عندما يكشف إخوان ليبيا نواياهم نحو الانتخابات

عندما يكشف إخوان ليبيا نواياهم نحو الانتخابات


30/06/2021

الحبيب الأسود

لم يجانب خالد المشري الصواب في كل ما ذهب إليه ضمن الدردشة الإخوانية الحميمة على موقع “كلوب هاوس”، ولم يتعمّد إزعاج من لم يعجبهم كلامه، كما لم يتصنّع المواقف، ولم يقم إلا بالكشف عن قناعاته وقناعات الجماعة وحلفائها، وعن نوايا المتحركين في كواليس القرار بغرب ليبيا، ولاسيما من الإسلاميين والجهويين المرتبطين علنا بالمشروع التركي، والذين لا يخفون نزعة التعالي والتكبّر على بقية الشعب، وميلا دائما لاعتماد منطق المغالبة في اختطاف البلاد نحو اتجاههم، فإما أن يكون لهم الحكم المطلق وإما أن تكون الحرب والانقسام.

المشري، الذي يرأس مجلس الدولة الاستشاري، استبق اجتماع ملتقى الحوار السياسي المنعقد حاليا بجنيف لإعلان القاعدة الدستورية للاستحقاق الانتخابي، بتهديد واضح يدوس على قرارات مجلس الأمن ومواقف المجتمع الدولي ومخرجات الاتفاقين السياسي والعسكري، وتوافقات برلين 1 و2، ويعصف بجهود بعثة الأمم المتحدة، ويطيح بتطلعات الشعب الليبي في الأمن الاستقرار. وأساس هذا التهديد أن الحرب ستعود من جديد، والانقسام سيتحول إلى حقيقة في حال فوز من يعتبره الإخوان عدوا لمشروعهم في انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.

أعلن المشري بشكل سافر، أن الحرب ستكون الرد المناسب إذا حصل وفاز خليفة حفتر، وأكد أن ليبيا ستتجه إلى الانقسام بعد رفض النتائج، وهو أمر مطروح. وتابع أنه لا يمكن أن يكون لحفتر أي دور سياسي في المستقبل ولو أدى ذلك إلى منعه بالقوة. وهو ما يعني أن كل ما قيل ويقال عن الحل السياسي والوقف النهائي للنار وتوحيد المؤسسات والمصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي غير موجود في زوايا العقل السياسي الإخواني، وأن الصراع لا يزال قائما في صورة حرب باردة قد تستعيد حرارة المواجهة في أي لحظة، بل إن الأصابع لا تزال على الزناد، وما التلكؤ في إصدار قرارات تحسم ملفي القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات المسلحة المحلية سوى مؤشر على أن أطرافا سياسية وعقائدية مصرّة على أن ما لا يتحقق بالانتخابات قد يتحقق بالصراع المسلح، ومن خسر في صناديق الاقتراع قد ينتصر بصناديق الذخيرة .

ويفسّر المشري المشهد العام قبل الانتخابات بأن ما يسمّيه بتيار 17 فبراير هو الأغلبية في البلاد، يليه التيار السابق، ثم تيار الكرامة في إشارة إلى أنصار الجيش، والتيار الأول بات اليوم منحصرا في الإسلام السياسي والميليشيات وبعض القوى الجهوية الانعزالية واللوبي التركي الذي لم ينس القيادي الإخواني أن يضخّم من دوره عندما قال إن مليون ليبي هم من أصول عثمانية، في إعادة لما سبق أن صرح به أردوغان نقلا عن علي الصلابي عندما اتجه إليه في العام 2011 بالقول “اذهب لنجدة أتراك ليبيا فلديك رعية هناك”. واليوم توجد قوات تركية وجحافل مرتزقة في غرب ليبيا، سيكون من بين أهدافها الأساسية دعم هذا التيار ومساندته في أي حرب يخوضها، ولاسيما في ظل إمكانية تكرار سيناريو صيف العام 2014، عندما انقلب الإخوان على نتائج الانتخابات البرلمانية بعد أن خسروها، وأدخلوا البلاد في حالة من الفوضى أدت إلى انقسام دام سبعة أعوام، وهذا ما أكد عليه مؤخرا الرئيس السابق لحزب العدالة والبناء محمد صوان، وبات معلوما لدى الجميع.

التيار الثاني هو تيار النظام السابق، ووفق المشري فإنه سيتشتت نتيجة عراقيل قانونية قد تمنع زعيمه سيف الإسلام القذافي من الترشح للانتخابات الرئاسية، أما التيار الثالث فهو تيار الكرامة، والمرتبط أساسا برمزية قائد الجيش خليفة حفتر والذي يرى الإسلاميون وحلفاؤهم أن لا مجال لترشحه، لأن فوزه يعني العودة إلى مربع الحرب بما سيدفع نحو تقسيم البلاد، وهذا هو الحل بالنسبة إليهم، ولديهم خطة لذلك يتم العمل عليها منذ فترة، تتأسس على فكرة تحييد القوى الإقليمية والدولية عبر دبلوماسية الصفقات والوعود الاستثمارية، والسعي إلى إقناع الغرب بأن الإخوان هم حلفاؤه الاستراتيجيون والمبشرون بأهدافه في المنطقة ومنفذو تجاربه السياسية والاقتصادية وحرّاس مصالحه، وأن أي حرب قد يقودونها بدعم من الحليف التركي ضد حفتر هي حرب ضد التغلغل الروسي في المنطقة، وأن أهدافها لا تكتمل إلا بالسيطرة على منابع الثروة في الوسط والجنوب.

تصريحات المشري فضحت جوانب لم تكن ظاهرة من دائرة الصراع مع مجلس النواب، فالإخوان حاولوا منذ عامين إقناع القوى الدولية بأن ليبيا ليست جاهزة للانتخابات، وهذا ما يعني أنهم يعملون على تحقيق المزيد من التغلغل في مفاصل الدولة لتثبيت وجودهم. هناك قناعة لدى الجماعة أساسها أن من يحقق السيطرة على الثروة والسلطة والإعلام والمساجد هو القادر على وضع يده على المجتمع. ومن الطبيعي أن من يحكم المصرف المركزي هو من يمتلك الأسبقية. اليوم يرفض المشري ومن ورائه مجلس الدولة المعبر عن إرادة الإخوان تنفيذ اتفاق بوزنيقة المغربية حول المناصب الرئيسة في المؤسسات السيادية ومنها مصرف ليبيا الذي كان من حصة إقليم برقة. وهو يفسر ذلك بأنه لن يسمح بتنصيب أحد الموالين لحفتر على هذه المؤسسة، بل ويرى أن المطروح هو أن المؤسسات السيادية المعنية بالتعيينات ليست فقط الواردة في الاتفاق وعددها سبعة وإنما تشمل مؤسسة الجيش.

إذن كيف يحدد الإخوان موقفهم ممّا  يدور؟ كل المؤشرات تؤكد أن هدفهم الأول كان تأجيل الانتخابات وإبقاء الوضع على ما هو عليه لأنه يضمن مصالحهم المحققة إلى حد الآن وقد يضيف إليها. المشري يرى أن رئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة محسوب على تيار الثورة كونه من مدينة مصراتة التي تتزعم تيار المغالبة، وهذا في حد ذاته مكسب لهم، وقد يكون الدبيبة من المرحبين بالاستمرار في منصبه إلى أجل غير مسمى كما كان الحال بالنسبة إلى فايز السراج. ولكن وفي ظل إصرار المجتمع الدولي على تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، اتجهوا إلى الخطة (ب) والتي تتمثل في التركيز على تنظيم الاستفتاء على مسودة الدستور المثيرة للجدل أولا، واعتمادها في التأسيس للنظام السياسي بما تشكله من شرعنة للإسلام السياسي والميليشيات ومن تشتيت للسلطات التنفيذية وحصر آلية السيطرة عليها في البرلمان عبر تحالفات مبنية على سلطة المال والمصالح والابتزاز وفق النموذج التونسي الذي كرسته حركة النهضة بدستور 2014، وإقرار مبدأ تنظيم الانتخابات البرلمانية أولا، ثم انتخاب رئيس للدولة من داخل البرلمان ذاته. فالإخوان وحلفاؤهم يعترفون في قرارة أنفسهم بأن حضورهم في الشارع لا يمكنهم من نيل منصب الرئيس عبر الاقتراع الشعبي المباشر، ولكن دفع الملايين من الدولارات لأعضاء مجلس منتخبين، قد يساعدهم على شراء الذمم كما حدث مع المؤتمر الوطني العام بعد انتخابات العام 2012.

ومرة أخرى وبسبب إصرار الشعب الليبي وقواه الوطنية على انتخاب رئيس البلاد عبر الاقتراع الشعبي الحر والمباشر ووجود تفهّم دولي لهذا الإصرار، اتجه الإخوان إلى الخطة (ج) وهي تفريغ منصب الرئاسة من محتواه، وتقليص صلاحياته إلى حد جعله ديكورا خاليا من المعنى، وجعل القيادة العليا للقوات المسلحة ومستويات القرار التنفيذي بيد حكومة خاضعة لبرلمان بغرفتين. ولتجاوز معضلة ما ورد في الإعلان الدستوري للعام 2011 من جعل بنغازي مقرا لمجلس النواب، يتم إقرار تأسيس مجلس شيوخ يكون مقره في طرابلس. وكل هذا لا يكتمل إلا بقطع الطريق أمام من يعتبرهما تيار الإسلام السياسي عدوين لمشروعه وهما سيف الإسلام القذافي كممثل لتيار النظام السابق، وخليفة حفتر كممثل لتيار الكرامة، واعتبار ترشح أي منهما للرئاسة تهديدا للسلم الاجتماعي فما بالك بفوزه، وهو ما بات مطروحا بقوة بين الإخوان وأنصارهم والقيادات الجهوية بمصراتة ومن بينهم عبدالرحمن السويحلي. وأكد عليه المشري، حيث يرون أن الحرب ستعود والانقسام سيحصل، فنتائج الانتخابات إما أن تكون على مقاسهم وإما أن تتحول إلى مواجهة جديدة تعصف بكل ما تمّ التوصل إليه من توافقات حول الحل السياسي .

أهم ما يمكن التوصل إليه أن جماعة الإخوان لا تخفي نواياها التي تصل إلى حد البرنامج الجاهز للتنفيذ، وهي ترى أن القضية بالنسبة إليها هي قضية مصير، ولا بديل لديها عن السلطة إلا الحرب، وإذا لم تتوفر لديها الشرعية الشعبية فيكفيها أن تدّعي وجود مليون ليبي من أصول تركية يدعمونها، وإذا لم تكن لها القوة العسكرية فلديها قوات تركية ومرتزقة وميليشيات جاهزة للإيجار.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية