في أوقات الغموض الجيوسياسي علينا العودة للتاريخ

في أوقات الغموض الجيوسياسي علينا العودة للتاريخ


14/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

قبل بضعة أيّام، مع اندلاع الصّراع في أوكرانيا، سألني أحد معارفي عمّا إذا كنتُ أشعر أنّ الأحداث الحالية تبدو مختلفة عن الأحداث الماضية ذات الطّبيعة المماثلة، وما إذا كان العالم يبدو أكثر توحيداً إلى حدّ كبير وما إذا كانت الإنسانيّة تبدو وكأنّها تمضي قدماً إلى مكان أفضل من دون تحيّزات الماضي. كانت إجابتي السّريعة بـ "نعم" واحدة، وأكثر من "لا"، بالإضافة إلى اقتراح أنّ بعض المعرفة بالتّاريخ قد تساعده على البدء في فهم تعقيدات العالم الحديث.

اقرأ أيضاً: هل تُفضي الحرب في أوكرانيا إلى تجديد واشنطن علاقتها بدول الخليج؟

قبل ثلاثين عاماً، نشر العالم السياسيّ الأمريكيّ، فرانسيس فوكوياما، مقالاً مؤثّراً بعنوان "نهاية التّاريخ والإنسان الأخير". حاجج المقال بأنّه مع نهاية الحرب الباردة، عام 1991، وتفكّك الاتّحاد السّوفيتيّ القديم في العام نفسه، وصلت البشريّة إلى مرحلة لن تكون فيها أيّة منافسة جادّة مع الدّيمقراطيّة الّليبراليّة واقتصاد السّوق.

حجّة فوكوياما

العديد من التّطوّرات التي حدثت في العقود الثلاثة التي أعقبت ذلك، مثل غزو العراق والاضطّرابات التي أعقبت اندلاع ما وُصِفَ بشكل مضلّل في العديد من الأماكن بـ "الرّبيع العربيّ" وغزو أوكرانيا، تشير إلى أنّ الفكرة القائلة بأنّ التّاريخ، بمعنى ما، قد انتهى، هي على الأقل فكرة افتراضيّة. وأعتقد أن حجّة فوكوياما لها مؤيّدون قليلون اليوم.

العالم السياسيّ الأمريكيّ، فرانسيس فوكوياما

من المؤكّد أنّ أحد الدّروس التي يمكن استخلاصها من الثّلاثين عاماً الماضية، هو أنّه بعيداً عن كونها لم تعد مهمّة، تظلّ معرفة التّاريخ ذات أهميّة هائلة. إنّ إهمال الدّروس التي يقدّمها ربما يكون جزئيّاً سبب ظهور أزمات جديدة وكوارث سياسيّة وإنسانيّة جديدة، حتّى لو اتّخذت أشكالاً مختلفة عن تلك التي اعتدنا عليها. لم يُثبّت الهيكل الجغرافيّ السّياسيّ للعالم على الإطلاق بحزم، على الرّغم من أنّ التّغييرات الحاصلة به قد تكون في بعض الأحيان تدريجيّة وفي أحيان أخرى كارثيّة، يمكن للتّاريخ أن يساعد في ضمان ألا نتفاجأ تماماً.

أشعر بسعادة كبيرة عند الانخراط في دراسة الماضي البعيد، من المهمّ أيضاً، مع ذلك، دراسة والنّظر إلى التاريخ الحديث والفترات الموجودة داخل الذاكرة الحية.

إنّ إهمال الدّروس التي يقدّمها التاريخ ربما يكون جزئيّاً سبب ظهور أزمات جديدة وكوارث سياسيّة وإنسانيّة جديدة، حتّى لو اتّخذت أشكالاً مختلفة عن تلك التي اعتدنا عليها

في وقت سابق من هذا الأسبوع، كان من واجبي تأبين صديقتي القديمة، جوسلين هندرسون، التي توفيت في أواخر العام الماضي، بعد فترة وجيزة من بلوغها الذّكرى المئويّة لميلادها.

 تعود علاقتنا إلى أكثر من 45 عاماً، إلى الأيّام الأولى لاتّحاد الإمارات العربيّة المتّحدة. على مدار تلك الأعوام، ناقشنا مجموعة كاملة من الموضوعات، التّافهة والمهمّة، لكن أحد الجوانب التي أقدّرها كثيراً هو القدرة على مناقشة آخر الأخبار مع شخص شَهِد أحداثاً سابقة.

اقرأ أيضاً: بعد حظر قمح أوكرانيا.. دولتان عربيتان تترقبان كارثة

إنّني متأكّد من أنّه لو كانت ما تزال على قيد الحياة، لكنّا قد تبادلنا وجهات النّظر مع جوسلين بشأن الصّراع في أوكرانيا في سياق الأحداث الأوروبيّة والعالميّة الأخرى في العقود القليلة الماضية. تذكّرت الحرب العالميّة الثّانيّة وكلّ ما تلاها، في حين أنّ ذكرياتي تعود إلى عقود قليلة أيضاً.

الغزو السّوفيتيّ لتشيكوسلوفاكيا

تذكّرنا الغزو السّوفيتيّ لتشيكوسلوفاكيا، عام 1968، والذي كنت شاهداً عليه، وبالطّبع انهيار الاتّحاد السّوفيتيّ، بعد أكثر من 20 عاماً، وأمكننا تذكّر وصول لاجئين من الكويت إلى أبو ظبي، عام 1990، بعد غزو صدّام حسين، وأمكننا أن ننظر إلى التّطوّرات اللاحقة في العراق في هذا السّياق، وظلّت صور هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على الولايات المتّحدة، عام 2001، حيّة في ذاكرتنا، ناقشنا الأحداث اللّاحقة أيضاً، حتّى وقت قريب نسبيّاً، لتزويد وجهات نظرنا بالمعلومات من خلال ذكرياتنا.

يُساعدنا التاريخ في مراقبة علامات التّغيّرات المفاجئة والوشيكة في الجغرافيا السّياسيّة للعالم، بالتّالي، الاستعداد لها. يمكن للتّاريخ أن يساعدنا في فهم أحداث اليوم بكلّ تعقيداتها

أعتقد أنّ أهميّة التّاريخ الحديث، وكذلك الأقدم، لا تحظى باهتمام كافٍ اليوم، سواء من حيث التّعليم الرّسميّ أو بطرق أخرى، إنّني أتفهّم الرّغبة في التّطلّع إلى الأمام والتّخطيط للمستقبل والسّعي من أجل التّقدّم والوصول إلى النّجوم، هذا طبيعيّ ومهمّ أيضاً، ويجب أن نبحث عن التّوازن المناسب.

ومع ذلك، ما أزال مقتنعاً بأنّه ما يزال هناك مجال لمزيدٍ من الدّراسة لماضينا أيضاً، ليس فقط فيما يتعلّق بالإمارات، لكن على نطاق أوسع، إذا استطعنا، من خلال التّعرّف على الماضي، استخلاص الدّروس لليوم والغد، فقد يكون ذلك مفيداً للجميع.

يمكن أن يُساعدنا ذلك أيضاً في مراقبة علامات التّغيّرات المفاجئة والوشيكة في الجغرافيا السّياسيّة للعالم، بالتّالي، الاستعداد لها. يمكن للتّاريخ أن يساعدنا في فهم أحداث اليوم بكلّ تعقيداتها. وهذا بدوره قد يساعد أيضاً في توضيح النّهج الذي يعتمده المرء تجاهها.

احتفظت صديقتي جوسلين هندرسون دائماً بفضولها تجاه العالم الذي حولها، وما سيحدث في المستقبل. في الوقت نفسه، اتفقَت بشدّة مع قول الأب المؤسّس لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة، الشيخ زايد، الذي كثيراً ما يُقتبس، بأنّ "من لا يعرف ماضيه لا يمكنه الاستفادة من حاضره ومستقبله، لأنّه من الماضي نتعلّم".

كانت تؤمن بأنّ معرفة التّاريخ يمكن أن تجهّزنا وتوجّهنا وتعلّمنا، وهذا ما لا أختلف معه.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بيتر هيلير، ذي ناشونال، 3 آذار (مارس) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/03/03/in-times-of-geopolitical-uncertainty-our-memories-are-more-important-than-ever/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية