كيف عاد بايدن للتعامل بـ"واقعية" مع السعودية؟

كيف عاد بايدن للتعامل بـ"واقعية" مع السعودية؟


16/06/2022

جورج عيسى

"ستيفن، لا بأس. لا أحد هنا متفاجئ بقراره، لكن سيأتي يوم يحتاج فيه الرئيس بايدن إلى السعودية، وسيكون عليه الاتّصال بصاحب السموّ الملكيّ". يبدو أنّ توقّع أحد المسؤولين السعوديّين في حديث هاتفيّ مع الزميل في "مجلس العلاقات الخارجيّة" ستيفن كوك بحدوث انعطافة لبايدن في مقاربة سياسته تجاه السعوديّة تحقّق أخيراً.

في مجلة "فورين بوليسي"، سرد كوك كيف أجرى اتّصالاً بالمسؤول السعوديّ بعدما أعلن فريق الرئيس الأميركيّ جو بايدن أنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شخص غير مرحّب به في البيت الأبيض. ردُّ المسؤول السعوديّ فاجأ كوك كما أوضح. لكنّه أضاف: "لقد كان... تقييماً دقيقاً للوضع".

عقب إعلان البيت الأبيض أنّ بايدن سيزور السعودية في 15 و 16 تموز  (يوليو)، يكون بايدن قد أجرى استدارة شبه كاملة في نظرته وطريقة تعامله مع المملكة. بعدما تعهّد بايدن المرشّح بجعلها دولة "منبوذة"، ها هو بايدن الرئيس يقرّر زيارتها فاتحاً على الأرجح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية-الخليجية.

إشادات

أشادت صحيفة "الوول ستريت جورنال" بالزيارة المرتقبة واصفة إياها بـ"المنطقية" من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية. ولفتت إلى أنّ بايدن سيزور الرياض على الرغم من احتمال إغضاب الجناح اليساريّ في الحزب الديموقراطيّ. لكنّها أشارت أيضاً إلى أنّ هذه الزيارة محرجة له بعدما صعّد موقفه تجاه السعودية. أمكنه تفادي الإحراج لو أنّه كان "واقعيّاً" منذ البداية في تقييم المصالح الأميركيّة وفقاً لهيئة التحرير في الصحيفة نفسها.

تقاطع تحليل "الوول ستريت جورنال" مع تحليل كوك. يرى الأخير أنّ سياسة بايدن السعودية كانت آيلة إلى الفشل منذ البداية. لقد ظنّت الإدارة أنّها ستعيد إحياء الاتفاق النووي ممّا يسمح لها بالانسحاب من الشرق الأوسط، كما ظنّت أنّها أصبحت مستقلّة طاقويّاً بعدما أضحت أكبر منتج للنفط. لكنّ حرب أوكرانيا والإخفاق في العودة إلى الاتفاق النوويّ أظهرا خطأ تقييم واشنطن. الآن، يتوقّع بايدن أنّه لو صافح بن سلمان فلن يطول كثيراً دفع الأميركيين بين 5 و 7 دولارات لغالون البنزين.

من جهته، وفي المسار نفسه من التحليل، كتب نائب المساعد السابق في وزارة الدفاع (2015-2017) أندرو إكسوم في مجلة "أتلانتيك" أنّ بايدن "محقّ بشأن السعودية"، لأنّه يحاول صياغة سياسة خارجية تصبّ في مصلحة الطبقة الوسطى في أميركا. "تبقى السعودية ثاني أكبر دولة منتجة للنفط على كوكب الأرض ولاعباً أساسياً في الاقتصاد الدوليّ – وحتى أكثر من ذلك حين ساعدت الحرب في أوكرانيا على ارتفاع أسعار الطاقة". ووصف إكسوم السياسة الجديدة بـ"الواقعية".

موقع الطاقة من الزيارة

قبل انتشار جائحة "كوفيد-19"، كان الأميركيّ يدفع ما معدّله 2.6 دولارات مقابل الغالون سنة 2019. وهذا يعني أنّ السائق الأميركيّ دفع نحو 1545 دولاراً في تلك السنة ثمن التنقّل وقد يدفع 2971 دولاراً في 2022، على افتراض أنّ السعر الوسطيّ للغالون سيكون عند خمسة دولارات مع نهاية السنة. لكنّ هذا الافتراض صعب، مع توقّعات متعدّدة باحتمال وصول سعر برميل النفط في أواخر أيلول إلى 150 دولاراً.

ولا يؤثّر ارتفاع أسعار الطاقة على كلفة التنقّل وحسب بل الأهمّ على أسعار السلع والخدمات. وفقاً لآخر تقرير صادر عن "مكتب إحصاءات العمل"، وصلت نسبة التضخم السنوي في أيار (مايو) الماضي إلى 8.6 في المئة وهي الرقم الأعلى منذ سنة 1981 أي منذ أكثر من أربعة عقود. وما يفاقم الأثر النفسيّ لهذه الظاهرة أنّه بين 1991 و 2019، بلغ معدّل التضخّم السنويّ 2.3 في المئة شهرياً ولم يتخطّ عتبة 5 في المئة سوى أربع مرّات، على ما يذكره مركز "بيو" للأبحاث.

تبيّن هذه الأرقام جزءاً من أسباب زيارة بايدن الرياض والانعطافة الكبيرة المتوقّعة في سياسته السعوديّة. لكنّها قد لا تبيّن جميع الأسباب الكامنة خلفها. صحيح أنّ وضع بايدن الشعبيّ متدهور إلى حدّ بعيد، ويمكن قول الأمر نفسه عن وضع حزبه الديموقراطيّ على أبواب الانتخابات النصفيّة. لكن حتى بايدن قد لا يراهن بالكامل على إمكانيّة أن تغيّر مفاعيل تلك الزيارة كثيراً في الواقع الأميركيّ الداخليّ.

من خلال حوار عبر "فورين بوليسي" أيضاً، لم تقتنع الزميلة في "أتلانتيك كاونسيل" إيما أشفورد بأنّ النفط يقدّم تفسيراً مُرضياً. أصبحت السعودية مستعدة لرفع إنتاج "أوبك" النفطيّ بـ648 ألف برميل يومياً وهي "قطرة في دلو" الاستهلاك العالمي للنفط والمقدّر بنحو 100 مليون برميل يومياً. وذهب زميلها في المجلس نفسه ماثيو كرونيغ أبعد من مسألة النفط في تفسير أهمية الزيارة.

الشرق الأوسط لا يزال مهماً استراتيجياً

بحسب رأي كرونيغ، كان التصوّر في الخليج أنّ واشنطن لم تكن تغادر المنطقة، بل غادرتها فعلاً تاركة فراغاً لروسيا والصين كي تستغلّاه على المستوى الأمني والاقتصادي والتكنولوجي. ومنطقة الخليج حيويّة بالنسبة إلى واشنطن. فهي تمكّنها من العمل مع الشركاء المحليين لمواجهة إيران والإرهاب ومراقبة أفغانستان، كما أنّ حماية تدفّق النفط، حتى ولو كان معظمه باتّجاه شرق آسيا، يحمي الأسواق العالمية من التقلبات. ودعا كرونيغ واشنطن إلى الاحتفاظ بوجود أميركيّ وازن في المنطقة خصوصاً كاستعداد لاحتمال صناعة إيران قنبلة نووية، مشدّداً على ضرورة عدم تخلّي واشنطن عن مناطق نفوذ تاريخية لمصلحة خصومها.

قدّم كرونيغ عرضاً تاريخياً ومعاصراً لأهمية المنطقة الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة ونفوذها الإقليميّ وحتى العالميّ. لكن ليس مؤكّداً ما إذا كان بايدن ينطلق من جميع هذه العناصر لتوليف سياسته الجديدة في تلك المنطقة. يحتاج فريق بايدن إلى إجراء مراجعة بالنسبة إلى تقييماته الأساسيّة عن قدرة الطاقة البديلة على الحلول سريعاً مكان الطاقة الأحفوريّة كما بالنسبة إلى جدوى الانفتاح على إيران في وقت تماطل بالعودة إلى الاتفاق النووي وتحاول اختطاف مواطنين أميركيين-إيرانيين من على الأراضي الأميركية (كما حدث مع مسيح علي نجاد). وليس واضحاً أيضاً ما إذا كانت الإدارة ستعتمد التوازن في تركيزها على شرق آسيا من خلال عدم التخلّي نهائياً عن الشرق الأوسط. لكن بالحدّ الأدنى، لا تغيب هذه العناصر عن الحسابات الراهنة لصنّاع القرار في واشنطن. في جميع الأحوال، يُترك للزيارة إمكانية الكشف عن الكثير من المتغيّرات الأميركيّة المحتملة تجاه هذه المنطقة.

عن الخلافات الحقوقيّة

بالنسبة إلى الجناح التقدّميّ في الحزب الديموقراطيّ الذي ينتقد تواصل بايدن مع السعودية على الرغم من الخلافات الشائكة حول قضايا حقوق الإنسان، يردّ إكسوم على هذه الانتقادات في مجلة "أتلانتيك" متسائلاً:

"لماذا، أسأل أصدقائي التقدميين، لا يمكننا فعل ذلك (التواصل حول هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة) مع المملكة العربية السعودية؟ لماذا يمكننا تعيين سفير في الصين، أو في روسيا حتى، لكن ليس في السعودية؟ لماذا بإمكان الرئيس (بايدن) الجلوس مع الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو – الرجل الذي يؤكّد بحماسة وصوت عالٍ أنّ انتخابات 2020 سُرقت من دونالد ترامب – لكن ليس الجلوس مع محمد بن سلمان؟"

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية