لماذا لا ترضي تصريحات شيخ الأزهر أحداً؟

لماذا لا ترضي تصريحات شيخ الأزهر أحداً؟

لماذا لا ترضي تصريحات شيخ الأزهر أحداً؟


19/04/2023

إبراهيم مصطفى

حال من الجدل دائماً ما تثيرها تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب، فرغم حجم شعبيته والتأييد الذي يتمتع به شيخ المؤسسة المنوط بها تنظيم وإدارة شؤون الفتوى والتعاليم الدينية في مصر، فإن محاولاته للإدلاء بآراء عن قضايا دينية واجتماعية دوماً ما تصطدم بانتقادات لاذعة، سواء ممن يرون في أنفسهم حراساً للدين أو من آخرين يعتبرون خطاب الطيب تقليدياً لا يواكب العصر.

حدة الجدل في شأن طبيعة خطاب شيخ الأزهر أثار النقاش مجدداً حول آليات الخطاب الديني الذي يحتاج إليه المصريون مع تطور وسائل التواصل والتكنولوجيا وتزايد طرق البحث والمعرفة، وكذلك متغيرات العصر وظهور مواضيع جديدة لم تكن مطروحة سابقاً.

وكان آخر المواضيع التي أثارت الجدل في الأيام الماضية، حديث شيخ الأزهر في برنامجه التلفزيوني الذي يذاع خلال شهر رمضان عن قضية قوامة الرجل على المرأة، إذ أعرب الطيب عن أسفه الشديد لتفسير كثيرين لمفهوم "القوامة" في القرآن بأنه إباحة التسلط على الزوجة وسلب إرادتها ومصادرة حق التعبير عن رأيها، وأن تقوم الأسرة على الاستبداد من جانب الزوج، والطاعة التي تقرب من طاعة العبيد من جانب الزوجة، مؤكداً أن القوامة بهذا التفسير "اللاإنساني" أمر لا يقره الإسلام ويعد خروجاً عن نصوص القرآن.

وأوضح أن المراد بـ"القوامة" هي القوامة المحدودة في نطاق إدارة أمور الأسرة وما تحتاج إليه من رعاية وحماية، ولا تعني السيطرة بل الشورى والشراكة وتوزيع أدوار وتبادل حقوق وواجبات، مؤكداً أن أفضلية "القوامة" ليست أفضلية "تشريف"، لكنها أفضلية اختيار للأنسب، والأكثر احتمالاً لمشاق الأسرة، وصبراً على كلفها. كما أكد أن تلك "القوامة" يقابلها واجب وهو الإنفاق على الزوجة والأولاد، وتسقط القوامة إذا امتنع الزوج عن الإنفاق، وفق ما ذهب إليه كثير من الفقهاء.

ورغم أن خطاب الإمام الأكبر يعد منصفاً للمرأة إلى حد بعيد مقارنة بشيوخ آخرين، فإن اعتباره أن توزيع المسؤولية بين الزوجين هو "الهلاك بعينه" أثار حفيظة كثيرين على مواقع التواصل، رأوا أن تلك المقولة ربما تستغل من جانب بعض المتشددين في الأوساط الاجتماعية.

ضرب الزوجات

وفي حلقاته التلفزيونية اليومية في رمضان التي تبث بعنوان "الإمام الطيب"، تطرق شيخ الأزهر مرة أخرى إلى قضية ضرب الزوجة، قائلاً إنه ليس حكماً عاماً وإنما يرتبط بسبب "النشوز" ويكون من دون إيذاء، مضيفاً أن الهدف يكون تجنب خطر أكبر وهو هدم الأسرة.

وبذلك كرر الطيب ما قاله سابقاً في الموضوع نفسه وفتح باب الانتقادات له العام الماضي ومن بينها ما كتبه الباحث إسلام بحيري أنه لا يوجد ما يسمى الضرب بشروط لأن فتح ذلك الباب يعني "العيش في غابة" ليست لها علاقة بالدستور أو القانون، مردفاً أن ما قاله الشيخ يخالف أحكام الدستور.

وبعيداً من فقه الأسرة، دعا شيخ الأزهر العام الماضي إلى "عدم تقديس التراث الفقهي، أو مساواته بالشريعة"، في تصريح بدا لبعضهم تراجعاً عن موقف سابق، وفتح النقاش حول مفهوم تجديد الخطاب الديني، وبينما أثنى بعضهم على تصريحاته باعتبارها تحمل نوعاً من "التغيير والمراجعة"، اعترض عليها آخرون واعتبروها انقلاباً على مواقفه السابقة التي أبدى فيها استماتة في الدفاع عن المدرسة الأشعرية ونصوص التراث التي كان منها نقاش مطول جمع الطيب ورئيس جامعة القاهرة محمد الخشت، وهو في الأساس أستاذ للفلسفة، عام 2020 وخلالها أكد شيخ الأزهر أهمية التراث الذي "خلق أمة كاملة".

ما بين السطور

الباحث المشارك في المعهد الألماني للأبحاث الشرقية أحمد عبدالسلام يرى أن الاعتقاد بأن شيخ الأزهر يصرح بآراء ثم عكسها هو غير صحيح، موضحاً لـ"اندبندنت عربية" أنه ربما تختلف الصياغة لإيجاد الحديث الملائم للهيئة التي يتحدث باسمها، إذ إنه يرأس هيئة حكماء المسلمين ومقرها أبو ظبي، وعندما يتحدث باسمها عليه مراعاة برتوكولات دبلوماسية معينة، فيما عليه مراعاة سياسات الدولة المصرية عندما يتحدث باسم مؤسسة الأزهر باعتبارها إحدى مؤسسات الدولة المصرية. كذلك عندما يتحدث بصفته رئيس هيئة كبار العلماء التي تمثل جميع علماء الأزهر بمختلف مذاهبهم وتنوعاتهم ومدى التشدد والتسامح، عندها عليه أن يختار خطاباً وسطياً يلقى قبول الجميع.

وأضاف أنه يجب الانتباه لما يقوله الطيب والاستماع بتمعن لفهم ما بين السطور للوصول إلى المعنى والمبدأ الذي لا يتغير، مشيراً إلى أن الطيب تولى مشيخة الأزهر عام 2010 في وقت عصيب بعد وفاة الشيخ محمد سيد طنطاوي، بينما كانت الأنظار تتجه إليه منذ كان رئيساً لجامعة الأزهر وما شهدته من تطور على يديه، بخاصة كليات العلوم الدينية والشرعية، إلى جانب إصراره على تطوير تعاليم اللغات الأجنبية داخل الجامعة وفتح الباب أمام الطلبة للبعثات الأجنبية.

ولا تخلو الانتقادات لخطاب شيخ الأزهر من اتهامه بالتساهل في ثوابت إسلامية بنظر بعضهم مثل الهجوم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق بسبب تهنئته المسيحيين بأعياد الميلاد. وعلق الإعلامي إبراهيم عيسى على ذلك بالقول إن هناك تياراً سلفياً متطرفاً شن حملة هائلة على الشيخ وصلت إلى حد التحدث عنه باعتباره لا يملك معرفة أو ثقافة دينية.

وشغل الطيب منصب مفتي الديار المصرية عام 2002، وانتقل إلى رئاسة جامعة الأزهر في العام التالي، وبعد وفاة شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي عين شيخاً للأزهر في 19 مارس (آذار) 2010.

انتقادات من كل الأطراف

يقول أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة مونستر الألمانية عاصم حفني إن مواقف شيخ الأزهر لها جوانب عدة ولا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، ويرى أن "الطيب له إيجابيات عدة مثل أسلوبه الهادئ في الخطاب وإرادته الواضحة في التجديد بغض النظر عن مداه، كما أن مؤسسة الأزهر شهدت تطورات إيجابية في عهده على مستوى الإنتاج الفكري بالوثائق التي صدرت حول قضايا مثل حقوق المرأة والحريات وغيرها، ورغم وجود ملاحظات حول فحواها لكن مجرد التفكير في إطلاقها يعد قفزة إيجابية في تاريخ الأزهر، فضلاً عن تشكيل لجان لتنقيح المناهج.

وأضاف حفني، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "هناك انتقادات للشيخ من داخل الأزهر من جانب بعض أصحاب الفكر التقليدي ممن يرون أنه يمارس تجديداً غير مقبول يخرج عن الفهم الفقهي المتعارف عليه، وفي المقابل فإن التيارات الليبرالية ترى أن ما يقوم به الشيخ غير كاف ولا يخرج عن الإطار الفكري التقليدي".

لكن حفني يدعو إلى النظر بـ"موضوعية" إلى قضية التجديد وإلى الإمام الطيب من جانب ومؤسسة الأزهر من جانب آخر، وكذلك الوضع العام في مصر بما فيها من طبيعة خاصة لعلاقة الدين بالدولة، موضحاً أنه "لا يمكن أن ننتظر من المجدد ذي المسؤولية أن يقفز قفزات تتجاوز الواقع لأنه يحاسب على كل حرف يقوله ويعبر عن مؤسسة لها تركيبتها الخاصة وتعقيداتها الداخلية، وربما يصطدم شيخ الأزهر باعتراضات ومعوقات لا نعلم تفاصيلها".

واستدرك أستاذ الدراسات الإسلامية أنه "رغم ذلك فإن كانت هناك إرادة للتجديد عليها أن تترجم إلى فعل سريع وثوري داخل المؤسسة، لكن هذا الفعل الثوري قد لا يكتب له النجاح ولا يحظى بشعبية في الشارع الذي اعتاد فكراً معيناً ويحتاج إلى التغير التدريجي".

تقليدي ولكن

وخلص حفني إلى أنه "من منظور علمي، فإن ما يقدمه شيخ الأزهر في ملف تجديد الفكر الديني، بخاصة قضايا المرأة ما زال في الإطار التقليدي للفقه ولا يخرج عن حدود معينة مهما حاول أن يلطف العبارات، فعلى سبيل المثال مهما تحدث عن أن ضرب المرأة غير مبرح أو مؤلم، لكن ذلك المفهوم لا يستقيم مع المنظور الحقوقي حالياً، وكان من الممكن فهمه في سياق تاريخي سابقاً، ويرتبط ذلك أيضاً بمفاهيم القوامة والطلاق الشفهي، وكلها لم تخرج عن المفاهيم التقليدية لأن الأزهر لا يميل إلى التغيير إلا في حال حدوث تطورات مجتمعية وسياسية تضغط عليه في هذا الاتجاه".

وفي الوقت نفسه لا ينفي حفني سعادته بأن شيخ الأزهر أشار إلى أنه في مرحلة ما "قد نصل إلى تشريع يجرم ضرب المرأة". واعتبر أن الحديث والنقاش ربما يولدان تغييراً تدريجياً مع الوقت حول قضايا مختلفة، معرباً عن تفاؤله بأن الطيب يصل إلى "السقف الأعلى" في الإطار التقليدي، وربما في مرحلة لاحقة حين يصل المجتمع إلى درجة تمكنه من قبول قفزة أخرى في اتجاه تجديد الفكر الديني، تتخذ خطوات إضافية في فقه الحريات وحقوق المرأة وغيرها بما يصل بالأسرة المسلمة إلى العدل بين الرجل والمرأة.

وأشار حفني إلى أن "إرادة التغيير بالكلية ربما تؤدي إلى الرفض بالكلية، لذلك فإن التغيير التدريجي مطلوب، وحتى لو لم يكن شيخ الأزهر يقصده، فإن إثارته لتلك المواضيع تساعد على ذلك التدرج لإقرار حقوق متساوية لجميع المواطنين وليس فقط قضايا الرجل والمرأة".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية