عودة "الإخوان" في حلم الانتخابات!

عودة "الإخوان" في حلم الانتخابات!

عودة "الإخوان" في حلم الانتخابات!


13/06/2023

محمد صلاح

كان الصخبُ عالياً والتساؤلاتُ كثيرةً، فالأمر يتعلّق بالانتخابات الرئاسية في مصر المقرّرة في ربيع العام المقبل، بعد أنباءٍ، اعتبرها بعضهم تسريبات، عن تقديم موعدها لتُجرى قبل نهاية العام الجاري. لكن ما لفت الانتباه بصورة أكبر، الاجتماع الذي عقده يوم الجمعة الماضي النائب السابق احمد طنطاوي، مع ممثلين عن تجمّع حزبي يُطلق عليه "الحركة المدنية"، إذ فوجئ الحضور بطنطاوي، الذي كان أعلن نيته خوض غمار التنافس الرئاسي، يطلب منهم الموافقة على عودة تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي إلى واجهة المشهد. وحين لاحظ الغضب عليهم، عاد وأوضح أنّه يرى "ضرورة عودة الإخوان"، ولكن كجماعة أهلية تهتم بالدعوة الدينية، من دون العمل في السياسة".

بالنسبة لمسألة موعد الانتخابات الرئاسية، لم يتنبّه كثيرون إلى أنّ الدستور المصري ينصّ في المادة 140 على أن "تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدّة الرئاسة بـ 120 يوماً على الأقل، ويجب أن تُعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بـ 30 يوماً على الأقل"، أي يجب أن تبدأ الإجراءات قبل اربعة أشهر كاملة، تفادياً لحدوث فراغ رئاسي، إذا ما وقعت أحداث أو ظروف تعطّل إجراء الانتخابات.

ورغم أنّ أي جهة رسمية لم تعلن عن الموعد المحدّد أو ردّت على المعلومات عن تقديمه، الّا أنّ خبراء دستوريين اكّدوا أنّ النظام الرئاسي المتّبع في مصر لا يوجد فيه نصّ دستوري يسمح بانتخابات مبكرة، وأنّ ما قد يحدث هو تقديم للموعد، بما يتناسب مع مواد الدستور، وليس اجراء انتخابات مبكرة تختصر فترة الرئاسة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي.

عموماً، هذا أمر إجرائي غير مؤثّر، لكن الصدمة التي ضربت الأوساط الشعبية، هي ما جرى في اجتماع طنطاوي مع أقطاب "الحركة المدنية"، والتى تضمّ قيادات أحزاب الكرامة والدستور والمحافظين والمصري الديموقراطى والتحالف الشعبي الاشتراكي. فطنطاوى الذي ينتمي إلى التيار الناصري، تجاهل، أو قل، تجاوز العداء التاريخي بين "الإخوان" وجمال عبد الناصر، ومِن بعده زملاؤه من الناصريين، وبدا وكأنّه يسعى إلى تأمين أصوات عناصر "الإخوان" داخل مصر في صناديق الاقتراع. وصحيح أنّه ينتمي إلى تيار شارك في ثورة حزيران (يونيو) 2013 ثم انقلب عليها ودأب على الهجوم ضدّ الحكم واصطياد الأخطاء وتبنّي الخطاب نفسه الذي يروّجه "الإخوان"، لكن لم يتوقع أحدٌ أن يصل الشطط حدّ المطالبة بعودة تنظيم ارتكب جرائم في حق المصريين، من دون أن يتوقّع ردود فعل الناس، ومشاعرهم.

مفاجأة طنطاوي دفعت حزباً يسارياً راسخاً هو "حزب التجمّع"، إلى إصدار بيان لينأى بتاريخه وأعضائه عن التورّط في مساندة موقف طنطاوي، إذ عبّر الحزب عن رفضه "وجود الجماعة الإرهابية "، وقال في بيانه: "تابع حزب التجمّع أنباء اجتماع قادة الحركة المدنية مع عضو مجلس النواب السابق أحمد طنطاوي وهو مرشح محتمل للرئاسة، والذي كشف عن نيته - حال فوزه - إعادة "جماعة الإخوان" إلى المشهد السياسي مرّة أخرى، و"التجمّع"، وهو يؤكّد موقفه الثابت والتاريخي، برفض وجود الجماعة الإرهابية بأي صورة من الصور، يذكّر الجميع بموقف الشعب المصري بخروجه في ثورة 30 حزيران (يونيو) العظيمة، لإسقاط حكم المرشد"، معرباً عن "قلقه البالغ من ردود الأفعال غير الواضحة لبعض قادة الحركة المدنية، تجاه ما كشف عنه المرشح المحتمل للرئاسة".

وأضاف: "مع تقدير حزب التجمّع لموقف هؤلاء القادة بالمشاركة في ثورة 30 حزيران (يونيو) التي سنحتفل خلال أيام بعيدها العاشر، وانطلاقاً من حرصه على استمرار التحالف الرافض لتيار التأسلم السياسي، فهو يأمل في موقف أكثر حسماً من هذه التصريحات التي تتكرّر منذ فترة، بحجة تعزيز السلام الاجتماعي، فيما تستهدف في جوهرها تحقيق ما تستهدفه الجماعة الإرهابية، بالعودة إلى المشهد العام مرّة أخرى، في تحدٍ واضح لمشاعر الشعب المصري".

وأشار إلى أنّه يثمّن الدور السياسي للحركة المدنية، إلّا أنّه يؤكّد حرصه على ثبات مواقفها الواضحة من الجماعة الارهابية، وكل من يدعم عودتها للمشهد السياسى بأى شكل من الأشكال.

في المقابل، كان طبيعياً أن تحتفي المنصّات الإعلامية لـ"الإخوان" بموقف طنطاوي، على الرغم من أنّ بعضها كان هاجمه عند إعلان نيته الترشّح، واعتبروه مجرد واجهة، وأنّه ينسّق مع الحكم لإعطاء الانتخابات الرئاسية الشرعية، لكنها عادت واعتبرته "صوت الحكمة"، وسرّبت إيحاءات بوجود نقاش داخل "الإخوان" حول المشاركة في عملية الاقتراع في تلك الانتخابات، بدلاً من مقاطعتها، بعدما أعلن طنطاوي موقفه الأخير!

ليس لطنطاوي تاريخ حزبي أو سياسي كبير، لكنه اعتُبر في الأوساط المصرية، أنّه يسير في الطريق نفسه الذي سار فيه القطب الناصري حمدين صباحي، صاحب التجربتين في الانتخابات الرئاسية. ورغم أنّ صباحي لم يتوقف عن انتقاد السيسي وحكمه، لكنه لم يجرؤ أبداً على المطالبة بعودة "الإخوان". فبدا وكأنّ التلميذ تجاوز الأستاذ، من دون أن يدري أنّ الدولة المصرية احتاجت إلى سنوات عدّة لتقضي على تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" وباقي التنظيمات الراديكالية الأخرى، وأنّها قضت على الإرهاب الأصولي، لكنها ما زالت تعاني من تغلغل "الإخوان" في نسيج المجتمع، وبقاء عناصر ذلك التنظيم في حال كمون إلى حين توفّر لحظة ينتظرونها، ليعيدوا تنظيم أنفسهم ويظهروا إلى العلن.

كان الوجود الفعلي للتنظيمات الراديكالية محدوداً، إذ تعتمد بالأساس على العمل العسكري والعمليات الإرهابية، وكل أعضاء تلك الجماعات كانوا يعيشون منعزلين عن المجتمع، لا يقبلون بالوظائف الحكومية أو الأنشطة العامة، بينما "الإخوان"، وعلى مدى عقود، تسرطنوا في غالبية مؤسسات الدولة، كما نجحوا في ربط مصالح قطاعات عريضة من الشعب بالجماعة، عبر مشاريع خدماتية، كالمدارس والمستشفيات والأسواق، وفيما كانوا دائماً في حال نشاط،  فإنّ القطاعات الأخرى من المجتمع، بما فيها الأحزاب السياسية، كانت هادئة مستكينة تكاد لا تعمل.

يسأل المصريون الذين صدمهم موقف طنطاوي، عن تصوّره لردّ فعل "الإخوان" ومدى سعيهم إلى الانتقام من المجتمع الذي لفظهم والشعب الذي أطاح حكمهم والجيش الذي أنقذ البلاد من شرورهم. ربما اعتقد طنطاوي، وهو يحلم بالفوز بأصوات عناصر الجماعة، أنّ الجيش والشرطة وحدهما يخوضان معركةً مع "الإخوان"، ولا يدرك أنّ معضلة التنظيم الحقيقية هي أنّه اختار أن يخوض المعركة ضدّ الجميع، حين رفع الأسلحة في وجه المصريين وتحالف مع أعداء الدولة وخضع لكل جهة سعت إلى أن يكون لمصر المصير نفسه الذي آلت اليه دول لم تعد موجودة الآن على الخرائط .

عن "النهار" اللبنانية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية