لماذا يتوقع خبراء ازدياد إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا؟

لماذا يتوقع خبراء ازدياد إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا؟

لماذا يتوقع خبراء ازدياد إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا؟


12/06/2023

من شرق القارة إلى غربها تفتك التنظيمات الإرهابية بأفريقيا، في ظل عجز المؤسسات العسكرية والأمنية عن مواجهة ذلك الخطر، الذي تسبب في نزوح داخلي لملايين السكان، ومقتل 19.1 ألف إنسان في عام 2022، بزيادة قدرها 50% في حوادث العنف عن العام الماضي.

مشهد يزداد قتامةً في ظل بيئة خصبة لنمو الإرهاب؛ جغرافيا مثالية لحرب العصابات، وإرث ثقيل من فشل الدولة القومية التي ورثت عهد الاستعمار، ومظلوميات تاريخية وإثنية وثقافية يوظفها الإرهاب في التجنيد، وثروات طبيعية توفر الموارد. وفي ظل انشغال الداعم الأكبر لدول القارة في مكافحة الإرهاب، الولايات المتحدة، بالحرب الروسية الأوكرانية، والصراع المتنامي مع الصين، ينشط الإرهاب الذي يتمثّل في فروع تنظيمي داعش والقاعدة في دول القارة.

19.1 ألف قتيل

نشر مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية تقريره السنوي لعام 2022 حول نشاط الإرهاب في دول القارة، في آذار (مارس) الماضي. وجاء فيه أنّ وتيرة العنف المرتبط بالجماعات الإسلامية المسلحة في أفريقيا ارتفع بنسبة 22% خلال العام 2022، مسجلاً 6859 حادثة، ومشكلاً رقماً قياسياً جديداً للعنف من قبل المتطرفين، ويعكس تقريباً نسبة مضاعفة لعدد مثل هذه الأحداث منذ عام 2019.

أما عدد القتلى جراء الأحداث الإرهابية، سجل عام 2022 نحو 19.109 قتيل، متجاوزاً الذروة السابقة البالغة 18.850 قتيل في عام 2015، عندما كانت حركة بوكو حرام في أوج نشاطها، ويمثّل انعكاساً حاداً عن الانخفاض الطفيف الذي سجله العام 2021 برقم 12.920 قتيل.

نقلاً عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية

وفقاً لذلك ارتفع عدد ضحايا الجماعات الإسلامية المتطرفة، المصنفة إرهابياً بنحو 50% في العام 2022 عن العام السابق له. وجاءت الزيادة نتيجة تزايد الضحايا بنسبة 74% في دول الصومال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وشمال نيجيريا. بينما شهدت أعداد الضحايا المرتبطة بإرهاب داعش والقاعدة في شمال القارة انخفاضاً بنسبة 32%، حيث يمثل نشاط داعش في سيناء في مصر نسبة 90% من نشاط الإرهاب في تلك الجغرافيا. بلغ عدد ضحايا الإرهاب في شمال أفريقيا 276 قتيل خلال العام 2022، ومن المتوقع استمرار الانخفاض في عدد حوادث وضحايا الإرهاب، بفضل الحسم العسكري في مصر للإرهاب في سيناء.

من المتوقع زيادة النشاط الإرهابي في غرب وشرق القارة خلال العام 2023، بسبب تعمق الأزمات الإنسانية في القارة جراء تبعات الحرب الروسية الأوكرانية

وتعتبر الجماعات المصنفة إرهابياً، والمرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، هي المسؤولة عن النشاط الإرهابي في أفريقيا، والذي يشهد توسع تنظيم داعش على حساب تنظيم القاعدة. وجغرافياً تتوزع تلك الجماعات بين دول في شرق وغرب القارة، وهي؛ الصومال حيث تنشط حركة الشباب المجاهدين المرتبطة بتنظيم القاعدة إلى جانب نشاط محدود لفرع داعش. في موزمبيق في جنوب شرق القارة ينشط تنظيم مرتبط بداعش، ويحمل اسم تنظيم أهل السنة والجماعة أو الشباب، والذي نجح في عام 2021 في السيطرة على عدة مدن في شمال شرق البلاد في إقليم كابو ديلغادو، قبل هزيمته وطرده منها على يد قوات التحالف التي ضمت قوات عسكرية من موزمبيق ورواندا والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (SADC).

جغرافيا الإرهاب

وفي غرب القارة سُجلت أعلى معدلات الحوادث الإرهابية، حيث يتوسع تنظيم داعش على حساب تنظيم القاعدة، مستغلاً الهشاشة الأمنية والتداخل الإثني بين دول الساحل ودول غرب القارة.

في مقدمة جغرافيا النشاط الإرهابي، تأتي دولة مالي التي تعتبر مركز نشاط كبيراً للجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، والتي نجحت في البقاء على الرغم من العمليات العسكرية الفرنسية التي استمرت لأعوام قبل الانسحاب في العام الماضي، بناءً على طلب السلطة في مالي. تنشط تلك الجماعات في ثلاث مناطق في غرب القارة، الأولى تضم مالي وجنوب غرب النيجر وبوركينا فاسو. وتتشكل من تنظيم داعش في الصحراء الكبرى (ولاية الساحل)، وعدة تنظيمات مرتبطة بالقاعدة وهي؛ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وهي تجمع لجماعات أصغر مرتبطة بالقاعدة، وجماعة أنصار الإسلام. وبين الدول الثلاث يتكون مثلث حدودي يشهد أعلى معدلات الإرهاب. وانطلاقاً من تلك الدول سُجلت حوادث إرهابية في دولتي بنين وتوغو المجاورتين.

مقاتلون تابعين لداعش في موزمبيق

والمنطقة جغرافية الثالثة تضم دول تشاد ونيجيريا والكاميرون وجنوب شرق النيجر، وتُعرف باسم حوض بحيرة تشاد. ينشط داعش في تلك الجغرافيا ويُعرف باسم ولاية غرب أفريقيا، بالإضافة إلى جماعات مرتبطة بالقاعدة وهي فصائل من بوكو حرام التي لم تبايع داعش وظلت على ولائها للقاعدة، وتنظيم أنصارو المعروف باسم (أنصار المسلمين في بلاد السودان).

إلى جانب ذلك، تنشط حركة مرتبطة بداعش في شرق دولة الكونغو الديمقراطية بالقرب من الحدود مع دولة أوغندا، مشكلة الجغرافيا الثالثة للإرهاب في غرب القارة. تلك الحركة هي القوات الديمقراطية المتحالفة (ADF) التي تتكون من متمردين سابقين من أوغندا، ينشطون في شرق الكونغو الذي يعتبر موطناً للعديد من حركات التمرد الفارة من رواندا وبوروندي.

الأكاديمي محمد تروشين لـ"حفريات": أخفقت المقاربة الأمنية لدول القارة نتيجة اقتصارها على العمليات العسكرية دون وجود رؤية متكاملة لمعالجة جذور الإرهاب المحلي

وتستهدف معظم الهجمات الإرهابية المدنيين، خصوصاً في دول بوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية، حيث لا تملك الجماعات المرتبطة بداعش القدرة على السيطرة على الأرض، للافتقاد إلى المقاتلين أو القدرة على تجنيد السكان المحليين، الذين يدين أغلبهم بالمسيحية. لهذا يستهدف داعش المدنيين انطلاقاً من كونهم كفار، يجب عليهم دفع الإسلام أو دفع الجزية أو الموت، وهي الأدبيات التي تملأ بيانات داعش حول عملياته في تلك الدول، بخلاف الأدبيات التي تنّظر لهجماته ضد جيوش النيجر ومالي على أنّهم مرتدين.

مستقبل الإرهاب في القارة

ومن المتوقع زيادة النشاط الإرهابي في غرب وشرق القارة للعام الجاري 2023، وذلك للأسباب التالية؛ تعمق الأزمات الإنسانية في القارة جراء تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، والذي يمنح التنظيمات الإرهابية القدرة على تجنيد مزيد من الأفراد الباحثين عن أية مصادر للدخل. كما أنّ الانقلابات العسكرية التي شهدتها دولتا مالي وبوركينا فاسو خلال الأعوام 2020 - 2022، وما تبعها من اتخاذ السلطات الجديدة مواقف معادية لفرنسا، واستبدالها بقوات فاجنر شبه العسكرية الروسية، أدى إلى جمود في العمل العسكري والأمني المشترك بين دول تتشارك في الإرهاب العابر للحدود.

يرى الأكاديمي والباحث في الشؤون الأفريقية محمد تورشين بأنّ تنامي موجات الفقر وسط المجتمعات المحلية لاسيما السكان في الريف يعتبر العامل الأول وراء زيادة النشاط الإرهابي؛ حيث تجند الجماعات الإرهابية السكان بما لديها من مصادر مالية تتحصل عليها من الاتجار في البشر وتجارة المخدرات.

محمد تورشين: الجماعات الإرهابية نجحت في البقاء والتوسع

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ العامل الثاني هو إخفاق المقاربة الأمنية لدول القارة، نتيجة اقتصارها على العمليات العسكرية دون وجود رؤية متكاملة لمعالجة جذور الإرهاب المحلي، والتي يجب أنّ تبدأ من إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية المزمنة.

ويرى تورشين بأنّ عامل القوة فقط أثبت إخفاقه، حيث لم تستطع دولة فرنسا بكل إمكانياتها القضاء على الإرهاب في مالي والساحل، بل نجحت الجماعات الإرهابية في البقاء والتوسع. العامل الثالث لتوسع الإرهاب بحسب تورشين، يتمثّل في المشاكل السياسية المزمنة التي تعاني منها دول القارة، خصوصاً دول الساحل والصحراء، والتي أدت إلى عقود من التمرد العسكري الذي خلق بيئة أمنية هشة عابرة للحدود، ما أوجد البيئة المثالية لانتشار الإرهاب، وتجنيد مقاتلين سابقين في جماعات التمرد كما في حالة الكونغو الديمقراطية.

ويشدد الأكاديمي السوداني على ضرورة تكامل الجهود الدولية والقارية والإقليمية في مواجهة ظاهرة الإرهاب، وفق مقاربة متكاملة تعالج جذور المشاكل المزمنة في الاقتصاد والسياسية.

مواضيع ذات صلة:

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية