في ذكرى الثورة السورية... ما بين البدايات والمآلات

في ذكرى الثورة السورية... ما بين البدايات والمآلات


20/03/2021

رغم أنّ بدايات الثورة السورية كانت منسجمة مع بدايات "الربيع العربي"، الذي انطلق في تونس وامتدّ إلى دول عربية مجاورة في شمال أفريقيا وفي غرب آسيا العربية، وذلك بسبب التقاطعات بين الأنظمة العربية، والمطالب التي رفعتها الشعوب بالحرّية والديمقراطية والإصلاحات الاقتصادية والسياسية، مع ملاحظة الفروقات النسبية بين دولة وأخرى، إلّا أنّ هذا "الربيع"، ورغم كلّ ما يقال فيه، كشف فيما كشف كلّ ما يمكن وصفه بالقضايا المسكوت عنها على كافة الصعد.

اقرأ أيضاً: هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية من البوابة الخليجية؟

في سوريا، لا يختلف الأمر عن بقية الدول العربية في أسباب شمولها بـ"الربيع العربي"، إلّا أنّ هناك فروقات جوهرية ميّزتها عن دول عربية أخرى، من بينها أنّ مستوى الدكتاتورية والفساد والظلم كان أعلى ممّا هو عليه في بقية الدول، ثم إنها الدولة العربية الأولى التي تمّت فيها ترجمة الصيغة الجديدة لنظام الحكم السياسي الجمهوري العربي، وتحوّله إلى "الجملوكية"، بنقل الحكم إلى ابن الرئيس، وهو "بشار الأسد"، وهو ما كان سبباً بالإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك.

كان الدخول العسكري الروسي المباشر في سوريا إعلاناً بتدويل الأزمة السورية، بعد التدخل الأمريكي، وتجذّر حروب الوكالة بين الأطراف الدولية والإقليمية

محطات تطوّر الثورة السورية خلال الأعوام الـ10 الماضية تعكس جملة من الحقائق والمفارقات، التي تشكّل مقدّمات يمكن معها بناء سيناريوهات مستقبل سوريا، وهي كما يلي:

أوّلاً: بدأت الثورة السورية في مدينة درعا جنوب سوريا، وكما هو حال بقية الثورات العربية، بالمطالبة برحيل النظام، ولم تكن بترتيب وفعل جهات معارضة، وتوسعت المظاهرات داخل مساجد درعا وانتقلت إلى بعض القرى، إلى أن وصلت إلى بعض مساجد العاصمة دمشق وضواحيها، ولم يكن أمام القوى الأمنية إلّا استخدام القمع بمواجهة المحتجين، والمباشرة بإصدار بيانات مزوّرة هدفها شيطنة المحتجين، تزعم إعلان إمارة إسلامية في الجنوب السوري.

اقرأ أيضاً: من يعكر أجواء عودة سوريا لحضنها العربي؟

ثانياً: مع توسّع نطاقات الثورة السورية وشمولها مناطق مختلفة، وخاصة دمشق وحلب، وشمال شرق سوريا، بدأت مقاربة التدويل للثورة السورية، فدخل العديد من القوى الدولية والإقليمية، من بينها إيران وتركيا، وكان الدخول الإيراني بعنوان حماية المراقد الشيعية المقدّسة، فيما كان الدخول التركي لمواجهة الطموحات الكردية بالانفصال، ودعم السنّة ضدّ الميليشيات الشيعية التابعة لإيران.

ثالثاً: كان الدخول العسكري الروسي المباشر في سوريا إعلاناً بتدويل الأزمة السورية، بعد التدخل الأمريكي، وتجذّر حروب الوكالة بين الأطراف الدولية والإقليمية، بما في ذلك الدخول الواسع لحزب الله اللبناني، مقابل تسهيل إيراني لدخول القاعدة وداعش إلى سوريا، وهو ما أوجد عنواناً جديداً لكلّ ما يجري في سوريا، فغاب مفهوم الثورة الشعبية لصالح مفهوم وعنوان مكافحة الإرهاب، وهو العنوان الذي استثمرته إيران في العراق بعد إطلاقها يد داعش، وتكرار السيناريو نفسه في سوريا.

اقرأ أيضاً: هل تتجه روسيا لتهميش إيران في تسوية الأزمة السورية؟

رابعاً: منذ عام 2016، وبعد أن أصبحت القوى الإقليمية والدولية أمام خيارين: الأوّل المساهمة في إسقاط النظام السوري، والثاني الذهاب إلى الفوضى "الصوملة"، واحتمالات أن تتولى السلطة في سوريا جماعات إسلامية جهادية، لم يعد إسقاط النظام السوري هدفاً دولياً، وتمّت الاستعاضة عنه بما يوصف بـ"ترويض النظام"، من خلال سلسلة أستانا وسوتشي، خاصة بعد ثبوت حقيقة أنّ النظام السوري أصبح أكثر ضعفاً، ولا يشكل تهديداً لإسرائيل، وانخفضت مستويات التهديد التي كان يشكّلها حزب الله لإسرائيل، بعد أن خاض حرباً في سوريا على أسس مذهبية ضدّ السنّة.

خامساً: إذا كان إعدام الرئيس العراقي "صدام حسين" قراراً أمريكياً، وإنهاء حكم معمر القذافي في ليبيا قراراً أمريكياً أوروبياً، فإنّ بقاء الرئيس بشار الأسد لا يخرج عن قاعدة التوافق الدولي والإقليمي، وقد ساعد في ذلك نتائج "الربيع العربي" الدموية في ليبيا واليمن، والدور الذي لعبه الإسلام السياسي، بشقّيه؛ المعتدل والعنيف، والذي لم يقدّم بديلاً موضوعياً للأنظمة الحاكمة يمكن أن يلبي طموحات الشعوب الثائرة.

إنّ العنوان الذي تجري حوله الحوارات السياسية والعسكرية على الأرض السورية اليوم، يتمّ وفقاً لمرجعية واحدة، وهي البحث عن حلٍّ سياسي للأزمة السورية

سادساً: إنّ العنوان الذي تجري حوله الحوارات السياسية والعسكرية على الأرض السورية اليوم، يتمّ وفقاً لمرجعية واحدة، وهي "البحث عن حلٍّ سياسي للأزمة السورية"، وتشكّل اللجنة الدستورية أحد العناوين البارزة له، إضافة إلى الحوارات بين الأطراف الفاعلة: "أمريكا، روسيا، الاتحاد الأوروبي، إيران، تركيا، وبعض الدول العربية الفاعلة، وعلى رأسها السعودية ومصر".

من غير الواضح مستقبل الأزمة السورية، إلّا أنّ المؤكد أنها تذهب باتجاه الحلّ السلمي، رغم التعقيدات المتشابكة، ولكنّ تلك التسوية سوف تستغرق وقتاً، وفقاً للمتغيرات في ملفات: المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية حول الصفقة القادمة، وتطورات العلاقة المتشنجة بين أمريكا وروسيا، وخاصة أنّ سوريا ورقة بيد الرئيس بوتين، وليس من السهولة تقديم تنازلات عميقة فيها، والدور التركي ومدى تقديم ضمانات له حول مطالبه الخاصة بالأكراد، ومدى استجابة النظام السوري بصورته الجديدة لمطالب الأمن الإسرائيلي والسلام، وأخيراً الموقف العربي، رغم محدودية تأثيره بإعادة احتواء سوريا، والإسهام في التوصل إلى تسوية فيها. 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية