كيف تنظر إسرائيل إلى تقارب عباس للمصالحة مع حماس؟

كيف تنظر إسرائيل إلى تقارب عباس للمصالحة مع حماس؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
11/10/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

تزايدت اللقاءات المتكررة خلال الأسابيع الماضية بين حركتَي حماس وفتح، على مستوى القيادات في الصفّ الأول، وعلى خلفية ذلك ثمّة أزمة إستراتيجية متعدّدة الأبعاد، يشعر بها الطرفان؛ على صعيد أبو مازن، الذي علّق في عزلة حادّة، يجد صعوبة في عرض رؤيا أو أفق إستراتيجي ما على الجمهور الفلسطيني، أما حماس من جهتها؛ فتعيش ضائقة متواصلة على خلفية الوضع المتفاقم في القطاع، الذي يصعب عليها تحسينه، ورغم الأجواء الإيجابية التي خيمت على هذه اللقاءات، إلا أنّ القيادات الوسطية في كلتا الحركتَين لا تعوّل كثيراً على ما يحصل، بسبب سوابق السلطة وحماس بعدم مصداقيتهما بالمصالحة، ورغم أنّ قيادَتي الحركتين تفضّلان الحوار مع بعضهما، إلا أنّ الأمر غير موثوق به.

حماس تعيش ضائقة متواصلة على خلفية الوضع المتفاقم في القطاع

حركة فتح ما تزال ترفض إحياء دور حماس في الضفة الغربية، وفعالياتها الممنوعة منذ عشرة أعوام، إضافة إلى الملاحقة الأمنية لعناصر حماس، من قبل السلطة أو إسرائيل؛ فمنذ انعقاد لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بين بيروت ورام الله، مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي، جرت العديد من الاتفاقات، التي كانت من مخرجات اللقاءات المتكررة، وتمّ نشر البيان الأول للقيادة الوطنية الموحّدة بحضور للقوى والفصائل الفلسطينية، منتصف أيلول (سبتمبر)، لكن رغم هذه الحراكات الوحدوية المتواصلة بين فتح وحماس، خاصة على مستوى قيادات الصفّ الأول لديهما، إلا أنّ إسرائيل لا تبدي ثقتها الكبيرة بما تسمّيه الوحدة الزائفة؛ بسبب سوابق فتح بشكل خاص بعدم مصداقيتها بالمصالحة مع حماس.

عدم جدّية السلطة

إنّ أبرز ما يمنح مصداقية لهذه الهواجس في أوساط حماس تجاه عدم جدّية السلطة في التقارب معها؛ مواصلة أجهزة السلطة الأمنية في الضفة الغربية حملة الاعتقال لعشرات الشبان والنشطاء؛ حيث تواصل السلطة اعتقال نشطاء حماس من مختلف مناطق الضفة الغربية، وتحقّق معهم حول منشورات على مواقع التواصل، وهذا الأمر، من وجهة النظر الإسرائيلية، يشكّل عملاً تخريبياً للجهود الوطنية وتكريساً وترسيخاً للانقسام، في مقابل كلّ ذلك؛ تشير تقديرات إسرائيلية إلى أنّ حماس تعتقد أنّ التقارب مع السلطة أفضل من القطيعة التي تعانيها، حتى إن لم تفضِ كلّ الجهود إلى مصالحة جدية ووحدة وطنية، والحركة لا يمكن لها أن ترفض أيّ تواصل مع السلطة، حتى إن كان ذلك إعلامياً، مع أنّ السلطة تستفيد دعائياً من حماس في تسويقها بين الفلسطينيين، لكنّ المشكلة في المبالغة التي يشيعها بعض قادة حماس حول الوحدة مع فتح، ممّا يتطلب منها أن تكون أكثر استماعاً لكوادرها الوسطية التي تمتلك رؤية واقعية جداً تجاه السلطة، التي تقيم علاقات وتنسيقاً أمنياً مع إسرائيل، لكن أيضاً هناك طبقة حاكمة في السلطة مستفيدة من الوجود الإسرائيلي، ولا ترغب بأيّ وجود لحماس في الضفة.

السلطة الفلسطينية والمقاطعة العربية

 تقدير إسرائيلي آخر يشير إلى أنّ السلطة الفلسطينية باتت تعاني من القطيعة العربية لها، وأصبحت منعزلة، وفي أزمات عالقة، أبرزها: الأزمة المالية، وتراكم حجم القروض عليها، فتوجّه عباس للتقارب مع حماس اضطراري، وليس جدياً، ويعوّل عباس في الأثناء إلى جانب أعوانه في الانتظار لحين التعرّف إلى النتائج التي ستفرزها الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، في وقت سئم فيه الجمهور الفلسطيني هو الآخر من السلطة الفلسطينية ورئيسها، خاصة مع تأزم الأوضاع الاقتصادية، بينما ينظر الفلسطينيون إلى حماس على أنّها تمارس الضغط والتهديد المتواصل ضدّ إسرائيل، وبإمكانها تحقيق مطالب وإنجازات أكثر من السلطة، وبحسب مصادر في الرئاسة الفلسطينية، تقول: إذا فاز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، فسيطرأ تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن حتى إن انتخب ترامب فسيلتزم للإمارات في البداية بألا يسمح لإسرائيل بالضمّ؛ أي أنّه ليس لديه الكثير مما يعرضه على إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وثمّة احتمال آخر في أن يتّخذ ترامب في الولاية الثانية خطوات متصلبة أكثر ضدّ الفلسطينيين.

السلطة الفلسطينية باتت تعاني من القطيعة العربية لها

إنّ جولة المصالحة الحالية تنطوي على تهديد محدود نسبياً بالنسبة إلى إسرائيل في المدى القريب، لكنّ احتمال الضرر الإستراتيجي الجسيم يكون على مدى الزمن، لا سيما إذا تعمّقت الأزمة بين إسرائيل والسلطة.

لإسرائيل مصلحة

 لإسرائيل مصلحة في منع هذه السيناريوهات، والوسيلة المركزية لهذا الغرض يجب أن تكون استئناف التنسيق والاتصال الرسمي بينها وبين السلطة الفلسطينية، اللذين أوقفهما أبو مازن، منتصف أيار (مايو) الماضي، على خلفية الخطاب الإسرائيلي في موضوع الضمّ، ولم يستأنفهما حتى بعد توقيع الاتفاق، واستئناف التنسيق مطلوب منعاً للآثار السلبية في مسيرة المصالحة، ولإحباط سيناريوهات إشكالية أخرى، وعلى رأسها الضعف الأدائي المتواصل للحكم الفلسطيني، بشكل يعمّق العلاقة المباشرة بين الجمهور الفلسطيني وإسرائيل، ويوسع المسؤولية المدنية للأخيرة على الواقع في الضفة، ونشوء احتجاج جماهيري يضعضع مكانة السلطة الفلسطينية من الداخل، لا سيما من جانب موظفي القطاع العام الذين يتلقون راتباً جزئياً في الأشهر الستة الأخيرة .

محمود عباس لا يؤمن بالتصعيد بأيّ شكل من الأشكال، وحماس منشغلة جداً الآن بكورونا، وبتحسين الوضع في غزة، ولا توجد أيّة رغبة في جولة قتالية

بحسب السيناريو الذي تحدّث عنه محللون إسرائيليون؛ فإنّ الانتخابات ستجري بالفعل وسيوافق الفلسطينيون على عقد الانتخابات دون شرق القدس، أما سيناريو عرقلة فتح للانتخابات يبقى قائماً، لكنّ معناه هو ألا يحظى أيّ زعيم فلسطيني بثقة الجمهور، وقد يخرج الشارع ضدّه، وفي حالة انتخابات حقيقية للرئاسة؛ فإنّ معظم الاحتمالات الآن تشير إلى انتصار مرشّح من حماس (ليس رجل حماس)، بل شخصية عنها.

ماذا عن مروان البرغوثي؟

 فتح منقسمة ومتنازعة، ولا يبدو أنّ هناك مرشّحاً واحداً للرئاسة عن الحركة، يصرّ مروان البرغوثي ورجاله على المنافسة في انتخابات الرئاسة، ويتنازع باقي المسؤولين فيما بينهم، ولا يتوصّلون إلى توافق بين جبريل الرجوب وماجد فرج ومحمود العالول، هذا الانقسام بين أصوات فتح سيشقّ الطريق لانتصار مرشح عن حماس، في حين أنّ الجماهير الفلسطينية غير مبالية في موضوع الانتخابات؛ لأنّها متعبة وخائفة في الغالب من الوضع الاقتصادي الصعب ووباء كورونا الذي يضرّ بحياتها، وما تزال هناك خطوات تتخذ في المقاطعة، بعضها ما يزال في الظلام.

 مروان البرغوثي

 ينبغي قرع أجراس التحذير الإسرائيلية، في هذه الأيام تظهر نهضة في العلاقات بين حماس وفتح في قطاع غزة والضفة الغربية، على الرغم من البغضاء وعدم الثقة بين المعسكرين إلا أنّ هناك تقدّماً، لكن من المشكوك فيه، وبشدّة، أن ينظر أبو مازن إلى علم حماس الأخضر يرفرف في الضفة دون ردّ فعل.

اقرأ أيضاً: هل تكفي سلة العمادي لإخراج حماس من أزماتها العالقة؟

صحيح أنّ أبو مازن لا يصطدم بمعارضة شديدة من الداخل، لكنّ الجمهور، مثل السياسيين، بل والمسلحين، الكلّ يفهم أنّ ولاية محمود عباس طالما استمرت فلن يتغيّر شيء ولن يتحرّك، وعباس لا يؤمن بالتصعيد بأيّ شكل من الأشكال، وحماس منشغلة جداً الآن بكورونا، وبتحسين الوضع في غزة، ولا توجد أيّة رغبة في جولة قتالية، صحيح أنّهم تجاهلوا نار الجهاد التي جاءت لإحراجهم، لكن عرفوا كيف يوقفون التصعيد، أحد قادة حماس في الضفة الغربية، نايف الرجوب، قال: "الحركة ترحّب بأيّة خطوة لإنهاء الانقسام، ونبارك أيّ جهد بهذا الاتجاه، لكن تجربتنا مريرة مع السلطة؛ وقّعنا معها اتفاقيات عديدة بحضور شهود إقليميين ودوليين، وفي كلّ مرة لم تلتزم بما تمّ الاتفاق عليه؛ لذلك نريد أن نرى السلوك الميداني على أرض الواقع حتى يطمئن الشارع الفلسطيني".

تجاوز الخلافات والانقسام

 ويرى أنّ هناك جدّية في تجاوز الخلافات والانقسام؛ لذلك المطلوب من السلطة ترجمة ما يقال وليس الاكتفاء بالبيانات الصحفية واللقاءات، لأنّ ما يحصل من استمرار للاعتقالات والاستدعاءات والمزيد من التضييق على أبناء حماس بالضفة أمر معيب.

اقرأ أيضاً: تهدئة إسرائيلية مع حماس تتخللها جهود مصرية لتبادل الأسرى

 عباس لا يؤمن، رغم أجواء التفاؤل التي يحاول الطرفان تحقيقها، ثمّة مجال مفهوم للشكوك في إمكانية تحقيق مصالحة كاملة؛ أبو مازن هو الحاسم الحصري في المسألة من جانب السلطة، لكن من الواضح أنّه لا يسارع إلى رفع التفاهمات إلى الخطوط العملية، ويبدو أنّه اختار الانتظار إلى ما بعد انتخابات الولايات المتحدة، مطلع كانون الثاني (يناير) المقبل، كي يفحص إن كانت ستطرأ تحولات في سلوك إدارة واشنطن تجاه الموضوع الفلسطيني، إضافة إلى ذلك، ومع أنّ باقي مسؤولي السلطة يعلنون على الملأ تمسّكهم بتحقيق المسيرة، إلا أنّ في أوساطهم، ومن وراء الكواليس، تخوفاً شديداً يحوم من تحققها السريع، بشكل يقوّض سيطرة فتح في الضفة، ويشجّع رفع الرأس من جانب حماس، وذلك في حين ما تزال في الخلفية ذاكرة صدمة قاسية تكوي وعيهم عميقاً من صيف 2007 في قطاع غزة.

أحد قادة حماس في الضفة الغربية، نايف الرجوب: حركة حماس ترحّب بأيّة خطوة لإنهاء الانقسام، ونبارك أيّ جهد بهذا الاتجاه، لكن تجربتنا مريرة مع السلطة

 في الظروف الحالية قد لا يكون هناك خطر إستراتيجي فوري في الساحة الفلسطينية، لكن يتعاظم الخوف من حوادث تاريخية تقع بشكل متواتر في الساحة الفلسطينية، وذلك رغم تخطيطات ومصالح السلطة الفلسطينية، وفي ضوء ضائقة عميقة للحكم الفلسطيني ورغبته في التمسّك بخطوة تجسد حضوره، إلى جانب الدافع الشخصي القوي، فهناك رغبة كبيرة لدى الرجوب، الذي يقود المرحلة في تحقيق نجاح مسيرة المصالحة، لقد حصل على ختم قانوني ليكونوا جزءاً من أسرة الأمم المتحدة, وانضموا لعدد من المنظمات الدولية مؤخراً، ووقّعوا عشرات الاتفاقيات، وشكّل هذا فصلاً جديداً في التاريخ السياسي الفلسطيني، لكن يعتقد عباس أنّ دبلوماسية الصراع والنجاح الأولى في تقارب وجهات النظر مع حماس، هي الطريقة الصحيحة، والأكثر فائدة، للضغط على إسرائيل لإجبارها على العودة لطاولة المفاوضات، ولكن -في النهاية- حدث العكس؛ حيث شدّدت إسرائيل مواقفها، وشنّت حربها الدبلوماسية الخاصة بالضغط على السلطة، والتي وصلت إلى مقاطعة عدد من الدول العربية لها.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://jcpa.org.il/article/%D7%94%D7%AA%D7%A0%D7%92%D7%93%D7%95%D7



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية