كتاب فرنسي يكشف سر الخزائن المغلقة في قطر

كتاب فرنسي يكشف سر الخزائن المغلقة في قطر


كاتب ومترجم جزائري
06/12/2020

"قزم بشهية غول" هكذا هي قطر، التي رغم صغر مساحتها، تستطيع أنْ تحصل على كلّ شيءٍ على هذا الكوكب؛ النوادي الرياضية، ومحلات المنتجات الأوروبية، والقصور الفخمة، حتّى استضافة كأس العالم 2022. فما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الشره المَرَضي؟
بعد تحقيق طويل في بلاد الجزيرة، وبعد الكشف عن أسباب الإفراج عنهما في العراق؛ حيث كانا محتجزين، عام 2004، يكشف الكاتبان الصحافيان الفرنسيان كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو في كتابهما "سرّ الخزائن المغلقة" الستارَ عن كواليس هذا البلد المربِك؛ فيتحدّثان عن محاولة قطر شراء حقّ نقض "الفيتو" الروسي في الأمم المتحدة، وعن خفايا استثماراتها في فرنسا، ويشرحان كيف انتقلت من دبلوماسية دفتر الشيكات، إلى تسليح المتمرّدين الليبيّين والسوريين.
إمبراطورية المال
يغوص الكتابُ في الكون السوريالي لإمبراطورية جَيبِية (إمبراطورية جَيب)، ليدفعنا إلى التساؤل: في سعي قطر إلى التسلل داخل مؤسسات دولية، مثل اليونسكو والجامعة العربية، هل تفعل ذلك لصالح الإسلاميين، أم تسعى من خلال تسلّلها وإقحامِ نفسِها عالمياً إلى ضمان أمنها وإشعاعها في آنٍ واحدٍ؟
وإلى أين سيذهب هذا البلد الصغير، الذي استطاع أنْ يأخذ مكاناً كبيراً في العالم العربي وإفريقيا والغرب؟

إمبراطورية أنشئت بالمال دون أسلحة أو حروب
يُظهِر هذا الكتابُ كيف أنّ قطر، التي فشلت في توسيع حدودها لتعزيز قوتها، اختارت أنْ تنشئ لنفسها إمبراطورية بشرائها العالم بالمال، دون أسلحة أو حروب!
يقول المؤلفان، في مقدمة الكتاب: "قبل بضعة أعوام، استُجوِب مثقفٌ عربي ملتزم بحقوق الإنسان، وناقد طوعي تجاه قطر، من قِبل مسؤول في الإمارة، وقبل أنْ تستجوبه قناة "الجزيرة" في الدوحة. قال له المسؤول القطري: "إنّ مثقفاً مثلك يجب أنْ يمتلك وسائل التنقل، كما تعلم، وأن يتمتّع بحياةٍ كريمة..."، وحين تساءل المثقف العربي، في حيرة، عن نوايا هذا المسؤول القطري، أجابه ذلك المسؤول: "خذ بطاقة الفيزا هذه، وإنْ ضاعت منك لا تتردّد في الاتصال بهذا الرقم"، لكنّ الناشط العربي القديم في مجال حقوق الإنسان، رفض هذا العرض دون تردّد.

قطر فشلت في توسيع حدودها لتعزيز قوتها فاختارت أن تنشئ لنفسها إمبراطورية بشرائها العالم بالمال

وبعد أن اشترت قطر حي نادي "باريس سان جرمان" الفرنسي، والقصور والفنادق الفخمة، ومباني لا تعدّ ولا تحصى، وأسهماً كبيرة في الصناعة الفرنسية، أعلنتْ قطر، في صخبٍ، قرارَها استثمار ما لا يقل عن 10 مليارات يورو في فرنسا. فهل تخطط قطر لشراء فرنسا، كما تؤكّد الصحافة الفرنسية، أو هل تشتري قطر النفوس والضمائر؟ فمنذ أن اكتشف الفرنسيون هوس استثمارات الإمارة في بلادنا (فرنسا)، والتحقيقات الصحافية تتضاعف حول هذا البلد الخليجي الثري الصغير، المحصور بين المملكة العربية السعودية وإيران.
 

هل تسعى قطر إلى أسلمة فرنسا؟
ويتساءل المؤلفان: "هل تسعى قطر إلى أسلمة ضواحينا (الفرنسية)؟ هل تريد السيطرة على الشركات الاستراتيجية عن طريق إدخال رؤوس أموالها إليها؟ وهل تشكّل علاقاتها الخطيرة بالإسلاميين في أركان العالم العربي تهديداً لشركائها الغربيين؟"

"منذ عام، ونحن نحقق في طموحات قطر، وطموحات قادتها المجتمعين داخل أسرة مضطربة "آل ثاني"، وقد التقينا بقادة الصناعة الفرنسيين، ومعظم سفراء فرنسا السابقين في الدوحة، والتقينا أيضاً بالجنود الروس والإسرائيليين والعرب والدبلوماسيين، في مصر وسوريا ولندن، وبالطبع التقينا بقطريين في الدوحة التي نتردّد عليها بانتظام منذ عشرة أعوام".

المؤلفان: اكتشفنا دور قناة الجزيرة في الإفراج عنا عام 2004 بعد أربعة أشهر من الأسْر في العراق

يضيف المؤلفان: "خلال إعدادنا أحد هذه التقارير تحديداً، اكتشفنا دورَ قناة الجزيرة في الإفراج عنّا في نهاية عام 2004، بعد أربعة أشهر من الأسْر في العراق. ومن دون "ديماغوجيا"، أو محاباة، سعينا إلى رسم صورة واقعية عن "هذا النثار الذي يتصور نفسه إمبراطوراً"، كما يصفه منتقدوه، أردنا أن نفهم قوة الدفع في هذا الطموح، الذي يكلّف الدوحة اليوم عداواتٍ صلبة في جميع أنحاء العالم العربي، وكأنّ ضفدعة الأسطورة رأت نفسها ثوراً!".
 

وضع قطر مجهرياً على خريطة العالم
فور انتزاعه السلطة من والده، أعلن الأمير حمد هَدفين لم ينحرف عنهما: إعطاء قطر هُوية ووضوحاً عالميّين؛ فكلّ شيءٍ في بلده ينطلق من إحباطٍ نفسي قديم؛ فالأمير حين كان طالباً شاباً في الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست، في بريطانيا، كان يشعر بالسخط كلّما عَرض جواز سفره في المطارات الأوروبية الجمركية؛ لأنّ الشرطة كانت تسأله في كلّ مرة: "قطر؟ أين تقع قطر؟".
وحين وصل حمد إلى السلطة، كانت تحدوه نيةٌ قوية في وضع حدّ لجمود والده، والاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة لبلاده، فأطلق، على الفور، برنامجاً واسعاً لتطوير بنية الغاز التحتية، مما منحه استقلالاً مالياً، فأصبح بإمكانه أن يستثمر في الأجيال المقبلة، ويتجنّب تجربة الصعوبات المالية التي عاشتها البلاد في أواخر التسعينيات، عندما وصل النفط أدنى مستوياته.

حققت الجزيرة والقاعدة الأمريكية الوجود لقطر أمام السعودية وإيران دون خوفٍ كبير ووضعتها مجهرياً على الخريطة

وبعد بضعة شهور من تقلّده الحكم، أطلق قناة "الجزيرة" الإخبارية، التي أتاحت له وضع بلده مجهرياً على خريطة العالم. وبعد سنوات قليلة، في عام 2003، ضمِن باستقباله القاعدة الأمريكية التي لم يعد مرغوباً فيها على الأراضي السعودية، عدم وقوف القوى العالمية مكتوفة الأيدي عند دخول الدبابات السعودية إلى قطر، فقد نقلت الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية، في العام نفسه، من المملكة العربية السعودية، إلى جنوب غرب الدوحة.

حققت قناة الجزيرة والقاعدة الأمريكية الوجود للأمير حمد أمام السعودية وإيران، دون خوفٍ كبير، قبل أنْ يصبح لقطر دور رئيس في الصراعات الإقليمية والثورات العربية التي حدثت لاحقاً.

ثلاثي قطر السحري
يريد المدّعي الحالم، صاحب الرؤى الخيالية، المقاوم للأعراف، أنْ يجعل بلده الصغير بلداً فاعلاً، ومعروفاً ومعترفاً به عالمياً، وقد ساعده في هذا الدور شخصان استثنائيان في العالم العربي، هما: زوجته الثانية المعروفة بطموحها، الشيخة موزا، وابن عمه، حمد بن جاسم، الذي لا تعرف جرأتُه حدوداً.
إذا أصبحت إمارة قطر الصغيرة أغنى دولة في العالم، فذلك بفضل هذا الثلاثي السحري، الفريد من نوعه في العالم العربي، الثلاثي الذي يُحرّكه حسّ فطري لانتهاز الفرص، يسعى إلى ربط الإسلام بالحداثة، والتقاليد البدوية بالتعملُق الاقتصادي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية