سقوط الإخوان في المغرب.. فلسفة الثأر ومهزلة العودة

سقوط الإخوان في المغرب.. فلسفة الثأر ومهزلة العودة


24/03/2022

من خلال جملة من المناورات السياسيّة، يحاول إخوان المغرب تجاوز أزمتهم غير المسبوقة، والقفز على تناقضاتهم الحادة، ضمن مسارات معقدة، وفي سياق خطاب أيديولوجي مرتبك، عن طريق استغلال الأزمة الاقتصادية الحالية في البلاد، وتوظيف الدعاية الدينية، القائمة تحت غطاء دعوي، يُمَارس من قبل أعلى سلطة في الحزب، ممثلة في الأمين العام العائد للقيادة من جديد، رئيس الوزراء السابق، عبد الإله بنكيران، فهل يفلح الإخوان في العودة إلى السلطة مرة أخرى؟ وهل يتم ذلك عبر بوابة تصدير الأزمات لحكومة عزيز أخنوش؟ أم تحت ستار المناورات الأيديولوجية، التي يقوم بها بنكيران؟ أم كلاهما معاً؟

قبل بضعة أشهر، خسر حزب العدالة والتنمية (المصباح)، الذراع السياسية للإخوان المسلمين الانتخابات في المغرب، عقب عشر سنوات من الحكم، وهو أول حزب في المنطقة يتولى السلطة، في سياق ما كان يعرف بـ"الربيع العربي". لم تكن خسارة الحزب مفاجئة، لكنّ المفاجئ هو تقلص مقاعده من 125 مقعداً إلى مقعداً 12 فقط، واحتلاله بالتالي للمرتبة الثامنة؛ وهي مرتبة تنقله من الرأس إلى الذيل مباشرة.

 

لا ننكر أنّ بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تعامل مع الخسارة بنوع من الدهاء السياسي، حيث لم يوجه أنصاره إلى انتهاج أيّ شكل من أشكال الاحتجاج

 

كانت الخسارة متوقعة، لكن لم يكن متوقعاً أن تكون مدوّية هكذا، وعلى ذلك النحو من التقهقر؛ ما يعني أنّه حتى قاعدة الحزب التقليدية والثابتة قد خذلته؛ سواء بسبب قضايا التطبيع، أم تقنين القنب الهندي، أم غير ذلك. لكن بمعزل عن الخذلان الداخلي، أفترض وجود ثلاثة ثارات؛ تفسر ذلك القدر من الاندحار السياسي الحاد:

أولاً، ثأر الناخبين الذين صوتوا بكثافة غير متوقعة، ومارسوا هذه المرة ما يسمى بالتصويت العقابي، وذلك بسبب عدم وفاء العدالة والتنمية بالوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه.

ثانياً، ثأر الطبقة المتوسطة، والتي سبق أن شكلت القاعدة الاجتماعية المركزية لصعود حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى، لكن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لهذه الطبقة تدهورت بشدة، خلال العشرية التي حكم فيها الإخوان.

ثالثاً، ثأر الطبقة السياسية، التي لم تتسامح مع محاولة الإسلاميين ليّ ذراع الدولة؛ عن طريق الاستقواء بالخارج، لا سيما إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

لا شك أنّ تحول ما كان يسمى بـ"الربيع العربي" إلى فتن لا تبقي ولا تذر، وما أعقب ذلك من إنهاك إيديولوجي لقوى الإسلام السياسي؛ بسبب حجم الأوهام، كل ذلك قد ساهم في تراجع الحماس الشعبي؛ الذي كان يستفيد منه الإسلاميون.

كانت الخسارة متوقعة، لكن لم يكن متوقعاً أن تكون مدوية هكذا، وعلى ذلك النحو من التقهقر؛ ما يعني أنّه حتى قاعدة الحزب التقليدية والثابتة قد خذلته

لكننا لا ننكر أنّ عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تعامل مع الخسارة بنوع من الدهاء السياسي، حيث لم يوجه أنصاره إلى انتهاج أيّ شكل من أشكال الاحتجاج، لعلمه بأنّ ذلك سوف يفقدهم المشروعية، مثلما حدث في دول شقيقة كثيرة، بل حاول الرهان على إعادة البناء من جديد، مستلهماً تجربة البدايات، حين كانت ترعاه وزارة الداخلية في زمن الملك الحسن الثاني؛ لمواجهة اليسار من جهة، وتداعيات الثورة الإيرانية من جهة ثانية. ولذلك فإنّ توجهه مؤخراً إلى تقديم بعض الدروس الدينية؛ يمثل نوعاً من أنواع الإعداد النفسي للأتباع؛ للعودة إلى "مرحلة الدعوة"، على أنّه من خلال درسه الديني الأول، قد قدّم نفسه مجدداً للدولة، باعتباره الرجل المؤهل لإقناع المواطنين بالتقشف، في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية، الناتجة عن الجفاف، والحرب في أوكرانيا، وكذا تداعيات وباء كوفيد-19، وهو على ذلك النحو، كان ولا يزال يمثل نموذجاً لما يمكن أن نطلق عليه "الخادم المزعج"، وهو على ما يبدو يمثل نوعاً من المعادلة المستعصية!

ولكن، هل سيتمكن عبد الإله بنكيران، من إعادة حزبه إلى الواجهة؟

ما أصدق ماركس يوم قال: التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة.

نجونا من المأساة، فهل ننجو من المهزلة؟

ذلك هو السؤال، وتلك هي المسألة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية