لبنان.. هل اقتربت ساعة المصارف؟

لبنان.. هل اقتربت ساعة المصارف؟

لبنان.. هل اقتربت ساعة المصارف؟


18/02/2023

حازم الأمين

إذا كان من أحدٍ أوقح من الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان، فهم أصحاب المصارف اللبنانية. فهؤلاء قامروا بمدخرات ثلاثة أجيال من اللبنانيين، وسرقوا، عبر إطباقهم على ودائع أكثر من مليون لبناني، عشرات مليارات الدولارات، وهو أمر موثق، ولولا انعدام العدالة لكانوا اليوم في السجن. لقد ارتكبوا سرقة موصوفة، لا جدال قانونياً حولها، وخلال أكثر من 3 سنوات من بعد ارتكابهم السرقة كانوا كل يوم يخرقون قانون النقد والتسليف، عبر تمنعهم من تسديد ودائع الناس.

هذه المافيا اليوم بدأت عملية ابتزاز تحت شعار إقفال أبواب المصارف بوجه المودعين، للضغط بهدف تمرير قانون الـ"كابيتال كونترول"! وقاحة تفوقت عبرها المافيا على نفسها، فهذا القانون تمت هندسته لقوننة سرقتهم، وللحد من قدرة المودعين على مقاضاتهم. علماً أنهم هم أنفسهم، أي أصحاب المصارف، من منع في البداية إقرار هذا القانون لأنه كان يحد من قدرتهم على تحويل الودائع للخارج.

واليوم، وبعدما حولوا ما حولوه إلى الخارج لهم وللطبقة السياسية، قرروا أنه صار وقت الـ"كابيتال كونترول"! التحويلات التي قاموا بها في السنوات الثلاث الفائتة موثقة ولم يكلفوا أنفسهم تبريرها. وليد جنبلاط نفسه كان كشف عبر أحد مساعديه أنه حول مبالغ طائلة إلى الخارج في هذه الفترة، وكشفت تحقيقات صحفية عن تحويل لرياض سلامة عبر مصرف مروان خير الدين. اليوم وقد أنجزوا المهمة، يريدون "كابيتال كونترول" ليحد من قدرة المودعين على مقاضاتهم.

هذه ليست وقاحة، إنه فجور، وهو صادر عن شعور بأن بإمكانهم مواصلة السرقة التي بدأوها مع الهندسات المالية.

هناك حوالي مليون ونصف المليون لبناني وعربي سرقت ودائعهم، ولدينا في المقابل أقل من ألف مصرفي سرقوا الودائع! هذا يعني أن القانون، في حال أقر، سوف يكون لحساب أقل من 1 بالمئة وعلى حساب 99 بالمئة من الناس. والأهم أن القانون لحساب السارق وعلى حساب المسروق. هل شهد العالم تشريعاً على هذه الدرجة من الوقاحة والظلم والإجحاف. نعم في لبنان نشهد نقاشاً في البرلمان هدفه التمهيد والتشريع لعملية ظلم هائلة ولمصلحة ظالم يجمع العالم كله على حجم ارتكابته. 

اليوم سربت الإدارة الأميركية خبر عزمها معاقبة رياض سلامة، وبالأمس باشر قضاة في خمس دول أوروبية تحقيقاتهم بفساد المنظومة المصرفية اللبنانية، وكشف مصدر دبلوماسي أوروبي أن العام 2023 سيكون عام محاكمة رياض سلامة في أوروبا.

وفي هذا الوقت يشهد لبنان وقائع معاكسة. مشروع قانون لحماية المصارف من احتمالات المحاسبة القضائية، والمصارف صاحبة المصلحة في هذا القانون تجد في مجلس النواب قوى كبرى تساندها، كما تساندها منظومة إعلامية جرت رشوتها عبر الإعلانات، وعبر قروض وعبر رواتب دورية.

لكن لإقفال المصارف أبوابها وجها آخر. فإضراب المصارف اليوم هو ضد ضد القضاء. فالسبب المباشر للخطوة كان حكماً قضائياً بحق أحد المصارف يلزمه برد وديعة أحد زبائنه! القضاء أنصف مودعاً واحداً ولم ينصف مئات الآلاف غيره، وعلى رغم ذلك ارتأت المصارف معاقبته!

القضاء اللبناني الذي تولى حماية المصارف عبر صمته المديد على مخالفتها اليومية لقانون النقد والتسليف، لم تشفع له المصارف خطوة خجولة من نوع إنصاف مودع واحد من أصل أكثر من مليون مودع.

ربما حان الوقت ليطور المودعون معادلة "استيفاء الحق بالنفس"، بما أن المصارف أشهرت رغبتها بمنعنهم من اللجوء للقضاء. فالعدالة تتقدم على القانون، والأخير مهمته تحقيق العدالة، فإذا عجز، وجب على الناس البحث عن وسيلة ثانية لتحقيقها.

الناس في لبنان يختبرون كل يوم تنعم مجتمع المصارف بحياة البذخ، ويعانون عدم اكتراث الطبقة السياسية لما يعيشونه. هذا الاختناق مولد لاحتمالات انفجارات. ما شهدناه اليوم (الخميس) في شوارع بيروت من هجمات على المصارف وعلى منازل أصحابها هو أول الغيث، ذاك أن الانهيار المالي يشتغل على وقع الجشع المعلن لأصحاب المصارف، وعلى وقع الحماية السياسية التي تؤمنها المنظومة الحاكمة لهم.

الـ"كابيتل كونترول" تم صده عندما كان حاجة للمودعين، ويجري اليوم تمريره عندما صار حاجة لللمصارف. هذه المعادلة واضحة للجميع، والاختناق لن يبقى أسير صدور أصحابه.

عن "الحرة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية