سامح عيد: هناك قواسم مشتركة بين فرقة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين

سامح عيد: هناك قواسم مشتركة بين فرقة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين

سامح عيد: هناك قواسم مشتركة بين فرقة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين


02/05/2024

أجرى الحوار: عماد عبدالحافظ

خلال شهر رمضان الفائت ألقى مسلسل "الحشاشين" الضوء على فرقة أو جماعة دينية ظهرت في مرحلة تاريخية سابقة، وعلى الرغم من اختلاف السياق الزمني والمكاني؛ إلا أننا لاحظنا قواسم مشتركة بين بعض سمات وممارسات وأفكار هذه الفرقة وبين جماعات وتنظيمات حديثة منها من ما يزال حاضراً ومؤثراً، ومنها من انتهى حضوره لكن ما يزال أثره وفكره باقياً. ومن بين أبرز هذه القواسم المشتركة قدرة قادة تلك الجماعات والتنظيمات على السيطرة والتحكم في عقول وقلوب أتباعهم، إلى درجة تجعلهم يتحركون في أيّ اتجاه وينفذون أيّ أمر مهما كان، ولو حتى عن غير اقتناع، ومن بين تلك القيادات كان حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، الذي يكشف لنا العديد من كتابات ومذكرات الإخوان عن قدرته الكبيرة على التأثير والسيطرة على أفراد الجماعة، وعن تلك الهالة التي تحيط به من القداسة في عيون أتباعه. حول هذا الأمر كان لنا هذا الحوار مع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية الأستاذ سامح عيد.

هنا نص الحوار:   

كانت لعمر التلمساني المرشد الثالث لجماعة الإخوان مقولة شهيرة يصف بها علاقته بحسن البنا،، حين قال: "كنت بالنسبة إليه كالميت بين يدي مغسله"، برأيك هل هذا الوصف معبّر عن علاقة البنا بأفراد الجماعة بشكل عام، وكيف وصلت علاقته بهم إلى هذه النقطة؟

بالتأكيد تعبير عمر التلمساني كان تعبيراً صادقاً عن طبيعة العلاقة بين حسن البنا وأفراد الجماعة، فعلى الرغم من أنّ البنا لم يكن مفكراً مثلما كان سيد قطب على سبيل المثال، لكنّه كان خطيباً وواعظاً جيداً، وكان يملك ذكاءً اجتماعياً بدرجة كبيرة، وقدرة على التواصل وإنشاء العلاقات الاجتماعية والتأثير في الناس، وقد استطاع بما يملك من سمات ومهارات شخصية أن يؤثر في مجموعة من الأفراد ويأسر قلوبهم، ثم مع الوقت أخذت دائرة ذلك التأثير في الاتساع بصورة تشبه فكرة الأواني المستطرقة، حيث مع تكوين مجموعة من الأتباع حول شخص ما سواء كان زعيماً سياسياً أو شخصاً مشهوراً في أيّ مجال، فإنّ تلك الصورة الراسخة لدى تلك المجموعة تبدأ في الانتقال إلى مجموعات أخرى وهكذا، فالكثير من الناس يتأثرون بشخص ما وينجذبون نحوه بقدر ما له من أتباع ومحبين وجمهور، ويزداد الأمر عندما يكون من بين الأتباع أشخاص متميزون سواء اجتماعياً أو فكرياً... إلخ، وهذا ما كان يحرص عليه البنا من أن يكون من بين أتباعه أفراد متميزون في مجالات مختلفة، ومن خلال الاطلاع على عدد من المذكرات التي كتبها العديد من قيادات ورموز الإخوان الذين عاصروا البنا مثل التلمساني والباقوري وصلاح شادي وغيرهم؛ فإننا نستطيع أن نلمس ذلك التأثير الذي كان للبنا عليهم.

هل كانت نظرة الإخوان للبنا تتسم بالتقديس، وهل كان له دور في صناعة تلك الهالة من القداسة حوله، وما كان هدفه من ذلك؟

قناعتي أنّ القداسة هي صناعة بشكل أساسي، والبنا كان يسعى بصورة أو بأخرى لأن يرسم حوله هالة من القداسة، فكان يعمل على أن يتولى المقربون منه نشر الروايات حول بعض المواقف التي تساهم في ذلك، مثلما كان يروي أحد الإخوان على سبيل المثال أنّ شخصاً كان يهم بالاعتداء على البنا ضرباً، ثم قام البنا بالمسح على صدره فهدأ الشخص وتراجع عن ذلك، وبغضّ النظر عن مدى صحة هذا الموقف من عدمه، لكن كان المهم أن يتم الترويج لمثل هذه الروايات بين الناس وبين الإخوان، وفيما بعد كانت المجموعة المقربة من البنا تتولى القيام بهذا الأمر دون أن يطلب البنا ذلك بالضرورة، وبعض ما كان يروى من مواقف كان به جزء من الحقيقة وجزء من الخيال، وكانت تنتشر بين أفراد الجماعة وبين الناس كالنار في الهشيم، لتتحول مع الوقت إلى حقائق، وقد ألّف عمر التلمساني كتاباً بعنوان "الملهم الموهوب حسن البنا" يتضمن العديد من مثل تلك الروايات والمواقف.

من أين استمد البنا فكرة التنظيم التي على أساسها أنشأ جماعته، ذلك التنظيم المحكم السرّي في جانب منه، الذي يعمل على التغلغل في المجتمع بهدف إحداث تغيير شامل بوسائل بعضها سلمي وبعضها عنيف؟ 

على مدار التاريخ كانت هناك تنظيمات متشابهة إلى حد ما مع تنظيم الإخوان الذي أنشأه البنا ربما يكون تأثر بها، فمثلاً كان العباسيون قبل تأسيس دولتهم تنظيماً سرّياً هراركياً، كما كانت جماعة الحشاشين، وأيضاً كما كانت التنظيمات الشيوعية التي تكونت في الغرب أوّلاً، ثم تأسست تنظيمات على غرارها في الشرق، وهذه سمات التنظيمات المناهضة للأنظمة الحاكمة عموماً.

برأيكم هل هذا النمط من التنظيمات الذي بدأ مع جماعة الإخوان، وتبعه عدد آخر على المنوال نفسه؛ هل كان يمثل نمطاً سلبياً أم إيجابياً؟

 بالتأكيد مثل هذه التنظيمات المغلقة لها سلبيات كثيرة جداً، فحسن البنا كان يريد مريدين لا أنداداً، وهذا جعله يتخلص من كثير من العقول التي كانت من الممكن أن تحدث حالة توازن داخل الجماعة، مثل أحمد السكري وحسان حتحوت ومجموعة شباب محمد، فأيّ تنظيم يقوم على الطاعة المطلقة يفشل، وحتى لو كانت تلك الطاعة تساهم في الحفاظ على التنظيم في البداية، فإنّها بعد ذلك سوف يترتب عليها آثار سلبية ضخمة جداً، وقد كان البنا يفضل الفرد الذي يلتزم بالطاعة، ولو كان غير صالح، ويستبعد الفرد الذي لا يتمتع بكامل الطاعة، ولو كان تقياً، فالفرد الذي يسأل ويتناقش ويتحاور يفضّل استبعاده مهما كانت فيه من صفات جيدة.

ألقى مسلسل الحشاشين الضوء على إحدى الجماعات الدينية التاريخية؛ هل ترى ثمة قواسم مشتركة بين فرقة الحشاشين وبين جماعة الإخوان؟

 بالتأكيد هناك قواسم مشتركة بين فرقة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين؛ فكلّ منهما تستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية، وأيضاً فكرة التدرج في مراتب العضوية الموجودة عند الإخوان موجودة أيضاً عند الحشاشين، فنجد عندهم ما يُسمّى شيخ الجبل وبعد ذلك الدعاة وبعد ذلك "الفداوية" وهكذا...، كذلك من الأمور المتشابهة أنّ قائد الجماعة عند الحشاشين يتمتع بسلطة روحية أو دينية، وهذا ما نجده عند الإخوان أيضاً، فقد كان البنا يُسمّي نفسه "الإمام"، والإخوان حتى اليوم يلقبونه بذلك، وأعتقد أنّ البنا كان قارئاً جيداً للتاريخ، وأنّه تأثر بالحشاشين. 

بغضّ النظر عن الآراء المتباينة حول شخصية حسن الصباح وتاريخ فرقته، إلا أنّه من المعروف أنّه كانت لديه قدرة كبيرة على التأثير على أتباعه والسيطرة عليهم من خلال وسائل مختلفة، برأيك لماذا تسعى قيادات الجماعات والتنظيمات الدينية لإحكام السيطرة على الأتباع بهذا الشكل؟

 تسعى هذه الجماعات للسيطرة على أتباعها من خلال فكرة السمع والطاعة، وإضفاء هالة من القداسة حول قياداتها بهدف ضمان استقرار الجماعة واستمرارها؛ فجماعة الإخوان مثلاً، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، إلا أنّها قد استطاعت الاستمرار لمدة تقارب (100) عام، واستطاعت كذلك مواجهة العديد من العقبات خلال مسيرتها خاصة قبل ثورة تموز (يوليو) أو خلال مرحلتي الخمسينات والستينات، ثم بعد ذلك استطاعت إعادة التنظيم مرة أخرى بعد الخروج من السجون في السبعينيات، بالإضافة إلى القدرة على تجاوز العديد من الانشقاقات التي حدثت في الجماعة منذ خروج أحمد السكري وجماعة شباب محمّد، ثم خروج بعض القيادات والرموز من الجماعة بعد تولي حسن الهضيبي منصب المرشد كالغزالي والسندي، ثم خروج  المجموعة التي أسست حزب الوسط في التسعينيات، وغيرهم بعد ذلك، كلّ ذلك استطاعت الجماعة التغلب عليه من خلال السمع والطاعة والثقة، ولذلك فهذه الأمور من المهم جداً ترسيخها والمحافظة عليها للحفاظ على قوة واستمرار التنظيم.

ظلت الجماعة توظف مفهومي "الطاعة، الثقة"، اللذين جعلهما البنا من الأركان الأساسية للبيعة، وذلك من أجل استمرار السيطرة على الأفراد فيما بعد، فهل تسببت الأعوام الأخيرة وما مرّ بها من أحداث كسقوط الجماعة من الحكم وانقسامها إلى عدة جبهات، في إحداث اهتزاز بثقة الأفراد في قياداتهم وطاعتهم لهم، ومن ثم فقدان القدرة نوعاً ما على السيطرة على الأفراد؟

من المبكر أن نقول إنّ جماعة الإخوان المسلمين انتهت، أو فقدت السيطرة بالكليّة على أفرادها، بالطبع هناك انشقاقات رأسية وأفقية حدثت في الجماعة في الأعوام الأخيرة، سواء بين إبراهيم منير ومحمود حسين، أو بينهما وبين مجموعة كبيرة من الشباب الذين انفصلوا وكوّنوا جبهة المكتب العام، لكن على الرغم من ذلك فإنّ الجماعة ما تزال بها كتلة صلبة تتكون من الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعة منذ أعوام طويلة تتجاوز الـ (20) أو الـ (30) عاماً، وهؤلاء يوجد بينهم نوع من التآلف والتماسك، خاصة بين من تجمعهم ظروف متشابهة مثل السجون أو التواجد خارج مصر، وما تزال الجماعة قادرة على السيطرة عليهم. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية