لماذا فشلت زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني للعراق؟

لماذا فشلت زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني للعراق؟


04/08/2021

مثلّت الزيارة "السرّية" التي قام بها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، إلى العراق، خطوة لافتة، في إطار التحركات التي تقوم إيران لجهة إعادة ترتيب المشهد السياسي والميداني مع الفصائل المسلحة والعسكرية الموالية لها ببغداد، خاصّة مع انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن، ولقاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، برئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، الأمر الذي أسفر عن تحوّل المهمة القتالية لقوات التحالف إلى مهام استشارية.

قائد فيلق القدس بالعراق.. ما القصة؟

لا تعدو الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس، نهاية الأسبوع الماضي، والتي جاءت في أعقاب اللقاء الذي جمع بايدن بالكاظمي، كونها أمراً عرضياً أو مباغتاً؛ إذ تعدّ الزيارة السادسة، تقريباً، إلى العراق، خلال العام الحالي، وآخرها في حزيران (يونيو) الماضي، وذلك بعد الاستعراض العسكري الذي قام به عناصر وأفراد الحشد الشعبي، في ذكرى تأسيسه.

واللافت أنّ زيارة قاآني الأخيرة، تبرز دلالة مباشرة من حيث توقيتها الذي تزامن مع لقاء بايدن بالكاظمي؛ إذ يسعى القيادي بالحرس الثوري إلى التنسيق مع وكلائه، وكذا القوى السياسية الأخرى بالعراق، تحديداً بعد توصّل رئيس الوزراء العراقي إلى اتفاق ينهي، بشكل رسمي، المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق، مع نهاية العام 2021، وقد أوضح الرئيس الأمريكي أنّ قوات التحالف ستكون مهامها "المساعدة في مجال التدريب، ومكافحة تنظيم داعش والدعم الاستخباراتي".

اقرأ أيضاً: أبرز 4 مُحددات تتحكم في مستقبل العلاقات الإيرانية الباكستانية

وكشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية؛ أنّ قائد فيلق القدس زار "سرّاً" بغداد، بينما التقى قادة عدد من الفصائل العراقية المسلحة، بحسب مصدر عراقي، لم يفصح عن هويته، وتابع: "نعم كانت هناك زيارة سرّية لقاآني، وهي ضمن سلسلة زيارات، بعضها كان معلناً، وبعضها الآخر كان غير معلن".

ألمح تحليل لـ "الغارديان" إلى أنّ قاآني في زيارته للعراق، في حزيران (يونيو) الماضي، أخفق في التوصل إلى تفاهم مع الميليشيات لخفض الصراع مع الولايات المتحدة

ووفقاً لوكالة الأنباء الروسية؛ فإنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، التقى قادة بعض الأحزاب، تحديداً قادة بعض الفصائل العراقية المسلحة، وكذا قادة عدد من القوى السنّية في العراق، وأردف: "الزيارة، وبحسب المعلومات، جاءت للتنسيق العملياتي بين الفصائل المسلحة والحرس الثوري الإيراني، لا سيما مع وجود اتهامات للفصائل باستهداف البعثات الدبلوماسية، رغم أنّ هذه الفصائل تعمل على إنكار صلتها بهذه الاستهدافات ضدّ البعثات، ومن ضمنها الأمريكية، لكنها اعترفت ضمناً بأنّها مع استهداف القوافل العسكرية، والأماكن التي تتواجد فيها القوات الأمريكية".

وعلى ما يبدو، فإنّ بعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تنبذ مخرجات الحوار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن، وترفض نتائجه، بالرغم من الترحيب السياسي الواسع؛ إذ قال نائب الأمين العام لـ "حركة النجباء"، نصر الشمّري، إنّه "يرفض أيّ وجود للقوات الأمريكية" في العراق، كما هدّد، على نحو صريح ومباشر، بـ "استمرار استهداف القوات الأمريكية في العراق حتى بعد تغيير المسمى".

اقرأ أيضاً: لن يخلصنا أحد من إيران

وخلال لقاء الرئيس الأمريكي بالكاظمي في البيت الأبيض، قال: "لن نكون مع نهاية العام في مهمة قتالية في العراق، لكن تعاوننا ضدّ الإرهاب سيتواصل"، كما لفت إلى أنّ "العلاقة بين العراق والولايات المتحدة ستتحول إلى مرحلة جديدة؛ فالتنسيق بين العراق والولايات المتحدة لن يقتصر على الجانب الأمني، حيث إنّ العلاقة الأمنية ستنتقل بالكامل إلى المشورة والتدريب والتعاون الاستخباري، ولن يكون هناك أيّ وجود لقوات قتالية أمريكية في العراق، بحلول 31 كانون الأول (ديسمبر) 2021".

خطط الفصائل الولائية

بيد أنّ ما يعرف بـ "الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة"، التي تضمّ المجموعات المسلحة والعسكرية، المدعومة من الحرس الثوري، شدّدت، في بيان رسمي صادر عنها، على رفض وجود أيّة قوات أمريكية، تحت أيّ مسمى، كما لفتت إلى وجود "ثغرات" في مخرجات الحوار الإستراتيجي، وتابعت: "الموضوع لا يتعدّى الإعلان المخادع لإبقاء الاحتلال، لكن بتغيير عنوانه فقط. وفي هذه الحالة، لن يتغير موقف المقاومة الرافض لوجود أيّ نوع من أنواع الاحتلال، لا سيما أنّنا أثبتنا عدم حاجة قواتنا الأمنية إليهم، وأنّها قادرة وقوية، وأنّ وجود مستشارين أمريكيين ضرر ليس معه نفع".

وبحسب البيان؛ فإنّ "المقاومة ستبقي على جهوزيتها الكاملة لحين الانسحاب الحقيقي، وسيكون لها إجراؤها وموقفها الذي لن تتردّد فيه إذا كان انسحاباً شكلياً، وإنّ أيّ طيران أجنبي في الأجواء العراقية سيعدّ معادياً".

ثمّة ملاحظات جمّة حول قائد فيلق القدس الحالي، الذي جاء بعد اغتيال سلفه، قاسم سليماني، مفادها أنّ الأول لا يتمتع بمهارات الأخير وقدراته نفسها، والذي استهدفته طائرة مسيرة أمريكية، مطلع العام الماضي، في ذروة التصعيد الخشن بين طهران وواشنطن، أثناء إدارة دونالد ترامب، كما أنّه، وفق تقديرات صحفية غربية، لا يحظى بصلات قوية مع المرشد الإيراني، أو يقترب للدرجة نفسها التي كان يقف عندها القائد السابق. ويضاف إلى ذلك، أنّ القائد الحالي، الذي حارب في أفغانستان، يفتقر إلى خبرات ميدانية في العراق ولبنان وسوريا مقارنة بسليماني، فضلاً عن عدم إتقانه العربية.

تصدع الجبهة السياسية الشيعية في العراق

وقد ألمح تحليل لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أنّ قاآني في زيارته للعراق، في حزيران (يونيو) الماضي، أخفق في التوصل إلى تفاهم مع الميليشيات لخفض الصراع مع الولايات المتحدة، والتوقف عن استهداف منشآتهم وقواتهم في بغداد وأربيل، حيث قال: "فشل قاآني في إقناع الميليشيات بأنّ الاستمرار في إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية ليس في مصلحتها في المنطقة الخضراء، أو على مطار أربيل في شمال العراق، حيث ما تزال القوات الأمريكية موجودة".

المحلّل السياسي العراقي محمد نعناع لـ"حفريات": الاستمرار باحتواء المؤسسات الأمنية لمواجهة السلاح المنفلت يفاقم من أزمات التنظيمات الولائية بالعراق، والجبهة السياسيّة الشيعيّة تتصدّع

يتفق والرأي ذاته تحقيق لـوكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية، مطلع الشهر الماضي تموز (يوليو)، حيث ذكر؛ أنّ "قادة ميليشيات بارزة موالية لطهران في العراق رفضوا الانصياع لتوجيهات قاآني عندما اجتمع معهم في بغداد وطالبهم بالتهدئة لحين انتهاء المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة".

وإلى ذلك، يرى المحلل السياسي والأكاديمي العراقي، الدكتور محمد نعناع، أنّ زيارة قاآني غير ناجحة؛ لأنّها كانت ضمن جهود الحرس الثوري الإيراني، لمحاولة لملمة شتات صفوف الأحزاب والقوى السياسية العراقية خلف "المقاومة"؛ وهو الأمر الذي رفضته القوى الحزبية والسياسية، السنّية والشيعيّة على حدّ سواء، المرتبطة بتحالفات على النقيض من التيار المدعوم من طهران.

والهدف الرئيس من زيارة قاآني أن تكون "الأحزاب الشيعية جبهة موحّدة ومتجانسة خلف المقاومة، بمعنى أن يصبح الواقع السياسي الشيعي حربياً قتالياً، وقائماً على المواجهة الدائمة ضدّ الولايات المتحدة، وهو ما رفضته عدة قوى سياسية شيعية؛ إذ تعرف أنّها بذلك تصطدم مع تحالفاتها السنّية، مثل تحالف "عزم"، والقريب من تحالف "فتح"، بالتالي، هذه الفكرة ولدت ميتة".

اقرأ أيضاً: الانسحاب الأمريكي من العراق.. هل يتركه لقمة سائغة لإيران؟

ويردف نعناع لـ "حفريات": "لقاء الكاظمي الذي أفرز وجوداً أمريكياً مختلفاً، وتحت مسمّى جديد، جعل إيران تستشعر الخطر، وترى أنّ معادلة السلطة في العراق سوف تتغير وتضعها أمام ضغوطات عديدة، ليست في صالحها، كما أنّ الاستمرار باحتواء المؤسسات الأمنية لمواجهة السلاح المنفلت يفاقم من أزمات التنظيمات الولائية بالعراق، وعليه، فإنّ قاآني سعى من خلال لقاء قادة الأحزاب إلى دعم ميليشياته، وهو الأمر الذي يبدو أنّه لم يلقَ أيّ ترحيب في العراق".

ويرجّح المحلل السياسي العراقي، أن تتصدع الجبهة السياسية الشيعية، تبعاً لذلك، حتى داخل تحالف الفتح، الجناح السياسي للفصائل الولائية، وهذا يعني أنّ تلك الزيارة لم تسفر عن أيّة نتائج، بينما جهود الكاظمي تحقق نتائجها المرجوة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية