لماذا يطالب متشدوون في إيران بإعدام الرئيس ألف مرة؟

لماذا يطالب متشدوون في إيران بإعدام الرئيس ألف مرة؟


27/10/2020

مطلع العام الحالي، أمّ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، صلاة الجمعة، للمرة الأولى، منذ ثمانية أعوام، وذلك في ظلّ ظروف وسياقات، محلية وإقليمية، معقدة ومرتبكة؛ إذ إنّ طهران، الواقعة تحت تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وسياسة الضغط القصوى التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعاني من الاحتجاجات الشعبية في عدة مدن، من بينها العاصمة طهران، إضافة إلى الضربة الموجعة التي تلقتها إبان مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، ثم سقوط الطائرة الأوكرانية، بواسطة الحرس الثوري الإيراني، ما تسبّب في تفاقم الأزمة الداخلية، وارتفاع وتيرة الاحتجاجات.

دولة الملالي

إثر هذا المشهد المأزوم، داخلياً وخارجياً، برزت تشقّقات عنيفة وتصدّعات في جدار النظام الإيراني؛ حيث ظهر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وهو يغادر المسجد فور الانتهاء من الصلاة، دون تحية المرشد، الأمر الذي عكس حجم الخلافات المحتدمة بين الطرفين على إدارة مجموعة من الملفات، السياسية والاقتصادية، والتي بلغت ذروتها في ظلّ تنامي حالة الجفاء بينهما، وقد سبقتها اتهامات وتلاسن في مناسبات وأحداث متفاوتة، لا سيما أنّ خامنئي عمد إلى وصف المحتجين بأنّهم "لا يمثلون الشعب الإيراني"، كما اتّهمهم بالحصول على دعم من حكومات أجنبية، إضافة إلى رفضه التفاوض مع الدول الأوروبية، وكذا الولايات المتحدة، باعتبار أنّ هؤلاء "لا يمكن الوثوق بهم"، وهو ما يتعارض مع سياسات روحاني، التي يصفها الاتجاه المحافظ داخل النظام بأنّها "مرنة".

لم تكن الحالة الأخيرة هي الاستثناء فيما يتّصل بمسار الخلافات التي تراكمت داخل النظام، وباعدت بين أطرافه، لكنّها مثلت أعلى مراحله، نسبياً، وذلك على ضوء الرمزية الدينية التي عمد المرشد إلى استعادتها وتوظيفها بنفسه، لحسابات سياسية وأيدولوجية، ومحاولة تعبئة الجماهير بخطاب عقائدي لأقصى درجة، خاصة أنّ النظام كان يستعدّ لبدء التصويت على المرشحين في الانتخابات البرلمانية، التي كانت تمثّل له اختباراً لشرعيته، من جهة، وتحدياً لحشد عناصر محددين في مجلس النواب، من جهة أخرى، وقد جاءت النتائج الانتخابية بأغلبية هائلة من التيار الراديكالي، في ظلّ جملة من التجاوزات القانونية والتشريعية التي استهدفت السماح بتمرير أسماء وشخصيات بعينها، ويضاف إلى ذلك، أنّ الصورة المقتضبة والمكثفة التي جمعت بين المرشد والرئيس، كانت أقرب ما يكون إلى إيضاح وتعرية المواقف المتناقضة بينهما. 

إعدام روحاني

قبل أيام قليلة، تحدّث الرئيس الإيراني، أثناء الاجتماع 174 للتنسيق الاقتصادي، في مقرّ الحكومة، عن صعوبة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن الإيراني، لكنّه لفت إلى حجم الخلافات السياسية بين أطراف النظام، والمناوشات الموجودة بينهم؛ حيث يجري استخدامها لرفع المسؤولية عن طرف، واتهام طرف آخر، بهدف النفوذ السياسي، والمكاسب المؤقتة، حسبما أشار.

اتهمت صحيفة "كيهان"، المقرّبة من المرشد الإيراني، تصريحات روحاني بخصوص صلح الحسن ومعاوية، بأنّها بمثابة "تحريف للتاريخ"، ويهدف إلى تبرير السياسات النووية والمفاوضات مع الأعداء اللدودين

وقال روحاني: "أدعوكم إلى حفظ الهدوء والعقلانية السياسية لمنع الخلافات والنزاعات، وعدم السماح لبعض الأشخاص الذين لديهم دوافع فئوية، وحزبية، ووقتية، وعابرة سياسياً، أن يمهّدوا لتحقيق آمال من لا يريدون خيراً لنا".

التصريحات التي أدلى بها روحاني، الأربعاء الماضي، جاءت بعد حملة عنيفة، شهدتها ولعبت على أوتارها، الصحف الإيرانية، التابعة للحرس الثوري، والناطقة بلسان المرشد؛ إذ حاول أن يردّ على هجومها المتتابع والمتكرر، ويبعث برسائل سياسية داخلية، لا سيما أنّ الحكومة تواجه فترة جديدة صعبة بخصوص انخفاض العملة المحلية أمام الدولار؛ وقد قام وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، باتصال هاتفي، بنظيره الياباني، لمطالبته بالحصول على أصول مجمّدة، والأمر ذاته حدث مع كوريا الجنوبية، التي طالبتها طهران بأصول تتراوح بين سبعة إلى ثمانية مليارات دولار.

بيد أنّ ثمة إشارة تسللت إلى حديث روحاني حول إمكانية السلام، ونبذ الحرب، استخدم فيها دلالات دينية معينة من التراث، تعود إلى فترة مبكرة في التاريخ الإسلامي، تسبّبت في هجمة شرسة من رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، علاء الدين بروجردي، الذي طالب بـ "إعدام روحاني ألف مرة"، وذلك حين لفت الرئيس الإيراني إلى السلام بين الإمام الثاني لدى الشيعة، الحسن بن علي، ومعاوية بن أبي سفيان.

اتهامات بين جناحَي النظام

ومن جانبها، اتهمت صحيفة "كيهان"، المقرّبة من المرشد الإيراني، تصريحات روحاني بخصوص صلح الحسن ومعاوية، بأنّها بمثابة "تحريف للتاريخ"، موضحة أنّ "هذا الجزء من تصريحات روحاني التكرارية، يهدف إلى تبرير السياسات النووية والمفاوضات مع الأعداء اللدودين للنظام".

اقرأ أيضاً: الانتهاكات الحقوقية في إيران تعكس خوف السلطة وفزعها

وإلى ذلك، قامت صحيفة "ابتكار" الإصلاحية، المقرّبة من روحاني، بالدفاع عن تصريحاته، وكذا سياساته؛ حيث أشارت إلى أنّ الرئيس الإيراني "بات هدفاً لإساءات الأصوليين"، كما خصصت صحيفة "إيران"، الناطقة بلسان الحكومة، الصفحة الأولى لتغطية الأحداث، والردّ على موجة الدعاية المضادة لسياسات روحاني؛ حيث عنونت صفحتها الأولى بـ "من موجة الإساءات إلى تهديد بالإعدام"، ووضعت خمسة اقتباسات لمؤيدي سياسة الحكومة والرئيس، في صدر الصفحة الأولى.

المعارض الإيراني سيد فاضلي لـ "حفريات": "ليس هناك أيّ فارق بين إصلاحي وراديكالي داخل النظام؛ لأنّ الخلاف بين الطرفين هو خلاف ظاهري، والتناقض بينهما ثانوي

سبق لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن أوضحت، في تقريرين لها؛ أحدهما نشر نهاية العام الماضي، والثاني قبل نحو شهر، حجم الصراع على النفوذ والسلطة داخل النظام الإيراني، ومحاولات الحرس الثوري للتمدّد وفرض الهيمنة، ووضع قبضته على كافة مؤسسات الدولة؛ إذ ألمح التقرير الأخير إلى رئاسة البرلمان من جانب، الجنرال السابق في الحرس الثوري، محمد باقر قالبيقاف، فضلاً عن انتساب ثلث أعضاء المجلس من الجناح ذاته، وعليه؛ رجّحت المجلة أنّ "إيران ستشهد حكومة، خلال الفترة القادمة، يديرها الحرس الثوري، والذي بدأ يعتمد على أوساط غير تقليدية للوصول لجماهير جديدة ومختلفة، وتحقيق أهدافه من الدعاية السياسة والأيديولوجية؛ إذ اقتحم مجال السينما بعد أن كانت هيئة غير شرعية، كما أنّ المخرجين الإيرانيين الذين يتعاملون مع الحرس الثوري، كانوا من أنصار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وذلك بهدف الترويج لدولة الملالي للأجيال الجديدة عن طريق الفنّ، خاصّة الفئات العمرية التي لم تشهد الثورة الخمينية، مثلاً، أو الحرب العراقية الإيرانية".

النظام الإيراني بين الدولة الثورة

وبحسب المجلة الأمريكية، في تقريرها المنشور، خلال النصف الثاني من العام 2019؛ فإنّ صراعاً خفياً بدأ يتنامى ويتصاعد بين المرشد  الإيراني والحرس الثوري، من جانب، والرئيس الإيراني، من جانب آخر، وقد وصفته بأنه "ربما، يخرج عن السيطرة"، كما لفتت إلى خطاب خامنئي، الذي تحدّث فيه عن دور الحرس الثوري في حماية "الثورة"، وقد دعاه إلى الاستعداد إلى أحداث كبيرة في المستقبل، دون تحديد أو إيضاح، بيد أنّ التقرير أوضح أنّ الرئيس الإيراني، غير قادر على تحقيق أيّة نتائج سياسية أو إصلاحية، بسبب محدودية قدراته، ومن ثمّ سيظلّ الوضع جامداً ومتداعياً إذا لم يتم توزيع السلطة.

وبحسب المعارض الإيراني، سيد فاضلي؛ فإنّ الخلاف بين المرشد والرئيس هو، في الأساس، صراع تاريخي وممتدّ منذ عام 1979، ويبرز أزمة بنيوية داخل النظام الذي لم يستطع الانتقال من الثورة إلى الدولة، ومن ثمّ؛ فإنّ الحرس الثوري، الذي تمّ تدشينه في أعقاب نجاح دولة الملالي، كان يستهدف حماية النظام الناشئ وقتها، وعليه؛ تمّ إهمال المؤسسات الوطنية التي ارتبطت بالشاه والنظام السابق وتهميشها، ومن بينها الجيش؛ لذلك فإنّ أحد الصراعات المعلنة داخل سلطة الولي الفقيه، تدور بين الحرس الثوري والجيش الإيراني؛ حيث لا يمكن مقارنة الميزانية الهائلة التي يحظى بها الأول في مقابل الأخير، وكذا نفوذ السياسي، ومستوى التسليح.

اقرأ أيضاً: إيران بين الأيديولوجيا والبراغماتية

ويضيف فاضلي لـ "حفريات": "ليس هناك أيّ فارق بين إصلاحي وراديكالي داخل النظام؛ لأنّ الخلاف بين الطرفين هو خلاف ظاهري، والتناقض بينهما ثانوي؛ ويرتبط بمساحات النفوذ السياسي، من ناحية والمصلحة الاقتصادية، من ناحية أخرى، لا سيما أنّ اقتصاديات كلّ طرف ترتبط بالاتجاهات السياسية المتبعة؛ فالحرس الثوري، من خلال مؤسساته الاقتصادية والتجارية، يحقّق طفرات مالية عبر الحروب بالوكالة، وعمليات التهريب للسلع والبضائع والمنتجات، إضافة إلى استخدام الميلشيات في الصراعات الإقليمية؛ ومن خلال تلك الشبكة المعقّدة، التي يتصدّى النظام لمحاولات تفكيكها أو إضعافها، تنطلق العديد من الصراعات، كما هو الحال مع أزمة كورونا في طهران، حيث تمّت عسكرة الأزمة الصحية، واحتكار إدارة الأزمة من جانب المستشفيات التابعة للحرس الثوري".    



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية