لمعرفة ما ينتظر غزة يجب العودة إلى الغزو الإسرائيلي للبنان (1-3)

لمعرفة ما ينتظر غزة يجب العودة إلى الغزو الإسرائيلي للبنان (1-3)

لمعرفة ما ينتظر غزة يجب العودة إلى الغزو الإسرائيلي للبنان (1-3)


02/12/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

يسمّيه النّاس الآن «مخيّم الشّهداء». يقع مخيّم اللاجئين هذا بين تلال خلّابة وبساتين حمضيّات بالقرب من الحدود الإسرائيليّة، وقد كان موطناً لجهاز خدمة اجتماعيّة وتجنيد سياسيّ ونضاليّ واسع النّطاق أنشأته منظّمات فلسطينيّة. ولذلك، عندما بدأ الغزو، كان المخيّم على رأس قائمة أهداف إسرائيل. أولاً، حاصرت قوات شِبه عسكريّة مدعومة من إسرائيل المخيّم، وطوّقت المدنيّين في الدّاخل. ثمّ وصلت عشرون دبّابة تابعة لجيش الدّفاع الإسرائيليّ. 

وطبقاً لشهود عيان، فإنّ دبّابات الجيش الإسرائيليّ قصفت سلالم المباني – وهي في كثير من الأحيان أضعف نقطة في أيّ مبنى – لتدمير طرق الهروب والتّوغّل إلى الملاجئ الموجودة تحت الأرض. وأعقب هذا قصف جويّ مكثّف. أصابت قنبلة مركزاً مجتمعيّاً، ومن بين المدنيين الـ 96 الذين لجأوا هناك، لم يبق سوى اثنين على قيد الحياة. وصمدت الميليشيّات الفلسطينيّة المتواجدة في المخيّم لمدّة ثلاثة أيّام ونصف اليوم. وفي نهاية المطاف، استخدم الجيش الإسرائيلي أيضاً الفسفور الأبيض لإخضاعهم. 

يقول النّاجون إنّهم يتذكّرون الخطوط الضّبابيّة التي تركتها المادّة الكيميائيّة في الهواء، إلى جانب الحروق السّوداء التي تشبه الحُفر التي تركتها على جلود النّاس. ووفقاً لزعماء بالمجتمع المحلّيّ، فقد أسفرت المعركة عن مقتل ما يقرب من  2,600 شخص من سكان المخيّم البالغ عددهم 16,000 نسمة.

إنّ أوجه التّشابه بين غزو إسرائيل للبنان وعمليّاتها في غزّة تتجاوز مجرّد اختيار التّكتيكات

يمكن أن يكون هذا الهجوم مشهداً من حرب إسرائيل الحالية في غزّة، حيث استخدم جيش الدّفاع الإسرائيليّ الدّبّابات والغارات الجويّة و(وفقاً لجماعات حقوقيّة) الفسفور الأبيض في هجماته على المدن الفلسطينيّة ومخيّمات اللاجئين. لكن هذه المعركة حدثت خلال صراع وقع قبل 41 عاماً. كان الهجوم على «البرج الشّماليّ»، الاسم الرّسميّ لـ«مخيّم الشّهداء»، من أوّل المعارك الحَضَريّة خلال الغزو الإسرائيليّ للبنان عام 1982. وقد بدأت الحرب بعد أن حاولت مجموعة فلسطينيّة هامشيّة اغتيال سفير إسرائيل لدى المملكة المتّحدة. كان الهدف المباشر للغزو هو القضاء على منظّمة التّحرير الفلسطينيّة، وفصائلها الفدائيّة (ومن بينها فتح والجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين)، وغيرها من الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة. لكن كان للمسؤولين الإسرائيليّين طموحات أخرى أيضاً. فبينما استهدف القادة الإسرائيليّون البنية التّحتيّة العسكريّة والمدنيّة الفلسطينيّة في جنوب لبنان، كانوا يأملون في إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيليّة اللبنانيّة، وإنهاء الوجود السّوريّ في لبنان، وتنصيب حكومة مسيحيّة يمينيّة صديقة في بيروت.

 

ما سيكتشفه صناع القرار الإسرائيليون كان ينبغي عليهم أن يفهموه بالفعل ويعرفه الخبراء الإقليميون منذ أعوام: لا يوجد حل عسكريّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني

 

إنّ أوجه التّشابه بين غزو إسرائيل للبنان وعمليّاتها في غزّة تتجاوز مجرّد اختيار التّكتيكات. وفي ذلك الوقت، وكما هي الحال الآن، بدأ الغزو بعد هجوم فلسطينيّ صادم. وفي ذلك الوقت، وكما هي الحال الآن، اختار زعماء إسرائيل الصّقور الرّد الأقصى. وفي ذلك الوقت، وكما هي الحال الآن، دار قسم كبير من القتال في مناطق حَضَريّة مكتظّة بالسّكان، حيث انتشر المقاتلون غالباً بين المدنيّين. وفي ذلك الوقت، وكما هي الحال الآن، استخدم الجيش الإسرائيليّ القوّة بشكل غير متناسب.

هذا التّوازي لا يُثلِج الصّدر. إذا كان لنا أن نسترشد بلبنان، فإنّ حرب إسرائيل في غزّة سوف تنتهي بشكل سيء بالنّسبة إلى كلّ من الفلسطينيّين والإسرائيليّين. ورغم تفوقها العسكريّ، لم تنجح إسرائيل قطّ في القضاء على منظّمة التّحرير الفلسطينيّة. بدلاً من ذلك، تمثّلت الإنجازات الأساسيّة للجيش الإسرائيليّ في قتل عشرات الآلاف من المدنيّين، وتجزئة الجماعات الفلسطينيّة إلى خلايا أصغر أمضت أعواماً في تنفيذ عمليّات كرّ وفرّ، وإلهام عمليّة صعود حزب لبنانيّ مُسلّح جديد، ألا وهو حزب الله، وخسارة أكثر من 1,000 من مواطنيها في احتلال امتدّ حتّى عام 2000. إنّه نمط بدأ يتكرّر بالفعل مرّة أخرى. وحتّى يوم 12 تشرين الثّاني (نوفمبر)، عندما قطع هجوم الجيش الإسرائيليّ الاتّصالات مع العديد من مستشفيات غزّة، كان ما لا يقلّ عن 11,000 مدنيّ فلسطينيّ قد ماتوا بسبب القتال، وهو رقم سيستمرّ في الارتفاع. وقد أدّى الهجوم الذي شنّته حماس في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) إلى مقتل نحو 1,200 إسرائيليّ، أغلبهم من المدنيّين، وزعمت حماس أنّ بعضاً من الرّهائن الإسرائيليّين الـ 240 الذين تمّ أسرهم أثناء التّوغّل لقوا حتفهم بسبب قصف القوّات الإسرائيليّة لغزّة. وفقد الجيش الإسرائيليّ ما لا يقل عن 39 جنديّاً في غزّة أيضاً.

بعد أن تنتهي الحرب، من غير المرجّح أن تتمكّن إسرائيل من القضاء على حماس أو الجهاد الإسلاميّ

وبعد أن تنتهي الحرب، من غير المرجّح أن تتمكّن إسرائيل من القضاء على حماس أو الجهاد الإسلاميّ. قد تؤدّي الحرب إلى إضعافهما إلى حدّ كبير، كما فعل جيش الدّفاع الإسرائيليّ مع منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والعديد من الفصائل الفدائيّة في عام 1982. لكن ستعيد كلّ من حماس والجهاد الإسلاميّ تشكيل نفسها، وسوف تظهر منظّمات أخرى لملء أيّ فراغ، تماماً كما فعلت الجماعات الإسلامويّة في أواخر الثّمانينيّات من القرن الماضي.

 ما سيكتشفه صنّاع القرار الإسرائيليّون هو أمر كان ينبغي عليهم أن يفهموه بالفعل ويعرفه الخبراء الإقليميّون منذ أعوام: لا يوجد حلّ عسكريّ للصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ.

يتبع جزء ثانٍ...

مصدرالترجمة عن الإنجليزية:

سارة باركنسون، فورين أفيرز، 17 تشرين الثّاني (نوفمبر) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية