كيف فشلت محاولات "الإخوان" في منافسة دار الفتوى اللبنانية؟

كيف فشلت محاولات "الإخوان" في منافسة دار الفتوى اللبنانية؟

كيف فشلت محاولات "الإخوان" في منافسة دار الفتوى اللبنانية؟


02/07/2023

بعد مرور 11 عاماً على تأسيسها، أخفقت محاولة الإخوان المسلمين في الهيمنة على الطائفة السنّية دينياً في لبنان، عبر مؤسسة "هيئة العلماء المسلمين في لبنان". تلك التي تأسست في العام 2012 وقت شعور الإخوان بتحقيق التمكين في الدول العربية، إبان وجود رئيس إخواني على رأس السلطة في مصر، والهيمنة على تونس وليبيا، وصعود في المغرب وموريتانيا.

في ذلك الوقت، أسس الإخوان المسلمون "هيئة العلماء المسلمين" في لبنان، وفروع للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في دول عربية مثل تونس. ولولا أنّ الوجود الإخواني محدودٌ في لبنان، لكانت الجماعة افتتحت مكتباً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بيروت، بدلاً من استخدام مسمى "هيئة العلماء المسلمين"، الذي يشبه اسم "هيئة العلماء المسلمين" التابعة لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.

اختيار المسمى لم يكن اعتباطاً، بل فيما يبدو ترضيةً لوجود رجال دين سلفيين، كانوا من المؤسسين للهيئة. وعلى ما يبدو فإن ما جمع الطرفين الإخوان ممثلين في (الجماعة الإسلامية) ورجال دين سلفيين، هو محاولة منافسة الهيئة الدينية الجامعة والشرعية للسنّة في لبنان؛ دار الفتوى، مستغلين في ذلك خلافات وقتها بين المفتي السابق محمد قباني وتيار المستقبل برئاسة سعد الحريري.

دعم التمكين الإخواني

جاء في بيان الهيئة التأسيسي، أنّها أُنشئت لتحقيق عدة أهداف، منها؛ إيجاد إطار جامع للعلماء المسلمين في لبنان يوحّد صفوفهم، وأداء الأمانة التي يحملها العلماء بتفعيل حضورهم في القضايا التي تهم أمتنا، وبيان الأحكام الشرعية في القضايا العامة، بما يحقّق مقاصد التشريع، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، وترشيد الخطاب الدينيّ على الساحة الإسلاميّة.

بالإضافة إلى الحفاظ على هويّة أهل السنّة والجماعة في لبنان، وخدمة قضاياهم، والدفاع عن حقوقهم، وتفعيل مؤسّسات المسلمين في لبنان وتطويرها، وعلى رأسها دار الفتوى والمجلس الشرعيّ، والعمل على تصويب مسارها، وإحياء دور العلماء فيها، والتصدّي للتدخّل السياسي في هذه المؤسّسات، ورفض الاستغلال السياسيّ للمسلمين، عبر تأجيج العصبيّة الطائفيّة عندهم. فضلاً عن المحافظة على القيم الأخلاقيّة، وتعزيز دور الأسرة، والعمل على حماية القوانين التي تدفع في هذا الاتجاه وتطويرها، ونصرة المظلومين وقضايا المسلمين المحقّة والعادلة في العالم، وعلى رأسها قضيّة فلسطين، وثورات الربيع العربيّ.

رئيس الهيئة الشيخ أحمد العمري في لقاء مع مسؤول تركي

والمُلاحظ أنّ هذه الهيئة كانت عبارة عن توظيف سياسي للدين منذ بدايتها، رغم أنّها أكدت على خلاف ذلك في بيانها التأسيسي. ومن التناقضات التي لم تستطع الهيئة اخفاءها، ما نصت عليه من "رفض الاستغلال السياسيّ للمسلمين" بينما أكدت الالتزام بـ"شعار نصرة ثورات الربيع العربي" أو بمعنى أدق نصرة التمكين الإخواني الذي ظهر حينها في العام 2012. فضلاً عن أنّ الهيئة حاولت أنّ تحل مكان دار الفتوى بتاريخها العريق، بدعوى إصلاح الدار ومؤسساتها الشرعية.

البعض يعتبر هيئة  علماء المسلمين غطاءً لجمع الأموال، باستغلال اسم الهيئة والثورة السّورية فضلاً عن محاولة اقتسام النفوذ والمكاسب بين أجنحة سلفية والجماعة الإسلامية

حين أُسست الهيئة كان أعضاؤها 11 من رجال الدين في لبنان، وهم: حسن قاطرجي وأحمد درويش الكردي وأحمد العمري (بيروت)، سالم الرافعي ورائد حليحل (طرابلس)، مالك جديدة وزيد زكريا (عكّار)، منير رقية وعدنان إمامة (البقاع)، خالد العارفي (الجنوب) وهمام الشّعار (جبل لبنان).

اللافت أنّ هذا العدد الصغير ظن أنّ بإمكانه الحلول مكان "دار الفتوى" التي يعود تاريخها إلى العام 1909 عندما صدر الفرمان العثماني بتنصيب الشيخ مصطفى نجا مفتياً لبيروت، ثم تحول المسمى إلى مفتي الجمهورية اللبنانية عام 1932.

جانب آخر حول أهداف إنشاء الهيئة، ذكره الكاتب اللبناني محمد ملص في تقرير في موقع "تقريب". ذكر أنّ إطلاق هيئة العلماء المسلمين في لبنان،  أتى مواكباً  لتطور الأحداث الأمنية في منطقة طرابلس، وما رافق تلك الحقبة من ظهور كبير للمجموعات المسلحة داخل مناطق باب التبانة، وبالتزامن مع انغماس عشرات المشايخ ورجال الدين في الأحداث الأمنية على الأراضي السورية ، تحت ما سمي "دعم الثورة السورية" أو مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان. وأضاف "أمنت هذه الظروف لهؤلاء فرصة التحول إلى نجوم  إعلاميين يملأون الشاشات التلفزيونية والبرامج السياسية".

انهيار الخطط الإخوانية

مثّل عام 2014 بداية أفول النشاط الكبير لهيئة علماء المسلمين في لبنان، وهو التاريخ الذي تزامن مع تحولات إقليمية تتعلق بالإخوان المسلمين، منها الإطاحة بهم في ثورة شعبية في مصر عام 2013.

كتب عبد الكافي الصمد في جريدة "الأخبار" اللبنانية، بأنّه بعد أقلّ من عامين على ولادتها ظهرت بوادر الانشقاق في صفوف الهيئة، بعدما أعلن الشيخ مالك جديدة، أحد مؤسّسيها، مطلع العام 2014 استقالته منها، مبرّراً ذلك بمحاولة السيطرة على الهيئة من قبل جماعات وجمعيات لأهداف متعدّدة، منها كسب الشّارع السنّي، ومحاربة المرجعيات الدينية (دار الفتوى). وأشار الكاتب اللبناني إلى أنّ البعض اعتبر الهيئة غطاءً لجمع الأموال، باستغلال اسم الهيئة والثورة السّورية، فضلاً عن محاولة اقتسام النفوذ والمكاسب بين أجنحة سلفية والجماعة الإسلامية.

هشام عليوان: تراجع دور هيئة العلماء في لبنان

يوضح الباحث في الفكر والحركات الإسلامية، هشام عليوان، بأنّ الهيئة هي واجهة إخوانية سلفية ودعوية، والمكون الأقوى هو الجماعة الإسلامية. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ مناسبة تشكيل الهيئة كان له علاقة بالثورة السورية، فلما انحسرت المعارضة في سوريا تراجع دور هيئة العلماء في لبنان.

وأفاد بأنّها كانت محاولة لخلق بديل عملي عن دار الفتوى، بعد تحييد دار الفتوى عن المواقف السياسية، وهو الشرط الذي اُنتخب بموجبه المفتي الحالي عبد اللطيف دريان، أي عدم التصريح بالسياسة إلا وفق المرجعية السياسية السنية واتجاهاتها.

الباحث اللبناني هشام عليوان لـ"حفريات": الهيئة واجهة إخوانية سلفية ودعوية، والمكون الأقوى هو الجماعة الإسلامية، لكنها بعيدة الآن عن الضوء وخمد نشاطها

وحول واقع الهيئة اليوم، قال الباحث اللبناني، بأنّها اليوم بعيدة عن الضوء وخمد نشاطها إلى حد كبير، وقد يكون انعدام التمويل من أسباب ذلك.

والواقع الذي يغيب عن الإخوان المسلمين هو أنّ لبنان حالة خاصة، لا يستقيم فيها حضورهم، كونهم يرتبطون بموقف إقليمي عابر للدولة القومية. في الحالة اللبنانية التي ترتبط بالسعودية، يتجنب الإخوان المسلمون التصريح علناً ضد المملكة. من جانب آخر تستعيض الهيئة عبر الوجود الإخواني الكبير فيها عن قطر، بالولاء شبه المطلق لتركيا.

محاولة استغلال غياب المستقبل

كان انتخاب مفتٍ جديد، وهو الشيخ عبد اللطيف دريان في عام 2014، دفعة قوية نحو تعزيز مؤسسة دار الفتوى، وقطع الطريق على مخطط هيئة علماء المسلمين للهيمنة على الشؤون الروحية للطائفة السنية. فضلاً عن ذلك، لا تسمح طبيعة المكون السنّي في لبنان بتمدد التيارات الدينية المتطرفة مثل الجماعة الإسلامية والسلفيين وغيرهم. كما أنّ تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، كان حائلاً أمام تمدد تلك التيارات.

البعض اعتبر الهيئة غطاءً لجمع الأموال

ومع انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية، وإعلان تجميد نشاط تياره السياسي، مطلع العام 2022، حاولت الهيئة استعادة دورها من المدخل السياسي. ويرى مراقبون بأنّ الهيئة في حد ذاتها ليست سوى أداة بيد الجماعة الإسلامية. وأشار الكاتب اللبناني عبد الكافي الصمد إلى ذلك، بقوله إنّ مصادر سنّية تتهم الهيئة بأنّها واجهة للجماعة الإسلامية التي تعمل على استغلالها لأهداف سياسيّة منها الهجوم على حزب الله مثلاً، وهو أمر لا تستطيع الجماعة القيام به مباشرة، أو تسويق نفسها في بعض دول الخليج العربي لتعذّر ذلك على الجماعة بسبب انضوائها تحت عباءة تنظيم الإخوان المسلمين. وأياً يكن من أمر، لم تفز الجماعة الإسلامية في الانتخابات النيابية التي جرت في العام 2022 سوى بمقعد واحد عن بيروت، كان من نصيب النائب عماد الحوت. مقعد واحد في ظل غياب تيار المستقبل، يعني أنّ الوجود الإخواني في لبنان لا شعبية له.

مواضيع ذات صلة:

الإخوان المسلمون: انقسامات جديدة في مصر وتواطؤ في ليبيا.. ماذا عن تونس واليمن؟

بعد أن تخلت عنهم تركيا وقطر... قيادات الإخوان يبحثون عن ملاذات جديدة

اليمن: جامعة تعز تحت حصار الإرهاب الإخواني




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية