لماذا تواصل طالبان رعاية جهاديي آسيا الوسطى؟

لماذا تواصل طالبان رعاية جهاديي آسيا الوسطى؟


15/03/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

في 3 شباط (فبراير) 2021، نشر مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة تقريره السّابع والعشرين حول تهديدات وتحدّيّات المنظّمات الإرهابيّة العالميّة، مثل داعش والقاعدة، والجماعات المرتبطة بها في كافّة أنحاء العالم. ورسم التّقرير صورةً واضحةً عن التّقارب بين الجماعات السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى وطالبان والقاعدة، بالرّغم من أنّ هذه الجماعات تمتنع حالياً عن الإعلان عن علاقات المنفعة المتبادلة هذه.

اقرأ أيضاً: طالبان وإيران... ما أسباب التقارب؟

وصرّح فريق الرّصد التّابع للأمم المتّحدة أنّ "الوضع الأمنيّ ​​في آسيا الوسطى يتأثّر بالتّطوّرات في أفغانستان" وأنّ "النّجاح في عمليّة السّلام (بمعنى اتّفاق الدّوحة) سيكون له تأثير إيجابيّ على خمس دولٍ ما بعد سوفيتيّة". ويرتبط هذا جزئيّاً بحقيقة أنّ الجماعات الإسلامويّة الأوزبكيّة قد لجأت إلى أفغانستان منذ أواخر التّسعينيّات وتُشارك في التّمرّد الّذي تقوده طالبان.

وخلال هذا الوقت، أقسمت الجماعات الجهاديّة في آسيا الوسطى على الولاء لكلٍّ من طالبان والقاعدة، وانضمّت إلى الجهاد العالميّ، وفي 1999-2000 بذلت عدّة جهود لمهاجمة وادي فرغانة المكتظّ بالسّكان والواقع بين قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان.

تتظاهر طالبان بأنّها تمدّ غصن زيتون إلى الولايات المتّحدة بيد، بينما تغطّي اليد الأخرى وتدافع عن القاعدة والجماعات السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى

وبالرّغم من اتّفاق الدّوحة مع الولايات المتّحدة، يؤكّد تقرير فريق الرّصد أنّ طالبان لا تزال تحتفظ بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع الحركات الأوزبكيّة والطّاجيكيّة السّلفيّة الجهاديّة. وتجدر الإشارة إلى أنّه وفقاً لاتّفاق الدّوحة، كان من المتوقّع أن تقطع طالبان العلاقات مع القاعدة والجماعات المسلّحة الأخرى "للمهاجرين" (المقاتلين الأجانب) وتضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانيّة لشنّ هجمات على المصالح الأمريكيّة. ويأتي هذا في الوقت الّذي يصرّ فيه قادة طالبان، من ناحيةٍ أخرى، على عدم وجود روابط لهم مع أيّ جماعة مسلّحة أجنبيّة.

اقرأ أيضاً: طالبان تحذر "الناتو" .. لماذا؟

لقد وجد فريق الرّصد أدلّةً قليلةً على حدوث تغييرات مهمّة في العلاقات بين القاعدة وطالبان، و، بالتّالي، يحافظ كلاهما على علاقاتٍ وثيقةٍ مع الفروع الموجودة في آسيا الوسطى. ويشير التّقرير كذلك إلى أنّ "القاعدة تقدّر أنّ مستقبلها في أفغانستان مرهون بعلاقاتها الوثيقة مع طالبان، وكذلك نجاح العمليّات العسكريّة لطالبان في البلاد".

نجاح عمليّة السّلام الأفغانيّة

وتوقّع واضعو تقرير الأمم المتّحدة الجديد أنّ "نجاح عمليّة السّلام الأفغانيّة سيكون له أثر إيجابيّ على آسيا الوسطى". وبالإضافة إلى ذلك، حوّل محلّلو هيئة الرّصد تركيزهم على أنشطة الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان، وهي واحدة من الجماعات السّلفيّة الجهاديّة المخضرمة في آسيا الوسطى والّتي تمّ إنشاؤها في مدينة نامانجان الأوزبكيّة في منتصف التّسعينيّات على يد الإسلامويّ الرّاديكاليّ الشّهير طاهر يولداش. ويقدّر فريق الرّصد أنّ الجناح الأفغانيّ للحركة الإسلاميّة في أوزبكستان "يتكوّن من 700 شخص، بما في ذلك أشخاص من الأسرة نفسها وحوالي 70 شخصاً من آسيا الوسطى غادروا فرع داعش في خراسان وانضمّوا إلى الحركة".

كما سلّط تقرير فريق الرّصد الضّوء على الرّوابط القويّة وطويلة الأمد بين جماعتين جهاديّتين أوزبكيّتين أخريين - كتيبة الإمام البخاريّ وجماعة الجهاد الإسلاميّ - وطالبان، الّتي تلعب دور المرشد الأيديولوجيّ والعسكريّ بالنّسبة إليهما. وأشار التّقرير أيضاً إلى أنّ "كتيبة الإمام البخاريّ لديها ما يقرب من 150 مقاتلاً، معظمهم في مقاطعة بادغيس"، في حين أنّ "جماعة الجهاد الإسلاميّ لديها ما يقرب من 100 مقاتل نَشِط في مقاطعتي قندوز وفرياب، شمال أفغانستان، تحت رعاية طالبان وسيطرتها".

اقرأ أيضاً: طالبان وأمريكا: من التفاوض والاتفاق الهش إلى الخصومة

وكشف فريق الرّصد عن نوعٍ من المؤامرة في علاقات طالبان مع الجماعات السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى بعد إبرام الاتّفاق بين الولايات المتّحدة وطالبان. وكما يلاحظ فريق الرّصد، "فإنّ طالبان، الّتي تواصل نفي وجود مقاتلين إرهابيّين أجانب في أفغانستان، قد منعت هذه الجماعات [الأوزبكيّة والطّاجيكيّة] من شنّ عمليّات مستقلّة ضدّ قوّات الدّفاع والأمن الوطنيّة الأفغانيّة، وقد أدّى ذلك إلى خفض دخلها".

مقتل زعيم الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان

ووفقاً لمحلّلي فريق الرّصد، فإنّ "موقف هذه الجماعات قد ازداد تعقيداً بسبب مقتل زعيم الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان، عبد العزيز يولداش، في منطقة غورماش بمقاطعة فارياب". ويشار إلى أنّ زعيم الجماعة المسلّحة الأوزبكيّة قد قُتل خلال عمليّة خاصّة نفّذتها القوّات الخاصّة التّابعة لمديريّة الأمن الوطنيّ الأفغانيّة في محافظة فارياب شمال البلاد ضدّ حركة طالبان في تشرين الثّاني/نوفمبر 2020. وبعد تحييده، ذكرت وزارة الدّفاع أنّ "عبد العزيز يولداش متورّط في هجمات إرهابيّة وقتل مواطنين أفغان في المحافظات الشّماليّة". وعبد العزيز هو نجل مؤسّس الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان والقائد العسكريّ الأوزبكيّ الأسطوريّ طاهر يولداش الّذي قاتل إلى جانب طالبان وكانت تربطه علاقة وثيقة بزعيم القاعدة أسامة بن لادن. وكان طاهر يولداش قد قُتل في غارةٍ جويّةٍ أمريكيّةٍ بطائرةٍ بدون طيار في 27 آب/أغسطس 2009، في منطقة جنوب وزيرستان الباكستانيّة، وبعدها واصل ابناه، محمّد وعبد العزيز، الإرث الجهاديّ لوالدهما.

ومع ذلك، يجب التّأكيد على أنّ العلاقات بين طالبان والحركة الإسلاميّة في أوزبكستان لم تكن دائماً صافية. لقد تعرّضت الحركة الإسلاميّة لضربةٍ قاسيةٍ على يد طالبان في أواخر عام 2015 عقاباً لها على "خيانتها" لطالبان والقاعدة عندما أعلن زعيم الحركة آنذاك، عثمان غازي، خليفة طاهر يولداش وصهره، ولاءه لزعيم داعش، أبو بكر البغداديّ. وعقاباً له على هذه الخيانة، قتلت طالبان في أواخر عام 2015 عثمان غازي وأكثر من 100 من أعضاء الحركة الإسلاميّة في قاعدةٍ في مقاطعة زابول.

عقب اتّفاق الدّوحة، اضطّرّ زعيم الجناح السّوري لكتيبة الإمام البخاريّ، أبو يوسف المهاجر، إلى حذف قصيدته الّتي تُهنئ طالبان بـ "انتصارها على المعتدين الأمريكيّين"

وبعد التّصفية الجسديّة "للخونة" الموالين لداعش، عاد معظم الجهاديّين الأوزبك من الحركة في بدخشان وفرياب وجوزجان وهلمند وزابول إلى حظيرة طالبان. وفي تقريره الحادي عشر الصّادر بتاريخ 27 أيّار/مايو 2020، ذكر فريق الرّصد التّابع لمجلس الأمن بشأن عقوبات طالبان أنّ "الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان لم تُظهِر أيّ نشاطٍ عملياتيٍّ مستقلٍّ منذ عدّة أعوام ولا تزال تحت قيادة طالبان وسيطرتها الماليّة" (يُنظَر تقرير الأمم المتّحدة، الفقرة 85). ومن العوامل الّتي ساعدت عبد العزيز يولداش في جمع أعضاء الحركة الإسلاميّة المتناثرين حوله واستعادة الولاء لطالبان والقاعدة مجدّداً: كاريزمته وشخصيّته الحاسمة والاسم المهيب لوالده المقتول. لكن وسط صعود جماعات مسلّحة أخرى في آسيا الوسطى، فإنّ الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان غير قادرة على استعادة مجدها السّابق باعتبارها أقوى حركات التّمرّد الّتي لها تاريخ طويل من الجهاد.

أفغانستان ملاذ آمن

ولذلك، أوضح تقرير فريق الرّصد بشكلٍ جليٍّ أنّ الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان تعتبر أفغانستان ملاذاً آمناً دائماً لها، اعتماداً على علاقتها القويّة وطويلة الأمد مع قيادة طالبان. ويهدف حظر طالبان الأخير للجماعات الإسلامويّة في آسيا الوسطى من القيام بعمليّات جهاديّة مستقلّة ضدّ القوّات الحكوميّة الأفغانيّة إلى إخفاء وجودهم في أفغانستان. وبعد توقيع اتّفاق الدّوحة للسّلام مع واشنطن، منعت طالبان أيضاً الجماعات السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى من نشر صور أو مقاطع فيديو، أو غير ذلك من المعلومات الّتي قد تشير إلى علاقاتها الوثيقة مع طالبان والقاعدة، على وسائل التّواصل الاجتماعيّ.

على سبيل المثال، في نيسان (أبريل) 2020، عقب اتّفاق الدّوحة، اضطّرّ زعيم الجناح السّوري لكتيبة الإمام البخاريّ، أبو يوسف المهاجر، إلى حذف قصيدته الّتي تُهنئ طالبان بـ "انتصارها على المعتدين الأمريكيّين" في أفغانستان من قناته على تلغرام. وفي تمّوز (يوليو) 2020، أيضاً، بعد استياءٍ واضحٍ وضغوطٍ من طالبان، أزال أبو يوسف منشوره الثّاني عن العمليّات العسكريّة النّاجحة المشتركة للجهاديّين الأوزبكيّين مع طالبان ضدّ الجيش الأفغانيّ من صفحته على تلغرام.

اقرأ أيضاً: هل تعود طالبان إلى طاولة الحوار؟

وقد تعهّد الجهاديون الأوزبكيّون من كتيبة الإمام البخاريّ بالولاء لطالبان واعتبروا أنفسهم بحماسة، مقارنةً بجماعات آسيا الوسطى الأخرى، الحلفاء الأكثر ولاءً لطالبان. وبالفعل، تمّ الاستيلاء على شعار النبالة والاسم الرّسميّ لجماعة "إمارة أفغانستان الإسلامية - كتيبة الإمام البخاري" من طالبان. وفي تقاريره، أكّد فريق الرّصد باستمرار أنّ كتيبة الإمام البخاريّ، وهي جماعة منشقّة عن الحركة الإسلاميّة في أوزبكستان، "تشارك بنشاطٍ في الأعمال العدائيّة ضدّ القوّات الحكوميّة الأفغانيّة تحت قيادة طالبان". وبهذه الطّريقة، تصوّر كتيبة الإمام البخاريّ نفسها على أنّها جزء من "إمارة أفغانستان الإسلاميّة"، الاسم الرّسميّ لأفغانستان 1996-2001 في ظلّ نظام طالبان.

اقرأ أيضاً: تقرير ألماني يكشف تورط بنك قريب من أردوغان في دعم طالبان

كما ذكر تقرير مجلس الأمن التّابع للأمم المتّحدة أنّ مجموعات آسيا الوسطى من الجماعة الإسلاميّة في أوزبكستان وكتيبة الإمام البخاريّ وجماعة الجهاد الإسلاميّ واجهت صعوبات ماليّة بسبب حظر طالبان للهجمات المستقلّة والغارات على الأراضي الّتي تسيطر عليها الحكومة الأفغانيّة. وبحسب التّقرير، "منعت طالبان، الّتي تواصل نفي وجود مقاتلين إرهابيّين أجانب في أفغانستان، هذه الجماعات [في آسيا الوسطى] من شنّ عمليّات مستقلّة ضدّ قوّات الدّفاع والأمن الوطنيّة الأفغانيّة، ممّا أدّى إلى انخفاض دخلها".

الدعم من سوريا

ووفقاً لفريق الرّصد، فإنّ "الدّعم الماليّ من الجماعات الأوزبكيّة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة لفروعها الأفغانيّة قد تراجع". وحدث ذلك "بسبب الخلاف بين هيئة تحرير الشّام وحرّاس الدّين على القيادة في محافظة إدلب والسّيطرة على المقاتلين الإرهابيّين الأجانب، بمن فيهم سكّان آسيا الوسطى".

كما قام فريق الرّصد بتفصيل حادثة تعرّض لها أبو صلاح الأوزبكيّ، والّذي عانى بسبب ولائه الشّديد للقاعدة. وقمنا بتحليل أسباب وعواقب الفضيحة الّتي أحاطت به، الأمر الّذي أثار قلق الدّوائر السّلفيّة في دول ما بعد الاتّحاد السوفياتي الّتي تقود الجهاد في سوريا وأفغانستان. وبحسب التّقرير، "تمّ اعتقال أبو صلاح، الّذي أطلق دعاية على الإنترنت لصالح حرّاس الدّين، من قبل هيئة تحرير الشّام واتُّهم بسرقة أموال تعود لمقاتلي الهيئة". ولا يزال مصير المنظّر الشّهير للجهاد العالميّ، الّذي تحدّى هيئة تحرير الشّام القويّة، مجهولاً. لكن مؤيّديه على وسائل التّواصل الاجتماعيّ ينشرون يوميّاً رسائله الصّوتية والمرئيّة الدّينيّة الّتي تُلهم شباب وادي فرغانة للجهاد المقدّس.

اقرأ أيضاً: واشنطن ترفع العقوبات عن طالبان: اتفاق محفوف بالتعقيدات والمخاطر

وهكذا، فإنّ التّقرير الأخير لمجلس الأمن يدحض مجدّداً تأكيدات طالبان بأنّ القاعدة وفروعها السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى غير موجودة في أفغانستان. واليوم، تحاول طالبان، الّتي تبدو وكأنّها تمتثل لاتّفاق الدّوحة، ممارسة "ضغوط دبلوماسيّة" على الولايات المتّحدة حتّى تغادر قوّاتها العسكريّة البلاد بحلول الأوّل من أيار (مايو). وبالاتّفاق مع طالبان، فإنّ جهاديي آسيا الوسطى على صفحاتهم على تلغرام "يهدّدون" الغرب بأنّه بعد انتهاء صلاحية "اتّفاق السّلام" سينقلب العالم كلّه رأساً على عقب بالنّسبة إلى أعداء الله في أفغانستان.

تواجه إدارة بايدن تحدّياً صعباً للغاية يطرح سؤالاً حول كيفيّة تحقيق قَطْع حقيقيّ للعلاقات بين القاعدة وطالبان، كما نصّت على ذلك اتّفاق الدّوحة؟

اقرأ أيضاً: طالبان وطهران.. ما سرّ المودة؟

ومن المعروف أنّ البيعة في الإسلام لها قيمة قرآنيّة مقدّسة يتلخّص معناها في قسم الولاء لله تعالى ونبيّه محمّد. ولذلك، من منظور إسلاميّ، من الصّعب نقض بيعة القاعدة لطالبان، وقطع علاقاتهما بمساعدة الضّغط الخارجيّ من "أعدائهما المشتركين" من الكفّار.

لقد وقّعت حركة طالبان اتّفاق الدّوحة لتحقيق هدفين فقط: انسحاب القوّات العسكريّة الأمريكيّة من البلاد، واستعادة إمارة أفغانستان الإسلاميّة بقيادة أميرها الملا هبة الله أخوند زاده. ونتيجةً لذلك، تتظاهر طالبان بأنّها تمدّ غصن زيتون إلى الولايات المتّحدة بيد، بينما تغطّي اليد الأخرى وتدافع عن القاعدة والجماعات السّلفيّة الجهاديّة في آسيا الوسطى، وتواصل هجومها في كافّة أنحاء أفغانستان.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

أوران بوتوبيكوف، مودرن دبلوماسي، 6 آذار(مارس) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية