإشباع رغبة زوجها الذكورية في الزواج من فتاة صغيرة من طهران، عاصمة الثورة، ولأنّها رفضت الزواج المؤقت (زواج المتعة) من الملا، الذي يمثل السلطة المركزية في طهران، فتواطأ الزوج والملا على تلفيق تهمة "الزنا" التي عقوبتها الرجم، وحبكها باتهام الزوج واعتراف الزاني المفترض وشهود الزور.

اقرأ أيضاً: مقتدى الصدر والمرأة
خمس شخصيات بارزة في الفيلم تتمحور حولها الأحداث: ثريا، وخالتها الزهراء، والملا، والزوج، ورئيس البلدية (رمز السلطة السياسية المتحولة إلى أداة بأيدي الملالي)، تلعب كلها أدواراً أساسية في الحياة العامة في زمان الأحداث ومكانها.

لا تختلف قصة "ثريا" عن "هيباتيا" عالمة الرياضيات الشهيرة التي سحلها أعوان الكنيسة منذ قرون

ولكن ما هذه الأدوار؟ الزوج يبتز الملا، ليطاوعه على هواه، فهو الوحيد الذي يعرف أنّ الشيخ كان سجيناً جنائياً، والشيخ (الملا) يبتز المسكينة ثريا لتقبل بالزواج المؤقت منه، وحين ترفض يتهمها بالزنا، والزوج والشيخ ورئيس البلدية معاً يهددون ثريا ومن اتهمت بالزنا معه للاعتراف بذنبهما، وامرأة واحدة (الزهراء) تحاول أن تقف في وجه السلطة، فتنكسر.
"لا تكذب وأنت تحمل القرآن بيدك"؛ هذا ما قالته "الزهراء" للملا (الشيخ)، فأجابها بالتهديد والوعيد، وحين نفذ تهديده برجمها قال على الملأ: "نحن ننفذ شرع الله"، فهتف جميع أهل القرية: الله أكبر، إعدام، إعدام.
جعل الفيلم مسألة اضطهاد المرأة وإذلالها وإباحة قتلها موضوعه الرئيس، واتخذ من الرجم، غير المعمول به في الواقع، رمزاً للتعسف والاستبداد، كما أنّه وُفِّق في الإشارة الرشيقة إلى تغيُّر مبادئ السلطة (من سلطة القانون الذي يسري على جميع المواطنين والمواطنات بالتساوي، ويخلو من عقوبتي الجلد والرجم) إلى سلطة الملالي التعسفية التي يمارسونها باسم الإسلام، وإلى أنّ الملالي صارت لهم اليد العليا في جميع مجالات الحياة، على الرغم من سقوطهم الأخلاقي. كما أنه اختار الرجم، الذي يفترض أنه عقاب للزاني والزانية، بغية إبراز بعض جوانب الظلامية والاستبداد في الحياة الاجتماعية والسياسية بعد الثورة الإسلامية.

نقد فيلم "رجم ثريا" صورة المجتمع الإيراني الذي جرّته الثورة إلى مستنقع التعصب والعنف والفساد

ولم يهمل الفيلم نقد صورة المجتمع الذي جرّته الثورة إلى مستنقع التعصب والعنف والفساد، لكن كاتب السيناريو ومخرج الفيلم، لم يشيرا ولو إشارة إلى أن الرجم والجلد غير معمول بهما إلا افتراء، لأن النص القرآني اشترط شروطاً صارمة لإثبات الزنا، تجعل إثباته عسيراً جداً، إن لم نقل مستحيلاً، لذلك اكتفت بعض المجتمعات بغسل عار الزانية بالدم وفق ما سمي "جريمة الشرف"، وهذا النوع من "الرجم" لا يزال سارياً.
على الرغم من أنّ الرجم غير معمول به فإنّ كتب التفسير (والتفسير اجتهاد بشري) تبيحه، بموجب حديث نبوي شريف ، فقد جاء في تفسير الآيتين الثانية والثالثة من سورة النور: "الزانية والزاني، فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"، أنّ الرجم حد من حدود الله مع أن الآيات القرآنية لا تقضي بالرجم، هذا قد يفسر وضع الأحاديث على لسان النبي عليه السلام إما لتبرير سياسات الحكام وإما لإحكام السيطرة على عقول الناس وضمائرهم، على حساب المرأة أضعف شرائح المجتمعات الذكورية.

ليس غريباً أن تُرجم امرأة في بلدٍ يحمل ثقافة غابرة تقدس الرجل وتدنس المرأة وإن ادعت خلاف ذلك

لا تختلف قصة "ثريا" عن قصة "هيباتيا"، عالمة الرياضيات الشهيرة التي سحلها أعوان الكنيسة منذ قرون أمام عامة المجتمع آنذاك، فهي تثبت أن النساء يجب قتلهنّ إن خرجن عن طاعة النظام الاجتماعي الذي وضعه الرجال بحجة الشريعة الدينية، مهما بلغن من العلم، ومهما بلغن من مراتب أخرى، فهنّ في أحسن الأحوال "حريم"، ومفردها "حرمة" أي: "ما لا يحلّ انتهاكه من ذمةٍ أو صحبة أو غير ذلك" كما ورد في المعاجم.
ثقافة الحريم بدأت في حضارة الفرس؛ التي فرضت اللثام على المرأة كي لا تدنس النار المقدسة بأنفاسها، حسب تعبير الدكتور محمد شحرور مروراً بحكم الكنيسة التي أعدمت خمسة ملايين امرأة على مدار ثلاثة قرون، فليس غريباً أن تُرجم امرأة في بلدٍ يحمل ثقافة غابرة تقدس الرجل وتدنس المرأة، وإن ادعت خلاف ذلك.


هامش:
راجع/ي تفسير ابن كثير على الرابط التالي:

https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura24-aya2.html#katheer



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية