لماذا يكثّف داعش-خراسان دعايته المناهضة للصين؟

لماذا يكثّف داعش-خراسان دعايته المناهضة للصين؟

لماذا يكثّف داعش-خراسان دعايته المناهضة للصين؟


08/04/2023

عبد الباسط

الدعاية تمثّل شريان الحياة للجماعات الإرهابية. ذلك أنها لا ترتكب العنفَ من أجل العنف، بل من أجل لفت الأنظار إلى أُطرها ومظالمها ومطالبها السياسية والأيديولوجية1. وفقًا للويز ريتشاردسون، يريد الإرهابيون ثلاثة أشياء2: الانتقام (للفظائع الحقيقية أو المتخيّلة)، ورد الفعل (استفزاز الإرهابيين المضادين لاستخدام القوة المفرطة لتوليد سرديّة المظلومية) والشهرة (الظهور). في هذه الحالة، تريد ولاية داعش-خراسان الانتقام للأويغور، الذين اشتهروا بكونهم الجماعة الجهادية الأكثر صخبًا ضد الصين، ورد الفعل من خلال استفزاز الصين ونظام طالبان وباكستان للعمل ضد الجماعة، ومن أجل بناء سرديّة المظلومية.

في العصر الرقمي، اكتسبت الدعاية أهمية إضافية للجماعات الإرهابية، حيث توسّعت ساحة المعركة وامتدت من الفضاء المادي إلى الفضاء الإلكتروني. وقد أجبرت الجماعات الإرهابية على امتلاك وحدات دعاية مُخصصة ومتخصصة، ضمن هياكلها التنظيمية، والحفاظ على حضورها على منصات التواصل الاجتماعي.

منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وعودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، زادت الدعاية الجهادية ضد الصين أضعافًا مضاعفة. علاوة على ذلك، أسهم توسّعها العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق الطموحة، المنتشرة في جميع أنحاء آسيا وأفريقيا، في الارتفاع الهائل في الدعاية الجهادية ضد بكين. وبالمثل، فإن تقارب بكين المتزايد مع نظام طالبان جعلها أيضًا في مرمى الجماعات المسلحة المناهضة للصين في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

من بين جميع الجماعات الجهادية، كان تنظيم داعش الإرهابي في طليعة الدعاية المعادية للصين في السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، من بين فروع داعش في جميع أنحاء العالم، أنتج فرعه الأفغاني، ولاية خراسان، أكبر كمية من المواد الدعائية ضد بكين. ولخلق مساحة لنفسه في المشهد التنافسي في منطقة أفغانستان وباكستان، كان تحويل ماكينتها الدعائية نحو قوة عالمية صاعدة مثل الصين يمثل “ضربة مُعلم” من جانب داعش-خراسان.

في الوقتِ نفسه، فإن الأثر الاقتصادي للصين في باكستان -من خلال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، جزء مهم في مبادرة الحزام والطريق، والشراكة الاقتصادية مع نظام طالبان- وفَّر لداعش-خراسان فرصًا دعائية هائلة.

تطوّر دعاية داعش-خراسان المناهضة للصين

على الرغم من أن داعش-خراسان وضعت الصين نصب أعينها في وقتٍ مبكر من عام 2015، فإنها تحوّلت إلى أكثر الجماعات المسلحة المناهضة للصين عدائيةً في جنوب آسيا، بعد أن استولت طالبان على أفغانستان. وفي الوقت الذي تجنّبت فيه الجماعات الجهادية الأخرى، مثل حركة طالبان باكستان، وحركة طالبان الأفغانية، وإلى حدٍّ أقل تنظيم القاعدة، انتقاد الصين بسبب فظائعها ضد مجتمع الأويغور المسلم في مقاطعة شينجيانغ، تدخل لداعش-خراسان بذكاءٍ لاستغلال هذه المساحة الدعائية واحتكارها.

وعلى نحو مماثلٍ، فإن السلوك الحذر الذي اتبعته جماعة الأويغور المسلحة، الحزب الإسلامي التركستاني، لتجنب استعداء طالبان، مكّن أيضًا خطاب داعش-خراسان المناهض للصين.

المرحلة الأولى: الشراكة بين الصين وطالبان

على أية حال، تطورت دعاية داعش-خراسان المناهضة للصين في ثلاث مراحل متميزة:

في المرحلة الأولى، استهدفت الجماعة الشراكة الأمنية والدبلوماسية بين الصين وطالبان قبل استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان. انفتحت بكين على طالبان في عام 2015 بعد صعود داعش-خراسان، الذي كان يهدف أيضًا إلى زيادة التكاليف السياسية والعسكرية والمالية للولايات المتحدة للبقاء في أفغانستان، ما أجبرها في النهاية على الخروج من الدولة.

نتيجة لهذه الشراكة، قدمت الصين الدعم الدبلوماسي لطالبان، واستضافت بعض مؤتمرات القمة بين الأفغان، حيث منحت طالبان مقعدًا على الطاولة. في المقابل، تعهدت طالبان بالقضاء على وجود داعش في أفغانستان، وتطهير المناطق الحدودية الصينية المتاخمة لأفغانستان.

بعد عودة طالبان إلى السلطة، سلّط داعش-خراسان الضوء بشدة على التعاون الاقتصادي بين طالبان والصين. ففي يناير 2023، توصلت شركة صينية، شركة شينجيانغ آسيا الوسطى للنفط والغاز “كابيك” (CAPEIC)، إلى اتفاق مع وزارة المناجم والبترول التابعة لطالبان في كابول. وبموجب الاتفاقية، ستقوم “كابيك” بتطوير حقلٍ نفطي في مقاطعة سار بول الشمالية، واستخراج النفط من حوض آمو داريا.

في البداية، ستستثمر كابيك 150 مليون دولار، وستزيد لتصل إلى 540 مليون دولار في غضون ثلاث سنوات. ومن المرجّح أن يوفّر الاتفاق 3000 فرصة عمل إلى جانب منح نظام طالبان شراكة بنسبة 20% في العقد الذي تبلغ مدته 25 عامًا.

كما بدأت الصين في إرسال مساعداتٍ إنسانية إلى نظام طالبان منذ عودة الحركة للسلطة. في ديسمبر 2022، هاجم داعش-خراسان فندقًا يرتاده مواطنون صينيون في كابول لثني الشركات الصينية عن الاستثمار في أفغانستان.

كان الهجوم بمثابة طلقة تحذيرية من داعش-خراسان للصين بعدم الاستثمار في أفغانستان، وزيادة تعميق ارتباطاتها الاقتصادية مع نظام طالبان.

المرحلة الثانية: الفظائع ضد مجتمع الأويغور

في المرحلة الثانية، كثّف داعش-خراسان دعايته التي تركز على الصين لتسليط الضوء على الانتهاكات والفظائع التي ترتكبها بكين ضد مجتمع الأويغور المسلم في مقاطعة شينجيانغ. يتهم داعش-خراسان الصين بتنفيذ إبادة جماعية منهجية وذبح للأويغور الذين يعيشون في شينجيانغ وتحويل المقاطعة بأكملها إلى سجن جماعي.

هذا التيار من دعاية داعش-خراسان المناهضة للصين يسلّط الضوء بشدة على معسكرات الاعتقال الجماعي التي أنشأتها الصين. في الصين، يُشار إلى معسكرات الاعتقال هذه رسميًا باسم “مراكز التعليم والتدريب المهني”. وقد ظهر ما يصل إلى 380 من معسكرات الاعتقال هذه في شينجيانغ في العقد الماضي، حيث احتجز قرابة مليون مسلم من الأويغور. وكثيرًا ما تنتقد تنظيم ولاية خراسان منع الصين لمسلمي الأويغور من مراعاة حقوقهم الدينية الأساسية، مثل إطلاق اللحى أو ارتداء الحجاب أو قراءة القرآن أو الصيام خلال شهر رمضان المبارك.

ومن جانبها، تؤكد الصين أنها تستأصل الشرين التوأمين المتمثلين في التطرف الديني، والانفصالية، من خلال معسكرات الاعتقال.

من خلال القيام بذلك، يروّج داعش-خراسان لنفسه على أنه المناصر لقضية الأويغور، ويتعهد بالانتقام من الفظائع التي ترتكبها الصين وتحرير “تركستان الشرقية”، الاسم البديل الذي تستخدمه لشينجيانغ. يصوّر داعش-خراسان ولاية خراسان كبوابة لإعادة احتلال تركستان الشرقية. ومن خلال هذه الدعاية، يؤكد التنظيم لمسلمي الأويغور أنه لم ينسهم، ولن يتخلى عنهم. وهذا أمر مهم بالنظر إلى حقيقة أنه لا توجد جماعة جهادية بارزة تثير قضية الأويغور، باستثناء الحزب الإسلامي التركستاني، ما يترك فراغًا كبيرًا تستغله داعش-خراسان.

كما يناشد داعش-خراسان الحزب الإسلامي التركستاني في أفغانستان للانضمام إلى صفوفه. وهنا، ينبغي ملاحظة أن الحزب الإسلامي التركستاني هو جماعة متحالفة مع طالبان، ولكن في الآونة الأخيرة يشعر الحزب بالنفور من طالبان بسبب العلاقات المتنامية بين الصين وطالبان، وقرار الأخيرة بنقل الأويغور الذين يعيشون في مقاطعة بدخشان الشمالية بالقرب من الحدود الصينية إلى وسط أفغانستان. في وقتٍ لاحق، عاد بعض هؤلاء الأويغور إلى بدخشان.

على أية حال، وفقًا لتقريرٍ صادر عن الأمم المتحدة في يوليو 2022، استطاع داعش-خراسان كسب ولاء حوالي 50 من مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني الساخطين في أفغانستان. وبالمثل، يؤكد تقرير الأمم المتحدة الصادر في فبراير 2023 أن داعش-خراسان قد أقام علاقة تكتيكية مع الحزب الإسلامي التركستاني، حيث يوفر الأخير مدربين عسكريين للأول، ويرسل مقاتليه للانضمام إلى وحدته العملياتية المسؤولة عن تتبع المواطنين الصينيين، وتنفيذ الهجمات. ووفقًا للتقرير، خططت كلتا الجماعتين لشراء أسلحة في كابول في يوليو 2022 وشن هجماتٍ ضد مواطنين صينيين في أفغانستان.

كان الانتحاري محمد الأويغوري الذي استهدف مسجدًا شيعيًا في مقاطعة قندوز شمال أفغانستان، في أكتوبر 2021، من الأويغور. ومع ذلك، فليس من الواضح ما إذا كان ينتمي سابقًا إلى الحزب الإسلامي التركستاني أم لا.

وعلى أية حال، يحاول داعش-خراسان المطالبة بالفضاء الجهادي الأويغوري في المنطقة بمساعدة أو بدون مساعدة الحزب الإسلامي التركستاني. لذا، فإن دعاية داعش-خراسان التي تُركز على الأويغور إلى جانب نجاحاتٍ محدودة في التحالف مع الحزب الإسلامي التركستاني تظهر أن التنظيم يحقق نجاحًا نسبيًا في استغلال خطوط الصدع هذه.

في كتابٍ صدر مؤخرًا3، انتقد داعش-خراسان قومية “هوي” أو “خوي” المسلمة في شينجيانغ -التي أصبحت الآن جزءًا من الجهاز الحكومي- بزعم قبولها للقواعد الصينية. ومن المثير للاهتمام أن داعش-خراسان يحث الحزب الإسلامي التركستاني على الانضمام إليها، بينما تصوّر طالبان على أنها شريك غير موثوق بهم منعهم من مهاجمة الصين. يناقش الكتاب استراتيجية الصين في أفغانستان بالتفصيل ويقسِّمها إلى 10 أهداف بدرجاتٍ متفاوتة من الأهمية السياسية والاقتصادية والأمنية.

المرحلة الثالثة:

في الآونة الأخيرة، حوّل داعش-خراسان تركيزه الدعائي إلى “الإمبريالية” الصينية المتنامية. نشر عدد سبتمبر 2022 من مجلته الشهرية الرائدة باللغة الإنجليزية، “صوت خراسان”، مقالًا بعنوان “حلم يقظة الصين للإمبريالية”.

يُركز المقال على البصمة الاقتصادية المتنامية لبكين على المستوى العالمي من خلال مبادرة الحزام والطريق4. في المقال، يوضح داعش-خراسان أنه على عكس أوروبا والولايات المتحدة -التي استخدمت إلى جانب قوتها العسكرية البراعة الاقتصادية لكسب الهيمنة العالمية- تفتقر الصين إلى العضلات العسكرية.

وبالتالي، فإنها تستخدم براعتها الاقتصادية من خلال مبادرة الحزام والطريق لتحقيق الهيمنة العالمية. علاوة على ذلك، يجادل داعش-خراسان بأنه على عكس أوروبا أو الولايات المتحدة، فإن الإمبريالية الصينية ستكون قصيرة العمر، مثل إمبراطورية طريق الحرير المغولية في القرن الثالث عشر، التي استمرت أقل بقليل من 100 عام5. ويستشهد المقال بأمثلة على إغلاق الشركات الصينية في موزمبيق بسبب تهديدات الجهاديين المرتبطين بتنظيم داعش.

من الأهمية بمكان ملاحظة أن تهديدات داعش-خراسان للصين ليست تهديدات جوفاء. ذلك أنه في عام 2017، اختطفت الجماعة أيضًا وقتلت زوجين صينيين في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان، حيث يقع الممر الاقتصادي.

وأخيرًا، يقارن داعش-خراسان أيضًا مبادرة الحزام والطريق الصينية بالإمبريالية البريطانية، التي انتشرت في شبه القارة الهندية من خلال شركة الهند الشرقية سيئة السمعة. حققت شركة الهند الشرقية نجاحاتٍ في شبه القارة الهندية بحجة ممارسة الأعمال التجارية، ومهدت الطريق للقوات الإمبريالية البريطانية للاستيلاء على المنطقة.

إن مقارنة داعش-خراسان لصعود الصين العالمي بالإمبريالية البريطانية مفيدة بالقدر ذاته لأنها استندت أيضًا إلى نجاحات اقتصادية وشهدت سقوطًا في أقل من قرنين بقليل (1757-1947).

الخلاصة

مع احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ستجد بكين نفسها على نحوٍ متزايد في مواجهة الخطاب الجهادي لداعش-خراسان. هذه هي الطريقة التي يتموضع بها تنظيم داعش، وبالتالي داعش-خراسان، للحفاظ على أهميته في عصر منافسة القوى العظمى.

بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، يستخدم داعش-خراسان الصين كعدو لدود لتبرير عنفه وتعزيز حملات التجنيد وجمع الأموال. على مدى العقود الثلاثة الماضية، كانت التدخلات الأمريكية في العراق وأفغانستان هي العوامل الدافعة وراء الدعاية والروايات الأيديولوجية للجماعات الجهادية العالمية. في عصر منافسة القوى العظمى، أصبحت “الإمبريالية” الصينية من خلال مبادرة الحزام والطريق والفظائع ضد الأويغور الآن المحور الرئيس للجماعات الشبيهة بداعش-خراسان.

وختامًا، يرى داعش أن التحوّل الحاصل في الأوضاع الجيوسياسية العالمية، حيث تتواجه الولايات المتحدة والصين حول تايوان، وتتصادم أوروبا وروسيا حول أوكرانيا، من شأنه أن يخلق فرصًا يمكن أن يستغلها لاستعادة “خلافته” المزعومة.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية