"قمتا مكة".. الاستعداد للحرب لمنع وقوعها

"قمتا مكة".. الاستعداد للحرب لمنع وقوعها


21/05/2019

في الواقع هما قمتان دعا إليهما العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، على وقع تحولات سياسية عميقة تجري في المنطقة، بعض هذه التحولات عبارة عن منتج غير مباشر من منتجات الأزمتين العراقية والسورية، والقاسم المشترك بينهما "إيران"، التي تصنع كل يوم سبباً مقنعاً للحرب في منطقة منكوبة بالحروب ومشتعلة بالأزمات الكبرى.

اقرأ أيضاً: المعارضة الإيرانية تتظاهر في واشنطن.. هذه مطالبها

حين يقال بأنّ أفضل وسيلة لمنع وقوع الحرب هي الاستعداد لها، أو بعبارة "عبدالرحمن الكواكبي" فإنّ الاستعداد للحرب يمنع الحرب، وأنّ المستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزاً من حديد، فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم ، يكون توصيف "قمتي مكة" الخليجية والعربية قد تحقق بالفعل؛ فالقمتان هما الخيار الأنسب لمواجهة الخطوات التصعيدية الإيرانية التي تذهب بإيران إلى حرب تزعم أنّها قادرة على مجابهتها، في حين أنّها تخشى ذلك بالفعل، وتخاف التوغل في هذا الطريق السريع، بدليل محاولتها العودة إلى الوراء خطوات، لكنها خطوات غير كافية، كأن يصرح القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، بأنّ "إيران لا تبحث عن الحرب ولا تخاف منها".

إن العرب عموماً ليسوا معنيين بصناعة حرب خاصة وأن كلفتها السياسية والعسكرية والإنسانية ستكون باهظة الثمن

من ذلك أيضاً ما قاله المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، في الرابع عشر من الشهر الجاري، حين استقبل مجموعة من المسؤولين الإيرانيين ليخبرهم أنّ إيران لن تذهب إلى الحرب ولن تسعى إليها؛ لأنها تدرك أنّها ليست في صالحها، وأنّ الخيار النهائي لإيران هو مقاومة الضغوط الأمريكية".

المهم في القمتين؛ العربية والخليجية في مكة المكرمة، أنّهما يوفران مساحة مناسبة لتحرّك عربي باتجاه صياغة موقف موحد مقاوم للغطرسة الإيرانية التي قد تبدو أحياناً بأنّها سذاجة وتأزيم غبي للموقف؛ إذ لم تحسب إيران حساباً لمساحة القراءة الخاطئة مثلاً لفعل من نوع تجهيز قطع بحرية مقاتلة في الموانئ الإيرانية، هذا إذا تم التسليم بسلامة نوايا إيران، لكن الحقيقة هي أنّه لا يمكن التسليم بذلك في بيئة متوترة جداً ستذهب حتماً بالقراءة الأمريكية لهذا الفعل نحو الحرب.

اقرأ أيضاً: الخليج يتحدى التهديدات الإيرانية بدعم التنسيق لتوفير إمدادات النفط

العرب عموماً والمملكة العربية السعودية، ليست معنية بصناعة حرب جديدة، خاصة وأنّ كلفتها السياسية والعسكرية والإنسانية ستكون باهظة الثمن، ولأنها كذلك فإنها لم تصدر أية فعل من شأنه أن ينتج قراءة واحدة ولو خاطئة لنوايا تصعيدية وحربية. فيما إيران تفعل ذلك حتماً؛ إذ تفخخ المنطقة بالتصريحات الحادة وتشعلها بأعمال لا يمكن السكوت عنها.

كان وما يزال السلاح النووي الإيراني الورقة التي تعتبرها طهران رابحة ما دامت مفتوحة وبلا نهايات

فرصة قمة مكة، كبيرة لشرح موقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أمن الخليج وأنّهما قادرتان خليجياً وعربياً على صناعة أمنهما وحماية أنفسهما بإرادة السلام التي تسبق نية الحرب، لكنهما والعرب عموماً مجبرون على تعزيز فرص السلام والأمن والاستقرار إلى مستوى تكون معها مواجهة الحرب خياراً وليس رغبة، بعكس إيران التي تتحدث أحياناً عن السلام كما لو أنّها تجعل الحرب رغبة جامحة وليست خياراً.

للسعودية وللإمارات وللعرب مصلحة أو مصالح كثيرة بالسلام واستقرار المنطقة وهدوئها وإبعاد شبح الحرب عنها، بالمقابل، فإن لإيران مصلحة أو مصالح كثيرة بالتصعيد والتلويح بالحرب وخلق الفرص لوقوعها، وبقاء المنطقة مثار قلق ومدار خصومات سياسية مستمرة، ولا أدل على ذلك من أنّ إيران بعد قليل من الزمن تدشن العام العشرين من تاريخ مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً، وتحديداً الدول الست العظمى، أو ما يعرف بمجموعة  (5+1) التي تضم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهي مفاوضات ضلت تشكل مفتاح أزمات كثيرة في المنطقة، نظراً لطموحات إيران في الزعامة والسيطرة ونشر أيديولوجيتها الدينية المتطرفة.

اقرأ أيضاً: النظام الإيراني يجر بلده إلى كارثة

ولأن تاريخ المفاوضات على السلاح النووي الإيراني يذهب لما قبل 2002 بكثير، وتحديداً إلى 1957 حين وقع "شاه بهلوي" اتفاقاً نووياً مع أمريكا، وإعلانه فيما بعد عام 1974 عن قرب امتلاك إيران سلاحاً نووياً، فإنّ كل تلك المسافة الزمنية التي تخللتها أحداث وحروب ما تزال مستمرة، متذرعة لذلك بإسرائيل باعتبار السلاح النووي الإسرائيلي أسهل طريق موازٍ لتسويق قوة إيران وشرعنة طموحاتها النووية.

لا يمكن التسليم بسلامة نوايا إيران في بيئة متوترة جداً ستذهب حتماً بالقراءة الأمريكية لفعلها نحو الحرب

وتعود الذكرى للخلف إلى عام 1999، حين أجرى الرئيس الإيراني محمد خاتمي أول زيارة لرئيس إيراني إلى السعودية، والتقي حينها الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، بعد ثورة العمائم، ليتحدث عن مستوى القلق من النووي الإسرائيلي.

كان وما يزال السلاح النووي الإيراني الورقة التي تعتبرها طهران رابحة ما دامت مفتوحة وبلا نهايات، وتستطيع صناعة الفوضى والمضي بها داخل النفق.

أخيراً، في "قمة مكة" تحدٍ حقيقي أمام العرب، أدركه العاهل السعودي بصيغة جديدة وهي الصيغة التي تقدم السلام وتدعمه وتؤسس له من خلال بحث خيارات التصعيد والحرب والاستعداد لها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية