في التباس الوطني والإسلامي عند "حماس"

في التباس الوطني والإسلامي عند "حماس"


20/11/2021

ماجد كيالي

"قضيتنا هي قضية إسلامية، وذات ارتباطات بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية، وهي حاضنة للمسجد الأقصى ومسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعراجه إلى السماء، فالقدس بوابة السماء... وبالتالي هي قضية مقدسة، لا تخضع ثوابتها وهويتها الإسلامية للمتغيرات".

ما تقدم لم يكن خطبة في مسجد، أو درساً يقدمه فقيه في التربية الدينية لمريديه أو تلامذته، وإنما ورد نصاً في ورقة قدمها إسماعيل هنية، وهو رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، ورئيس حكومة السلطة في غزة، وعنوانها: "رؤية حركة حماس للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني"، في ندوة نظمها مركز "الزيتونة" (مقره بيروت)، قبل أسبوعين.

المسألة هنا لا تتعلق بالاعتراض على نصّ ديني، فهذا شأن آخر، ولا على قول لرجل سياسي، إذ لكل شخص حقه في أن يعبر عن ذاته كما يشاء، وإنما تتعلق بالاعتراض، فقط، على نص يوظّف الدين، في غايات أو صراعات دنيوية أو سياسية مضفياً عليه نوعاً من قداسة، بخاصة إذا أتى ذلك النص بطريقة تحمّله ما لا يحتمل، في الزمان والمكان والمواضيع، مسقطة إياه على واقع لا يتلاءم معه. ومثلاً، فإذا كانت قضية فلسطين إسلامية، ومحملة بكل تلك القداسة، والحماية السماوية، وحالها على ما نعرف فكيف حصل ما حصل إذاً؟ وكيف تمكنت الحركة الصهيونية من أخذ فلسطين من "الأمة" الإسلامية؟ ولماذا تم تشريد شعبها وحرمانه من هويته، علماً أن ذلك لم يحصل منذ الأمس، وإنما منذ 73 عاماً؟!

وقد يجدر التذكير هنا أن كلام هنيّة لم يأتِ من خارج منظور "حماس"، إذ كانت تلك الحركة عرّفت نفسها، في وثيقتها الجديدة (قبل أربعة أعوام)، بطريقة ملتبسة، باعتبارها حركة "وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين... مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها السامية".

انطلاقاً من ذلك يمكن طرح عدد من الأسئلة عن طبيعة "حماس"، فأيهما يغلب كونها حركة دينية / إسلامية أم كونها حركة وطنية / سياسية؟ علماً أن كل اعتبار له تبعاته ومتطلباته وتداعياته، وعلماً أنه ثبت في التجربة، وضمنها تجربة انحسار تيار الإسلام السياسي في عدد من البلدان العربية، بعد اختباره في الحكم، أنه لا يمكن الجمع بين الصفتين، في آن، بالطريقة التي يتم بها، أي التي تغلب البعد الديني على البعد الوطني الخاص بحاجات الناس وأمور عيشهم، وهذا أمر لم يحصل حتى في فجر الإسلام، أو كأن الناس يتعرفون الى دينهم للتو! 

وفي حين أن ثمة شرعية لحركة وطنية أو سياسية بخلفية ثقافية دينية، وكي لا يكون ثمة تناقض بين البعدين (الوطني والديني)، فإن ذلك يفترض من حركة كهذه أن تتصرف حقاً على هذا النحو، أي من دون إضفاء أو ادعاء قداسة على أجندات أو شعارات سياسية، ومن دون ادعاء وصاية على الإسلام والمسلمين، وبإخضاع شعاراتها وسياساتها وخياراتها للمساءلة والنقد والمحاسبة، ولقواعد الدستور، الذي يتضمن الاعتراف بالآخر، وقبول التداول في السلطة والمساواة بين المواطنين. فوق كل ذلك فإن مثل تلك الحركات لا يفترض بها طلب أي امتياز ولا لأي سبب، لأن امتيازها تحصل عليه فقط في صناديق الاقتراع، ونتيجة خدمة، أو تلبية حاجات الشعب، ودفاعها عن مصالحه، وحقوقه، فتلك هي مهمة الحركات السياسية الحية والمدركة لذاتها ولدورها.

والفكرة الأخرى، التي تتقاطع مع هذا المجال، تتعلق بالتساؤل عن امتداد حركة "حماس"، إذ إن تلك الحركة لم تقطع بين طابعها كحركة وطنية فلسطينية وكونها جزءاً من منظومة "الإخوان المسلمين" العالمية، وقد تضمنت وثيقتها حديثاً عن أمة إسلامية، أيضاً، وما يستتبع ذلك، في حين نعرف أن هذا يدخل في حكم المتخيّل غير الممكن، في عالم تبدو فيه كل دولة إسلامية ذات أولويات ومصالح خاصة لا علاقة لها بغيرها.

والحال فربما كان الأصوب لهذه الحركة أن تعزز من ذاتها كحركة وطنية فلسطينية، وعدم تحميل ذاتها فوق ما تحتمل، أو عدم تخيل واقع لا توجد ترجمة عملية له. وإذا تجاوزنا البيانات الإنشائية والخطب العاطفية، فما بال المسلم الأندونيسي أو الباكستاني أو الماليزي أو الهندي أو الأوزبكستاني بفلسطين؟ وهل قضية فلسطين هي قضيته حقاً؟ وكيف؟

المفارقة أن تلك الحركة إذ يطيب لها تأكيد طابعها كحركة إسلامية، ربما لظن منها أن ذلك يضفي قوة ومشروعية عليها، ويعلي من شأنها، فإن الواقع يكشف عن عكس ذلك، في تجربة السنوات الماضية، للجماعات أو الحركات الإسلامية المسلحة، كـ"حزب الله" اللبناني، و"جبهة النصرة" وأخواتها في سوريا، و"زينبيون" و"فاطميون" و"عصائب أهل الحق" في العراق، ومع الانتكاسات التي حصلت للحركات الإسلامية في السودان وتونس والمغرب.

فوق كل ما تقدم، فإن حركة "حماس"، وقبل تقديم نفسها حركة إسلامية، مع ما يعنيه ذلك من محاولة إضفاء قداسة ما على سياساتها وخياراتها، معنية بتقديم إجابات محددة عن الإقليم (قطاع غزة) الذي يخضع لإدارتها منذ 14 عاماً، سواء في طريقة إدارتها له، أم في علاقتها بشعبها، أو في ما يتعلق بمكانة قطاع غزة في المشروع الوطني الفلسطيني. وضمن ذلك، مثلاً، ماذا ستفعل بقطاع غزة، مع مليوني محاصر، ومع الافتقاد للموارد والاعتمادية على إسرائيل في المياه والمحروقات والكهرباء والمواد التموينية والمعابر؟ ثم كيف ستدير "حماس" صراعها مع الكيان الصهيوني لتحرير فلسطين؟ ومثلاً، هل ستبقي قطاع غزة قاعدة للتحرير بإطلاق الصواريخ أو شن عمليات عسكرية بين فترة وأخرى مع ما يحمله ذلك من تحويل غزة حقل رماية للقصف الإسرائيلي، الذي يستنزف فلسطينيي غزة أكثر مما يوجع إسرائيل؟ أيضاً، هل ستبقي القطاع تحت سيطرتها، رغم الحصار ورغم ما يعانيه أهله جراء ذلك؟ أم ستحاول إجراء مراجعة نقدية لمسيرتها في السلطة، وضمن ذلك إعادة توحيد الكيان الفلسطيني القائم، بين الضفة وغزة؟

باختصار من حق "حماس" أن تختار الأيديولوجية التي تريد، لكن ذلك لا يمنحها ميزة، ولا يضفي قدسية على سياساتها، ولا يعطيها وصاية على أحد أو على الدين، بل إن كل ذلك يعني أن على تلك الحركة أن تتصرف في إدراكاتها وسياساتها وخياراتها باعتبارها حركة سياسية على الأرض وليس في السماء.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية