لماذا تحظى الانتخابات التركية بكل هذا الاهتمام العربي؟

لماذا تحظى الانتخابات التركية بكل هذا الاهتمام العربي؟

لماذا تحظى الانتخابات التركية بكل هذا الاهتمام العربي؟


13/05/2023

علي حمادة

لم تخطئ مجلة "الإيكونوميست" البريطانية العريقة عندما أصدرت عددها الأخير وعلى الغلاف عبارة "الانتخابات الأهم سنة 2023"!. كان القصد من هذا الغلاف أن يحمل موقف المجلة المعارض لحكم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان و"حزب العدالة والتنمية " الإسلامي الذي يتزعمه، وان تكون صدارته مقالة افتتاحية ومعها قسم خصص للانتخابات التركية، وان تدعو المجلة الى اسقاط اردوغان المصنف أتوقراطيا إسلامياً متحالفا مع مجموعة من الاتوقراطيين في العالم أولهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية ستكون هذه المرة مهمة للغاية ليس للمنطقة وحدها، وانما ستنجم عنها تداعيات على أوروبا وآسيا لاعوام مقبلة. كان موقف المجلة البريطانية معبراً كونها تمثل موقفاً غربياً شبه عارم. وقد لاقتها في هذا الموقف حتى من خلال التغطيات الميدانية، معظم وسائل الاعلام الأوروبية والأميركية التي ذهب بعضها الى حد ذم الرئيس التركي بشكل علني. وقد دلت الحماسة الإعلامية المعارضة لأردوغان وحزبه على أهمية الانتخابات التركية و محوريتها، حيث انها استقطبت كل هذه الأضواء. 

في العالم العربي اهتمام مماثل، لا بل انه اهتمام المنطقة الأقرب الى تركيا، وهي الأكثر تأثرا بما سيحصل فيها يوم الاحد المقبل. فحجم تركيا، والأدوار التي لعبها حكم اردوغان وحزبه على مدى اكثر من عقدين في الإقليم جعلا من هذه الانتخابات تبدو الأكثر خطرا على حكم اردوغان من أي مرة سابقة. فقد ينتهي نهار الاحد المقبل، ويسقط معه حكم الرئيس أردوغان و "حزب العدالة و التنمية" مما يعني ان يوم الاثنين المقبل سيكون يوما جديدا ومختلفا في الإقليم بأسره، مع التغيير الذي يمكن ان يحصل في احدى القوى الاقليمية الكبرى. وستتجاوز ترددات حدث كهذا ان حصل، الحدود التركية الى سوريا، العراق، لبنان، ليبيا، مصر،غزة، وقطر. ومن ناحية أخرى سيكون له ترددات على الضفة المقابلة من البحر الأسود في روسيا وأوكرانيا، وصولا الى القوقاز وآسيا الوسطى. بالنسبة الى العرب ثمة اهتمام بمصير الدور التركي الذي تعاظم خارج الحدود مع مشروع العثمانية الجديدة الذي حمله اردوغان، وهو في مكان ما مشروع  يهدف الى توسيع دائرة نفوذ تركيا في ما يسمى مداها الحيوي التي يشكل عدد من الكيانات العربية مسرحها الأقرب. فسقوط الرئيس اردوغان، إن تم يوم الاحد أو في الدورة  الثانية يوم  28 أيار (مايو) المقبل سيقلب السياسة الخارجية التركية رأسا على عقب، وسيعيد خلط الأوراق في المنطقة على قاعدة هذا التغيير المؤثر في الإقليم. فبين حكم أردوغان وحزبه وحكم  ائتلاف أحزاب "الطاولة السداسية " ستحصل تحولات في العلاقات مع الدول العربية، بدءاً من تراجع تحالفات، وتقدم تحالفات أخرى. سيحتفل بعض العرب بسقوط  اردوغان، وسيخسر البعض الآخر رهاناً قام على علاقات تحالفية في الإقليم وعدد آخر من المسارح. 

لا يمكن للانتخابات التركية الحالية وأيا تكن نتائجها إلا ان تحظى بهذا القدر من الاهتمام العربي السياسي والإعلامي لآنها اول انتخابات يخوضها الرئيس آردوغان من دون ان يحسم انتصاره فيها سلفاً. طبعاً هناك سيناريوهات عدة لما بعد يوم الاحد المقبل. قد يربح اردوغان الانتخابات الرئاسية  ويخسر حزبه الأكثرية المطلقة في البرلمان، فيدخل في حكم اكثر صعوبة من قبل، لكنه سيحتفظ بهوامش كبيرة في السلطة. وقد يربح الرئاسة ويخسر البرلمان بشكل كامل، وهنا سيتعرض حكمه لتحديات يومية متصاعدة من برلمان يمكن ان يحاول تعطيل الدستور الذي وضعه عام 2017. وقد يخسر اردوغان الرئاسة ويربح حزبه البرلمان وهنا ضربة كبيرة جداً لان قوة "حزب العدالة و التنمية " هي من قوة شخصية أردوغان الذي يمكن اعتباره من حلفائه وخصومه على حد سواء، بأنه بعد مؤسس تركيا الحديثة كمال تاتورك، هو اكبر الشخصيات التي طبعت تاريخ تركيا الحديث. و قد يخسر اردوغان وحزبه كلا الرئاسة  والبرلمان، وهنا الانقلاب التام في الحياة السياسية التركية وفي سياستها الخارجية. 

هناك سيناريوهات عدة، وتقديرنا أن الانتخابات التركية ستخرج هذه المرة بنتائج متقاربة الى حد بعيد، و يمكن ان يحصل نوع من التوازن الدقيق قائم على اردوغان في الرئاسة  وتشتت لقوى في البرلمان بين "حزب العدالة و التنمية " من جهة و تحالف أحزاب  "الطاولة  السداسية ". وفي في هذه الحالة يمكن توقع تحولات محدودة في السياسة الخارجية التركية مع تراجع قبضة اردوغان على اي تركيبة حكومية ائتلافية محتملة. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية