لبنان: هل تنجح مبادرة جنبلاط في فكّ عقدة الفراغ الرئاسي؟

لبنان: هل تنجح مبادرة جنبلاط في فكّ عقدة الفراغ الرئاسي؟

لبنان: هل تنجح مبادرة جنبلاط في فكّ عقدة الفراغ الرئاسي؟


12/02/2023

حراك ملموس ابتدره رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، لفكّ عقدة الفراغ الرئاسي، بعد إخفاق مجلس النواب في جلسته الحادية عشرة في انتخاب رئيس للبلاد.

يبدو أنّ القوى السياسية سئمت من تكرار عقد جلسات لا يحظى فيها أحد بنصاب الثلثين في الجولة الأولى، دون قدرة على عقد جلسة ثانية بسبب فقدان النصاب القانوني، وهي ممارسة صارت أشبه بلعبة ينظمها فريق 8 آذار الذي لم يطرح مرشحه بعد. وأنتجت تلك الممارسة المعتادة خلافاً كبيراً بين فريق 8 آذار (حزب الله والتيار الوطني الحرّ وحركة أمل وآخرين) وفريق السياديين (حزب القوات والاشتراكي والكتائب وآخرين) حول تفسير المادة (49) من الدستور، التي تحدد النصاب القانوني لعقد جلسات انتخاب الرئيس. يرى الفريق الأول أنّ نصاب الثلثين ملزم في كل الجلسات، بينما يرى الفريق الثاني أنّ الثلثين نصاب الجلسة الأولى، وتستمر الجلسات دون الحاجة لنصاب الثلثين، على أنّ ينتخب الرئيس بأغلبية الحضور. وبعيداً عن تلك النقطة لا يملك أي الفريقين أصوات النصف زائد واحد لأي من مرشحيهم المعلنين وغير المعلنين.

تحريك المياه الراكدة

وخلال الأيام الماضية، تحدث الإعلام اللبناني عن تحركات واسعة لحلحلة أزمة الفراغ الرئاسي،  بمبادرة من وليد جنبلاط وبدعم قويٍ من رئيس مجلس النواب، ورئيس حركة أمل، نبيه بري. وكان جنبلاط التقى عدة مرات وفداً من قيادات حزب الله، للتباحث في ملف التعطيل الرئاسي.

يقول الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، شادي سرايا، بأنّه بعد الشرخ العمودي الذي شهدته السياسة اللبنانية بين الفريقين؛ السيادي والممانع، يحاول جنبلاط قدر الإمكان جمع الفرقاء حول هدف واحد، وهو انتخاب رئيس غير محسوبٍ على الطرفين، ويحظى برضاهما.

د. رامي فنج: الخارج ينتظر اتفاق الداخل

ويدعم حزب القوات اللبنانية المرشح ميشال معوض، ويعتبر القوات الحزب المسيحي الأكبر، بكتلة نيابية (20) مقعداً، متقدماً بفارق مقعدين عن منافسه التيار الوطني الحرّ (18) مقعداً، واستطاع القوات تأمين (34) صوتاً لمرشحه معوض في الجلسة الأخيرة للنواب، مقابل (37) ورقة بيضاء لفريق 8 آذار.

وليس خفياً أنّ حزب الله لن يقبل بميشال معوض رئيساً للبلاد، وبسؤاله عن موقف القوات من رئيس توافقي، أجاب رئيس دائرة إعلام الأجهزة والانتشار في حزب القوات اللبنانية، ميشال الشمّاعي، بأنّ القوات لا يتمسك باسم من حيث الاسم، إنما بمواصفات يجب أنّ تتوفر لمتطلبات المرحلة المقبلة.

من جانبه، أوضح السياسي اللبناني، عضو جمعية الحراك المدني في طرابلس، رامي فنج، بأنّ الخارج ينتظر اتفاق الداخل، بينما الأخير في تخبط تام، وهذا يدل على عدم قدرة السلطة الحاكمة الحالية على النجاح في الإدارة السياسية.

السفير السعودي في بيروت وليد البخاري قام بزيارة إلى قائد الجيش جوزيف عون وهي الخطوة التي عدها مراقبون ضوءاً أخضر من السعودية بشأن ترشحه

وعقب لقائه نبيه بري، صرح جنبلاط بأنّ "التوافق السياسي يعطي أملاً بانتخاب رئيس للجمهورية"، متحدثاً عن ضرورة إحداث "اختراقات في الحواجز القائمة للوصول لتحقيق الانتخابات الرئاسية بشكل فعلي".

وقال لـ"حفريات" الكاتب شادي سرايا، بأنّ الخوف عند جنبلاط هو الوضع الاقتصادي المتدهور، ولبنان لا يحمل سنتين فراغ مثل وقت انتخاب ميشال عون، لهذا كان التنسيق بين بري وجنبلاط، فهما أكبر لاعبين سياسيين. وأشار إلى أنّ بري بمثابة صمام أمان لتصعيد حزب الله، وكذلك جنبلاط صديق بري، وهو من السياديين، ويسعى لانتخاب رئيس متفق عليه، وتشكيل حكومة إصلاحية تتفق مع صندوق النقد، وتلبي متطلبات الإنقاذ.

وتعليقاً على جهود جنبلاط، قال رئيس دائرة إعلام الأجهزة والانتشار في حزب القوات اللبنانية، ميشال الشمّاعي، بأنّ القوات يكنّ كل الاحترام لمعوض، ويدعمه حتى الرمق الأخير، لكن إذا وُجد مرشح آخر بالمواصفات السيادية الإنقاذية الإصلاحية، ويستطيع تحصيل أصوات أكثر سندعمه، وهذا يشاركنا فيه ميشال معوض نفسه.

أسماء توافقية

ويختلف مفهوم التوافق في الانتخابات الحالية عن السابق، حيث يشدد المعسكر السيادي على ضرورة تحقيق مواصفات الحياد والإصلاح في الرئيس المقبل، كما أنّ مراقبين كثراً يرون حزب الله غير قادر أو متحمس لرئيس محسوب عليه بالكامل، في ظل الانهيار الاقتصادي الكبير في البلاد، وتوقف الدعم الدولي على رئيس يتبع نهج الحياد والإصلاح.

بدوره يوضح السياسي رامي فنج لـ"حفريات" بأنّ حزب الله لا يزال على حذره من طرح مرشحه علناً، مدركاً خطورة الوضع. وتابع بأنّ النظرة تشاؤمية، ما لم يتم التوافق على اسم من خارج الأسماء المطروحة في الدقائق الأخيرة، كجهاد أزعور أو زياد بارود أو ربما ترايسي شمعون، التي تلقى دعماً من الفاتيكان. ونوه بأنّ السعي لتكون سلة حلّ رئاسي - حكومي تعقد الأمور لا تذلل صعوبتها.

د. ميشال الشمّاعي: فرنجية لا يحقق شروط حزب القوات كرئيس للبلاد

وحول الأسماء التي يطرحها جنبلاط على الفرقاء، ذكر الكاتب شادي سرايا، بأنّ ميشال عوض لابد أنّ يدرك ألا حظوظ له، كما أنّ جنبلاط دعمه في جميع الجلسات. وأشار إلى اسمين مطروحين للتوافق، وهما؛ سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزيف عون، والأخير أوفر حظاً.

وأفاد بأنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، طرح اسم العماد جوزيف عون بجانب اسمي صلاح حنين وجهاد أزعور على وفد حزب الله، حتى يتم انتقاء اسم من الثلاثة، المتوافق عليهم من السياديين والممانعة.

المسؤول القواتي ميشال الشمّاعي لـ"حفريات" حول ترشح قائد الجيش للرئاسة: إذا توفر أي اتفاق مع اللبنانيين السياديين الأحرار حوله لا مانع عند القوات بالسير فيه

من جانبه، شدد المسؤول القواتي، ميشال الشمّاعي، على أنّ سليمان فرنجية لا يحقق شروط حزب القوات كرئيس للبلاد. وفرّق في حديثه بين الموقف من فرنجيه كشخص وعلى صعيد مناطقي، والموقف السياسي، موضحاً أنه لا مانع في العلاقات المناطقية معه، لكن سياسياً هو يعلن عن انتمائه إلى المحور السوري الإيراني، ولهذا "لسنا في خلاف معه بالقاعدة الشخصية بل مع المشروع الذي ينتمي إليه".

حظوظ جوزيف عون

وحول موقف القوات من قائد الجيش كمرشح رئاسي، بين أنّ القوات وعلى لسان رئيسها سمير جعجع، تكن كل الاحترام لشخص العماد جوزيف عون، لأنّه مارس وظيفته بمهنية واحترافية، وحافظ على قيادة الجيش بعيداً عن التدخلات، ولم يرضخ لطلبات القوى السياسية التي رشحته للمنصب، لهذا انقلبت عليه كما في حالة التيار الوطني الحر.

وأضاف المسؤول القواتي، بأنّ حزبه يضع ترشيح عون بالمكان نفسه لمسألة أي مرشح آخر؛ إذا توفر أي اتفاق مع اللبنانيين السياديين الأحرار حوله، لا مانع عند القوات بالسير به.

بخلاف ذلك، يرى السياسي رامي فنج، ويقول بأنّ القوى السياسية ربما تنظر إلى قائد الجيش كاسم توافقي، لكن ربما لا يكون الحل المناسب في هذه المرحلة؛ لكونها الأكثر تعقيداً في تاريخ لبنان، في ظل الانهيار الاقتصادي والاشتباك الغير مسبوق في الجسم القضائي، خاصة أنّ التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ينذر بانفجار سياسي أمني، لا قدر الله.

د. شاي سرايا: الخوف عند جنبلاط هو الوضع الاقتصادي المتدهور

وعن المواقف الخارجية، أوضح أنّ المؤشرات غير مشجعة سواء في اللقاء الخماسي (فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، قطر، ومصر) في باريس، والاجتماعات التي عقدها عددٌ من النواب مع مسؤولين أمريكيين في واشنطن، في ظل مطالبة نواب الكونغرس الجمهوريين بوقف المساعدات إلى الجيش اللبناني.

وكان السفير السعودي في بيروت وليد البخاري قام بزيارة إلى قائد الجيش جوزيف عون، وهي الخطوة التي عدها مراقبون ضوءاً أخضر من السعودية بشأن ترشحه، فضلاً عن العلاقات الوطيدة بين الرجل وقطر، التي قدمت جزءاً من رواتب أفراد الجيش لمدة ستة أشهر بالدولار، فضلاً عن مساعدات أخرى.

وفي سياق متصل، زار وفد كويتي برئاسة القائم بأعمال سفارة الكويت، عبدالله سليمان الشاهين، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهي الزيارة التي أولاها مراقبون أهميةً، في ظل توسط الكويت لحل الأزمة اللبنانية الخليجية التي نتجت بناءً على تصريحات وزير الإعلام السابق، جورج قرداحي.

وارتباطاً بذلك، قال السياسي رامي فنج، بأنّ الفريق الداخلي اللبناني المتوافق على ترشيح سليمان فرنجية يتقدم بخجل دون الوصول إلى العدد المطلوب لأكثرية تنتخبه. وذكر أنّ العرض الذي قدمه نبيه بري إلى جبران باسيل لم يلقَ رداً إيجابياً من قبل الأخير، الأمر الذي يجعل من الصعب المضي باسم فرنجية.

وفي إطار جهود البطريرك الماروني، مار بشارة الراعي، في ملف الرئاسة، دعا الأخير الأحزاب المسيحية إلى اجتماع، سيُحدد موعده بعد الاتفاق على جدول الأعمال. وكان الراعي حذر في أكثر من مناسبة من مخاطر تمس الوجود المسيحي وخاصة المناصب المارونية على خلفية أزمة انتخاب الرئيس، وهي التصريحات التي تكشف عن مخاوف واسعة تتهدد لبنان في ظل حالة الجمود السياسي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية