لماذا أوقفت روسيا باخرة نفط متجهة إلى دمشق؟

لماذا أوقفت روسيا باخرة نفط متجهة إلى دمشق؟


21/10/2020

ما تناقلته وسائل إعلام متعددة، عن أنّ روسيا أوقفت باخرة نفط تابعة لأحد رجال الأعمال السوريين، كانت متجهة إلى دمشق، من أجل تخفيف أزمة الوقود التي تعانيها البلاد، يحمل مؤشرات عديدة، ويطرح أسئلة كثيرة عن استمرار العلاقة الرعائية الوثيقة بين موسكو ودمشق، وأيضاً عن كون الحادث أمراً عادياً، أم هو بمثابة بداية انفراط عقد الصبر الروسي على نظام بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: لماذا يعاقب الاتحاد الأوروبي روسيا ويغمض عينيه عن تركيا؟

وكانت نقلت قناة "الحرة" عن مصادر في المعارضة السورية تحدثت عن ثلاثة أسباب مختلفة لإيقاف الباخرة: أولها يتعلق بأمور مالية وغرامات فأوقفتها السلطات الروسية، وثانيها، ضغوط على نظام الأسد من أجل توقيع اتفاقيات اقتصادية مع روسيا، وثالثها الضغط لتحقيق التقدم في العملية السياسية واللجنة الدستورية.

وذكرت وسائل إعلام محلية سورية أنّ الأسد أجرى، قبل أيام، تغييرات في شركات الفوسفات والغاز، والتي كانت روسيا قائمة على استثمارها. وتحدثت مصادر عن أنّ النظام أجرى تعديلات في مؤسساته لعرقلة الاتفاقات الاقتصادية مع روسيا كرد على رفض المساعدة.

وذكرت وسائل إعلام معارضة، كما أفاد موقع "المدن" أنّ الأسد اتخذ هذا القرار "عقب فشله في الحصول من روسيا على القرض المطلوب أو الخط الائتماني اللازم لشراء القمح والمواد الأساسية التي يحتاجها قاطنو مناطق سيطرته".

تاريخ الأزمة

وبحسب مصادر من المعارضة السوريّة، تعود هذه الأزمة إلى السادس من الشهر الجاري. وحينها ذكرت وكالة أنباء (سانا)، أنّ وفداً حكومياً سورياً يزور روسيا لبحث آليات تمويل مشاريع يضمن تخفيف الآثار السلبيّة الاقتصاديّة في سوريا.

شكك مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، في الخلاف بين روسيا وسوريا، معتبراً أنّ النظام السوري لا يستطيع رفض أي شيء تأمر به روسيا

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، قال بشار الأسد، إنه يريد زيادة الاستثمارات الروسيّة لمساعدة بلاده على تحمل العقوبات الأمريكيّة الجديدة المفروضة على الاقتصاد السوري المتعثر بالفعل، والتي تهدد بتقويض مكاسب عسكريّة تحققت بمساعدة موسكو.

لكن يبدو أن زيارة وفد النظام السوري إلى موسكو فشلت في تحصيل أي دعم لوقف الانهيار الاقتصادي بالبلاد، حسبما تُظهر المؤشرات.

ومقابل حديث وفد النظام عن تأمين المواد الأساسيّة في السوق السوريّة، لم تقدم موسكو شيئاً، بل على العكس طلبت أن يتعاون النظام في إنجاح اللجنة الدستوريّة التي يعرقلها الأسد، حسبما قال الأكاديمي والكاتب السوري، غسان إبراهيم لموقع "الحرة".

تشكيل اللجنة الدستوريّة

ويعد تشكيل اللجنة الدستوريّة مهماً للإصلاحات السياسيّة، وإجراء انتخابات جديدة، تهدف لتوحيد سوريا، وإنهاء الحرب المستعرة منذ عشرة أعوام والتي أودت بحياة مئات الآلاف، وشردت نحو نصف سكان سوريا.

ويعتقد إبراهيم أنّ "النظام ردّ على عدم الدعم الروسي بعرقلة اتفاقيات سابقة معها تتعلق بالفوسفات ومشاريع أخرى ذات صلة بالموارد الطبيعيّة السوريّة"، حيث قام نظام الأسد بـ"تعديلات في مؤسساته لعرقلة الاتفاقات الاقتصاديّة مع روسيا، كرد على رفض المساعدة".

وبحسب إبراهيم، فإنّ هذه المؤشرات تقول إنّ "روسيا منعت مغادرة الباخرة، بحجة الاستحقاقات المالية، كرد على تصرفات النظام".

اقرأ أيضاً: كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

ويعتقد أنّ ممول الباخرة هو رجل الأعمال السوري، المقرب من الأسد، أحمد الكزبري، حسبما تردد على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلاميّة معارضة.

والكزبري هو رئيس وفد النظام السوري إلى جنيف لمناقشة اللجنة الدستوريّة، كما أنه برلماني ويعمل بالمحاماة.

من جهته، شكك مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن، في أن يكون ثمة خلاف بين روسيا وسوريا، قائلاً: "النظام السوري لا يستطيع رفض أي شيء تأمر به روسيا. هذا الخلاف في الإعلام فقط".

الأكاديمي غسان إبراهيم: الروس يصعّدون ضمن إطار محدد، ويدرسون ضغوطاتهم على الأسد بذكاء، بطريقة لا تسمح له بالهرب نحو المعسكر الإيراني

ويعلق الأكاديمي غسان إبراهيم، بقوله: "من يعرف النظام السوري يفهم تصرفاته. هو نظام هش ويعلم أنّ أي التزام، حتى مع حلفائه الروس، سيؤدي إلى تغيير في بنية النظام. وأي تغيير بسيط في بنية النظام ستؤدي إلى انفراط التركيبة الهجينة وبالتالي انهيار داخلي".

وتابع "لذلك يرفض النظام أي تغيير مهما كان. ويريد هو أن يفصل الحل على مقاسه. وليس كما ترغب الأمم المتحدة، وفق الوصفة الروسية".

وأردف: "الأسد يرفض تغيير الدستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف دولي، وإقامة دولة لا مركزية، الأمر الذي يتعارض مع رغبة روسيا".

وتمكن الأسد، بمساعدة القوة الجوية الروسية الضخمة وميليشيات مدعومة من إيران، من استرداد معظم الأراضي التي خسرها في الصراع المستمر منذ نحو عشرة أعوام.

مشكلة روسيا في سوريا هي إيران

ويرى إبراهيم أنّ مشكلة روسيا في سوريا هي إيران، "فكلما زاد الضغط على النظام كلما اقترب من الإيرانيين".

وعن احتمالية التصعيد الروسي ضد الأسد في الأيام المقبلة، قال: "الروس يصعّدون ضمن إطار محدد، ويدرسون ضغوطاتهم على الأسد بذكاء، بطريقة لا تسمح له بالهرب نحو المعسكر الإيراني".

واستبعد أي تصعيد قبل الانتخابات الأمريكية والتنسيق مع الولايات المتحدة على مستقبل الحل، "قبل ذلك سيكون التصعيد الروسي محدود على النظام".

ورغم عدم قدرة النظام السوري على مقارعة الرجل القوي في الكرملين، فإنّ بعض التحليلات تقرّ بأنّ روسيا باتت منزعجة من النظام السوري، وأنها بدأت تتخلى عنه وتسحب الثقة منه بصفة تدريجية، خاصة بعد كل ما قيل عن اتهامات موسكو للنظام السوري بالتورط في الفساد.

اقرأ أيضاً: الهجمات الكيميائية بسوريا.. أمريكا تواصل اتهام روسيا بتضليل العالم

لكن صحيفة "العرب" تشير إلى حدث يخالف تلك التوقعات، بعدما عين الرئيس فلاديمير بوتين، سفير روسيا لدى دمشق ألكسندر يفيموف مبعوثاً خاصاً له لتطوير العلاقات مع سوريا، وكذلك إصدار مرسوم يطالب فيه نظام الأسد بمنشآت جديدة تثير الجدل حول العلاقة الحقيقية بين الطرفين.

وتأتي هذه التطورات بعد كل ما ورد من إجماع لدى الخبراء الروس بأنّ قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي، سينقل العقوبات الأمريكية إلى مستوى جديد؛ لأنه سيلاحق المتعاونين مع النظام السوري مثل روسيا وإيران.

هل تتخلص روسيا من حليفها؟

في غضون ذلك، تتفق تحليلات بعض مراكز الدراسات على حقيقة أنه بعد خمس سنوات من القتال من أجل الحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا، يبدو أنّ روسيا تميل الآن إلى التخلص من حليفها، بعد أن ازداد إمعاناً في الوحشية والفساد، وبعد أن أثبت عدم قدرته على التظاهر بإقامة دولة جادة، مما حوله إلى عبء تفضل موسكو التخلص منه.

اقرأ أيضاً: ماذا قال البرلمان الروسي عن المواجهة العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا؟

وفي هذا الصدد قال الباحث جيريمي هودج في مقال بموقع "ذي ديلي بيست" ‏الأمريكي، إنّ "ما تسعى إليه موسكو من إعادة تأهيل نظام الأسد كرمزٍ للاستقرار قادرٍ على جذب مئات المليارات من الدولارات التي تستعد الشركات الروسية لاستقبالها، في إطار إعادة الإعمار، لن يكون ممكناً بسبب عمل أقارب الأسد كمافيا، ودعمهم للقوات الإيرانية، مما يمنع وصول الأموال من الدول الأوروبية والخليجية التي ينتظر منها دفع فاتورة إعادة إعمار سوريا".

وأشار الكاتب إلى ما أشيع عن أنّ موسكو تدرس خيارات أخرى غير الأسد لحكم سوريا، إذ قالت وكالة "تاس" في افتتاحية لها إنّ "روسيا تعتقد أنّ الأسد لم يعد قادراً على قيادة البلاد بعد الآن، وأنه يجرّ موسكو نحو السيناريو الأفغاني".

ماذا يقول المحلل العسكري السوري كمال علام؟

لكنّ كمال علام، المحلل العسكري السوري المتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للشرق الأوسط، يقول إنه قد اتضح أنّ التقييمات المبكرة حول فشل ونهاية الأسد لا أساس لها من الصحة، وبعيدة عن أي تفهم للحقائق الأساسية.

اقرأ أيضاً: هل تستغل روسيا الانتخابات الأمريكية وتفرض حلولها في سوريا؟

ويضيف علام، الذي يحاضر في كليات عسكرية في الشرق الأوسط، وباكستان، وبريطانيا، في تقرير له نشرته مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية أنّ نفس من تكهنوا بنهاية بشار الأسد من محللين ووسائل إعلام يتحدثون الآن بصخب عن كيف أنّ روسيا سئمت الأسد، وأنّ الخلاف مع أغنى رجل في سوريا وهو رامي مخلوف دليل على النهاية. وفي حقيقة الأمر، كانت روسيا في كل مرة في تاريخ سوريا حتى قبل تولي عائلة الأسد الحكم تدعم العسكريين ليتولوا زمام الأمور في البلاد. ومع تركيز الأسد على الاستقرار الاقتصادي بالنسبة لسوريا التي تعاني من عجز مالي، يقوم الروس بالتفكير في طرق لتدعيم مكاسبهم العسكرية أيضاً في المجالين السياسي والاقتصادي.

ويقول علام إنّ الحديث عن وجود خلاف روسي مع دمشق أو شعور بالإحباط إزاءها يتجاهل أساسا الدور التاريخي لروسيا في سوريا، وهو تاريخ يسبق تولي فلاديمير بوتين الرئاسة ويمثل استمراراً لأكثر من ستين عاماً من المشاركة الدائمة في الشؤون العسكرية السورية.

ويرى أنّ الجيش السوري والمخابرات السورية يفضلان العمل مع الروس، الذين ينظر إليهم على نطاق واسع على أنهم يدعمون مؤسسات الدولة، ولهم تاريخ في دعم سوريا في حروبها الإقليمية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية