لماذا تريد الدول الانضمام إلى «البريكس»؟

لماذا تريد الدول الانضمام إلى «البريكس»؟

لماذا تريد الدول الانضمام إلى «البريكس»؟


07/09/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

انطلقت قمّة مجموعة «البريكس»، التي تضمّ البرازيل، وروسيا، والهند، والصّين، وجنوب أفريقيا. وقد حضر الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، القمّة عبر رابط فيديو لأنّ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة، التي تُعدّ جنوب أفريقيا عضواً بها، أصدرت مذكّرة اعتقال بحقّه، لكنّه ساعد في تحديد نغمة القمّة بخطابه، قائلاً: «نتعاون على مبادئ المساواة، والشّراكة، والدّعم، واحترام مصالح بعضنا البعض. هذا هو جوهر المسار الاستراتيجيّ الموجّه نحو المستقبل لمجموعتنا، وهو المسار الذي يُلبّي تطلّعات الجزء الرّئيس من المجتمع العالميّ - ما يُسمّى الأغلبيّة العالميّة».

وتمثّل المجموعة بالفعل أربعين في المائة من سُكّان العالم وستة وعشرين في المائة من النّاتج المحلّيّ الإجماليّ العالميّ، لكن أحد موضوعات المناقشة الرّئيسة في القمّة هو السّماح لأعضاء جدد بالانضمام. دعا رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، إلى «توسيع وتعميق» مجموعة «البريكس»، التي قال إنّها يجب أن تكون «منفتحة وشاملة»، في حين قال نظيره الصّينيّ، شي جين بينغ، إنّ التّوسّع «سيعزّز صوت البلدان النّامية».

عُملة احتياطيّة

لقد تراجعت فكرة إطلاق عُملة احتياطيّة مشتركة جديدة في الوقت الحاليّ، وسيكون التّركيز على زيادة التّجارة بالعملات المحلّيّة الخمس للحصول على قدر أكبر من الاستقلال عن الدّولار الأمريكيّ في المستقبل القريب. لكن هناك ضجّة لا يمكن إنكارها بشأن اجتماع هذا العام ــ القمّة الخامسة عشر لرؤساء الدّول والحكومات. دعت جنوب أفريقيا أكثر من ثلاثين زعيماً أفريقيّاً للحضور، في حين يقول المضيفون إنّ أكثر من أربعين دولة، بما في ذلك الإمارات العربيّة المتّحدة، والمملكة العربيّة السّعوديّة، وإيران، ونيجيريا، والأرجنتين، ومصر، وإندونيسيا، مهتمّة بالانضمام إلى مجموعة «البريكس» في صيغتها الموسّعة.

المندوبون يسيرون أمام شعارات قمة البريكس في مركز ساندتون للمؤتمرات في جوهانسبرغ في 23 آب/أغسطس

وعلى الرّغم من المستقبل الذي يبدو بالغ الأهميّة، فقد كانت هناك انتقادات كثيرة حتّى قبل بدء القمّة. كانت إحدى الحُجج أنّ الهند والصّين لديهما الكثير من المشكلات بينهما، ممّا يُعيق تقدُّم «البريكس». نُقل عن جيم أونيل، الاقتصاديّ السّابق في بنك غولدمان ساكس الذي صاغ الاختصار «بريك» (جاء حرف «س» لاحقاً) في عام 2001، والذي يبدو أحياناً وكأنّه يأسف لأنّ المجموعة حقّقت حياة خاصّة بها، قوله إنّ فكرة تحقيق المجموعة لاتّحاد نقديّ في يوم من الأيّام «سخيفة». وزعمت مجلة «الإيكونوميست» أنّ الكتلة «تمزّقها التّوترات»، وأنّها «مُخيّبة للآمال»، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز، بينما قال آخرون إنّها لن تكون قادرة أبداً على أن تصبح تحالفاً مثل حلف شمال الأطلسيّ أو كونفدراليّة مثل الاتّحاد الأوروبيّ.

الجنوب العالمي

لا يمكن للمرء إلّا أن يُخمّن سبب حرص العديد من النّقاد الغربيّين على إنفاق الكثير من الطّاقة في انتقاد منظّمة يزعمون أنّهم لا يرونها كلاعب مهم، في الوقت الحاضر أو في المستقبل. هل يمكن أن يكون هذا مجرّد تفكير بالتّمنّي، بالنّظر إلى أن مجموعة «البريكس»، إذا عُزّزت بالمزيد من الدّول، ستمثّل جزءاً كبيراً من الجنوب العالميّ؟

يصف الموقع الإلكتروني «للبريكس» المجموعة بأنّ هدفها لا يقتصر على خدمة المصالح المشتركة لاقتصادات الأسواق الناشئة بل وأيضاً بناء عالم متناغم ينعم بالسلام

في كلتا الحالتين، أعتقد أنّهم يرتكبون ما يسمّيه الفلاسفة «مغالطة منطقيّة». قد لا تكون مجموعة «بريكس»، حتّى إذا عُزّزت بالمزيد من الدّول، أبداً مثل الاتّحاد الأوروبيّ أو حلف شمال الأطلسيّ ــ لكن لا أحد تقريباً يقترح أن تكون كذلك. على أيّ حال، لماذا ينبغي اعتبار أيّ من المنظّمتين مثالاً يُحتذَى به؟ إنّ الاتّحاد الأوروبيّ يعاني عجزاً ديمقراطيّاً حادّاً وتوتّرات هائلة بين المؤمنين المتشدّدين بـ«اتّحاد متزايد التّقارب» والدّول العازمة على الدّفاع عن سيادتها. ومن ناحية أخرى، يعتقد كثيرون أنّ حلف شمال الأطلسيّ كان ينبغي له أن يُغلق أبوابه بعد نهاية الحرب الباردة، بعد أن أُنجِزَت مهمّته، وأنّ تقدّمه المتهوّر نحو الشّرق كان عاملاً مساهماً في الحرب الكارثيّة في أوكرانيا.

ويصف الموقع الإلكترونيّ «للبريكس» المجموعة بأنّها «مجموعة غير رسميّة من الدّول» لا يقتصر هدفها على خدمة «المصالح المشتركة لاقتصادات الأسواق النّاشئة والدّول النّامية فحسب، بل وأيضاً بناء عالم متناغم ينعم بالسّلام الدّائم والازدهار المشترك». إنّ القوّة الاقتصاديّة المتنامية لهذه الدّول ومواردها الطّبيعيّة الوفيرة وعدد سكّانها الكبير أشياء تجعلها واحدة من القوى الدّافعة الرّئيسة للتّنمية الاقتصاديّة العالميّة، واجتماعها معاً كمجموعة هو بمثابة بيان لهذه الحقيقة للعالم.

قد تكون هناك وجهات نظر مختلفة حول اتّجاه المجموعة على المدى الطّويل، ولكن في حين أنّ «البريكس» قد تكون بديلاً للغرب، فإنّ الأصوات الرّائدة توضّح أنّ المجموعة ليست مناهضة للغرب ولا ينبغي لها أن تكون مناهضة للغرب. قال الرّئيس البرازيليّ، لولا دا سيلفا، في اليوم الأوّل من القمّة: «لا نريد أن نكون بديلاً لمجموعة السّبع، أو مجموعة العشرين، أو الولايات المتّحدة. نريد فقط تنظيم أنفسنا».

الرؤساء البرازيلي والصيني والجنوب أفريقي ورئيس الوزراء الهندي ووزير الخارجية الروسي في قمة البريكس

ويبدو أنّ الانتقاد الآخر هو أنّ «البريكس» في الواقع شكل آخر من حلف شمال الأطلسيّ - حيث تُعرّف في ماليزيا وسنغافورة على أنها مجموعة «لا عمل، كلام فقط». إذا كان هذا سبباً لرفض المجموعة، فمن الأفضل أن نتخلّى جميعاً عن الذّهاب إلى المؤتمرات. معظم المؤتمرات التي حضرتها لم تُسفِر سوى عن القليل من الأفعال، وكان هدفها الرّئيس هو زيادة الفهم والمعرفة المشتركين والتّواصل بين النّاس.

خطط عمل وأولويّات

هذه بالتّأكيد غايات في حدّ ذاتها. لكن، بالطّبع، ليس صحيحاً أن قِمَم «البريكس» لا تُنتج شيئاً. لقد أسفرت هذه الاجتماعات عن خطط عمل وأولويّات متّفق عليها، وسلسلة من الاستراتيجيّات، وخرائط الطّريق، والاتّفاقيّات المتعلّقة بالتّجارة، والشّراكات الاقتصاديّة، والاستثمار، وإنشاء بنك التّنمية الجديد ومقرّه في مدينة شنغهاي الصّينيّة. وخلال أكثر من عقدين من الزّمن منذ طرح أونيل مصطلح «بريك»، ارتفعت حصّة هذه البلدان في النّاتج المحلّيّ الإجماليّ العالميّ من ثمانية في المائة إلى ستة وعشرين في المائة - وهذا لا يرتبط بالضّرورة بإنشاء المجموعة في عام 2009، ربما، ولكن الرّقم يمثّل أهميّة هذه الدّول وثقلها.

الرئيس البرازيلي في القمة: لا نريد أن نكون بديلاً لمجموعة السبع، أو مجموعة العشرين، أو الولايات المتحدة. نريد فقط تنظيم أنفسنا

لا يزال هناك الكثير ممّا ينبغي القيام به فيما يتعلّق ببناء القوّة المؤسّسيّة. وأنا أتّفق مع الباحث الأمريكيّ الإيرانيّ أفشين مولوي، الذي كتب هذا الأسبوع: «ينبغي للمجموعة أن تواصل التّركيز على الأعمال والتّجارة، والاستثمار والتّنمية، وأن تترك السّياسة لمنتديات أخرى». ويجب أن تتكامل حيثما كان ذلك مناسباً مع الحفاظ على المرونة ودرجة من الطّابع غير الرسميّ في جوهرها. وإذا كان هذا يُحيّر المنتقدين الذين يطالبون بهياكل جامدة للمنظّمات الدّوليّة، فهذه مشكلتهم. تطرح دول «البريكس» نموذجها الخاصّ. وإذا لم تكن هذه الصّيغة تبعث الأمل، فربما على هؤلاء النّقاد التّساؤل عن سبب رغبة العديد من البلدان في الانضمام إلى المجموعة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شولتو بيرنز، ذي ناشونال نيوز، 23 آب (أغسطس) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية