شارلي إيبدو تسخر من الزلزال: وصمة عار أم حرية تعبير؟

شارلي إيبدو تسخر من الزلزال: وصمة عار أم حرية تعبير؟

شارلي إيبدو تسخر من الزلزال: وصمة عار أم حرية تعبير؟


15/02/2023

أعاد رسم كاريكاتير لمجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية سخرت خلاله من الزلزال الذي ضرب تركيا، السجال المتكرر حول حدود حرية التعبير. يختلف السجال هذه المرة من حيث طبيعة الموضوع المثار، بعد أن كانت السخرية تتوجه إلى المعتقدات الدينية والشخصيات السياسية، تناولت المجلة بالسخرية هذه المرة كارثة طبيعية خلفت ما يزيد عن 38 ألف قتيل في تركيا وسوريا، حتى ظهر أمس الثلاثاء، علوة على عشرات الآلاف من المصابين، ومئات الآلاف من المشردين.

فهل حرية التعبير بلا حدود؟ وهل يجب أنّ تتدخل السلطة الفرنسية لمنع المجلة من استهداف المعتقدات الإسلامية وضحايا الكوارث الطبيعية؟

وصمة عار

يقول الإعلامي اللبناني، ربيع ياسين، بأنّه لم يستغرب ما قامت به مجلة شارلي إيبدو، خصوصاً أنّ تاريخها مليء بكمية من الانتهاكات التي مارستها؛ سواء بالرسوم المسيئة للرسول محمد والأنبياء والإسلام، ومن خلال الرسومات المسيئة والساخرة من زلزال إيطاليا وسقوط الطائرة الروسية في سيناء.

وأضاف لـ"حفريات"، بأنّ هناك مشكلة كبيرة تحتاج إلى معالجة؛ سواء فيما يخص المجلة وحتى دولة فرنسا التي توفر الحماية لتلك الممارسات تحت اسم الحريات، معتبراً أنّ ما تقوم به المجلة هو "انتهاكات بحق الحرمات الدينية والإنسانية والبشرية".

الكاريكاتير الساخر من ضحايا زلزال تركيا

بدوره، أوضح الصحفي المصري، حمادة عبد الوهاب، أنّه من المعروف عن المجلة سلوك نوع من الشطط بشكل أو بآخر يتمثّل في مهاجمة المعتقدات والثقافة. وأشار لـ"حفريات" إلى أنّ المجلة تسخر من الجميع دون تمييز، وفي القضايا الدينية لا تميز بين دين وآخر؛ سواء الأديان الإبراهيمية أو غيرها.

كانت المجلة نشرت على حسابها في "تويتر" رسماً لأبنية منهارة أرفقته بعبارة "حتى أنه لا توجد حاجة إلى إرسال الدبابات"، لتنهال الانتقادات المنددة بالرسم، إذ عبر مغردون عن صدمتهم من سخرية المجلة، بينما ما يزال الكثير من الضحايا عالقين تحت الأنقاض يطلقون صيحات استغاثة لنجدتهم في ظل نقص طواقم الإنقاذ وصعوبة المساعدة.

سبق لمجلة شارلي إيبدو في العام 2016 نشر رسوم سخرت فيها من زلزال عنيف ضرب إيطاليا. ونشرت المجلة رسماً كاريكاتيرياً بعنوان "زلزال على الطريقة الإيطالية"

وتوقع مغردون أنه من الممكن أن يكون القصد من الجملة "لم تبقَ هناك حاجة إلى إرسال دبابات لقتل الأتراك، فهم قُتلوا خلال الزلزال"، فيما قال البعض الآخر "إنّ تركيا أصبحت ساحة حرب"، وبالتالي ما تحصده الأسلحة تتكفل به الطبيعة.

وعلق الصحفي عبد الوهاب، بأنّ الجملة تمثّل "عنصرية تجاه الأتراك كونهم عرقاً وتجاه الأغلبية المسلمة". وتساءل عن السبب وراء كتابة تلك الجملة، وحول السبب وراء الحاجة لإرسال دبابات فرنسية إلى تركيا.

وأفاد بأنّ تلك جملة غير مفهومة وسقطة كبيرة، بعيداً عن حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ لأنّ ذلك سخرية من كارثة طبيعية قد تصيب أي دولة بما فيها فرنسا نفسها.

الحريات والآخر

أثارت رسومات شارلي إيبدو التي تناولت قضايا مرتبطة بالإسلام والسياسة في دول المنطقة ومنها إيران، ومن قبل الرسومات المسيئة التي نُشرت في الدنمارك وهولندا، نقاشات واسعة حول حدود حرية التعبير.

وتعددت ردود الفعل من العالم الإسلامي تجاه المجلة؛ ما بين الهجوم المسلح الذي صُنف إرهابياً، ومظاهر الاحتجاجات المختلفة.

وتعرضت مجلة شارلي إيبدو لهجوم مسلح في 2015، أسفر عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين، واتُهم في الهجوم ثلاثة فرنسيين من المسلمين. كما تعرض مدرس في إحدى المدارس الفرنسية للقتل عن طريق قطع رأسه من قبل أحد المسلمين بعد عرضه رسوماً للمجلة مسيئة للإسلام أمام الطلاب.

ربيع ياسين: ممارسات تشجع على التطرف

فضلاً عن ذلك، تعرضت فرنسا وبلجيكا وألمانيا ودول أوروبية لهجمات إرهابية، قام بها مسلمون من المهاجرين والمواطنين، ما يعني أنّ الرسوم المسيئة وإن كانت سبباً مباشراً في رد فعل إرهابي، فإنّ الإرهاب بشكل عام لا يحتاج إلى مثل ذلك المبرر في استهدافه للمواطنين، سواء في الدول الإسلامية والعربية وأية بقعة جغرافية أخرى.

يرى الإعلامي ربيع ياسين، بأنّه لا بد من نقاش على صعيد العالم حول قضايا الإساءة للآخر، سواء المعتقدات والثقافة. وشدد على أنّ الممارسات المشابهة لمجلة شارلي إيبدو غير مقبولة من وسائل الإعلام، بغض النظر  عن أماكن وجودها وتوجهاتها؛ لأنّ الحرية تقف عند حدود حرية الآخرين.

الإعلامي ربيع ياسين لـ"حفريات": الإعلام صلة وصل وجسور يمدها بين الدول والشعوب، وصوت رافض للظلم والقهر. وسلوك المجلة الفرنسية لا يجسد تلك القيم، وينمي التطرف ويثير النعرات

ولفت إلى أنّ تلك الممارسات تشجع على التطرف، الذي هو مدان ومرفوض، فلا مبرر لأذية أي إنسان، منوهاً بأنّ العالم في ظل الانفتاح والعولمة مُطالب بأن يجعل الإعلام صلة وصل وجسور يمدها بين الدول والشعوب، وصوت رافض للظلم والقهر والممارسات. وبحسبه فإنّ سلوك المجلة الفرنسية "لا يجسد تلك القيم، وينمي التطرف ويثير النعرات".

من جانبه، شدد الصحفي المصري حمادة عبد الوهاب، على أنّ حرية الانتقاد حق مكفول للجميع، وحق لا يمكن التفاوض عليه، سواء حرية الرأي والتعبير والصحافة، لكن السقطة الكبيرة للمجلة بخصوص كارثة طبيعية أمر غير مقبول.

وأشار عبد الوهاب إلى أنّ فكرة السخرية من الكوارث الطبيعية تحتاج إلى "كود" أخلاقي وضمير إنساني عند العاملين في المجلة، وبحسبه فإنّ ما فعلته المجلة تجاه زلزال تركيا "تخطى فكرة الرأي وحرية التعبير إلى العنصرية الفجة".

الحرية المسؤولة

وهناك اتفاق بين الكثير من المتابعين الذين دعموا المجلة في موقفها من نشر رسوم تنتقد الأديان والمعتقدات على أنّ موقفها الساخر من الكوارث تجاوز غير مقبول. وتختلف قضية المعتقدات عن الكوارث الطبيعية؛ فالأولى تختلف من بلد لآخر، بينما الكوارث الطبيعية أمر عام يحدث لجميع الدول.

وكان مغردون أتراك انتقدوا المجلة بعد نشر الرسم المسيء لضحايا الزلزال، مذكرين إياها بموقفهم الداعم لها حين تعرضت لهجوم إرهابي بعد نشرها رسوماً مسيئة للدين الإسلامي. ويدفع الوضع الذي بات عليه العالم من انفتاح وتواصل إلى إعادة صياغة لمفهوم الحريات؛ فمن زاوية لا يمكن لمجتمع التنازل عن قيم الحرية لإرضاء مجتمعات أخرى، ومن أخرى يتأثر السلم والأمن بممارسات الحرية في المجتمعات الغربية.

ومن جانب آخر، ثمة من يرى أنّ مجلة شارلي إيبدو غير ملزمة بالتنازل عن سياستها التحريرية التي تطال الجميع خوفاً من التهديدات التي تأتي غالباً من العالم الإسلامي، كما أنّ تنازلها هو تنازل عن قيم مدعومة من المجتمع الذي تتوجه إليه بالأساس. فضلاً عن أنّ هناك من يرى أنّ الحل يكمن في تجاهل شارلي إيبدو ومثيلاتها بدلاً من فرض رؤى مخالفة على مجتمعات أخرى.

حمادة عبد الوهاب: السقطة الكبيرة للمجلة بخصوص كارثة طبيعية أمر غير مقبول

وفيما يتعلق بالكوارث الطبيعية فهناك شبه اتفاق واسع على إدانة ممارسات المجلة، سواء التي تناولت كوارث سابقة أو ضحايا الزلزال التركي.

يذكر أنّ تلك السخرية ليست الأولى من نوعها. سبق للمجلة الفرنسية في العام 2016 نشر رسوم سخرت فيها من زلزال عنيف ضرب إيطاليا. ونشرت المجلة رسماً كاريكاتيرياً بعنوان "زلزال على الطريقة الإيطالية" يصور رجلاً تغرقه الدماء، ويصفه بأنه "معكرونة بيني بصلصة الطماطم". كما وصفت صورة امرأة متفحمة بأنها "معكرونة بيني مطهوة في الفرن"، وكتبت عن صورة جثث دفنت تحت مبنى منهار باعتبارها "معكرونة لازانيا".

وفي أعقاب ذلك، رفع المجلس المحلي لمدينة أماتريتشي الإيطالية باعتبارها كانت الأكثر تضررا من الزلزال، دعوى قضائية ضد المجلة بـ"تهمة القذف". وفي عام 2015 انتقدت روسيا المجلة الساخرة بشدة بسبب رسوم كاريكاتيرية تصور تحطم طائرة في سيناء راح ضحيته 224 شخصاً معظمهم من الروس.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية