ما أهداف تركيا من الاتفاق العسكري مع ألبانيا؟

ما أهداف تركيا من الاتفاق العسكري مع ألبانيا؟


05/08/2020

تُعدّ ألبانيا دولة استراتيجية بالنسبة إلى تركيا، ليس فقط لكونها إحدى دول منطقة البلقان التي يربطها تاريخ طويل، البعض يصنفه استعمارياً وآخرون يرونه أساساً للتعاون والبناء، ولكن أيضاً لمحاذاتها اليونان التي يحتدم صراعها مع تركيا على وقع ملفات عديدة، فيما تحاول قوى إقليمية إخماد بركان الصدام بينهما لأطول فترة ممكنة.

اقرأ أيضاً: هكذا قدم عرض عسكري في طرابلس الولاء لتركيا

وفيما تبدي تركيا استعداداً للحوار مع اليونان، وترجئ إلى حين خطط التنقيب عن الغاز في المنطقة، التي تؤكد اليونان أنّها ضمن مجالها المائي الإقليمي، فيما تدّعي تركيا أنّها تقع في جرفها المائي، فإنّ التسويف التركي البادي للأزمة لا يمكن اعتباره "هدوءاً بريئاً" أو "فقيراً" من قبل تركيا، التي تعتمد سياسة الرقص على عدّة حبال في آنٍ واحد.

أحد تلك الحبال منطقة البلقان، التي تستخدمها تركيا على نحو لافت لاستعراض القوة، فضلاً عن أهداف ليست ببعيدة، منها توطيد التواجد "عسكرياً" في تلك المنطقة.

هدف "إنشاء قاعدة عسكرية"، الذي لم تفصح عنه تركيا أو ألبانيا صراحة حتى الآن، لا يدل عليه فقط التتبع للمسار التركي على مدار الأعوام الماضية، ولكن يدعمه ويمهّد له أيضاً الاتفاق العسكري المبرم بين تركيا وألبانيا منذ أيار (مايو) الماضي، بدعوى تقديم الدعم العسكري التركي للقوات الألبانية.

 

الرئاسة الألبانية صادقت على اتفاق يهدف إلى تعزيز التعاون العسكري مع تركيا

وتعمد الاستراتيجية التركية خلال السنوات الماضية إلى تراجع الدبلوماسية التركية، وأدوات القوى الناعمة، مقابل إشهار القوى الغليظة، فهي لم تعد تلوّح بالعصا بل تغرسها في أراضٍ عدّة، سواء كانت في صورة ميليشيات كما في سوريا وليبيا، أو قواعد عسكرية صريحة كما في قطر، حليفتها الاستراتيجية، أو في الصومال، التي نفذت إليها من باب المساعدات، أو في شمال العراق بدعوى مواجهة "الإرهابيين"، أو في السودان حيث طمحت من قبل لإنشاء قاعدة عسكرية فيها.

وقد أصدرت الرئاسة الألبانية، أول من أمس، بياناً حول التعاون العسكري التركي ـ الألباني، جاء فيه: إنّ الرئيس الألباني، إيلير ميتا، صادق على اتفاقية وبروتوكول حول التعاون المالي والعسكري مع ​تركيا، مشيرة إلى أنّ  "الإسهامات التي قدمتها تركيا للقوات المسلحة الألبانية تعكس إرادتها المتواصلة منذ سنوات في دعم العلاقات المستقرة مع جمهورية ​ألبانيا​".

اقرأ أيضاً: "فايننشال تايمز": أردوغان يقامر باقتصاد تركيا

وأضافت الرئاسة الألبانية أنّ "الاتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري مع تركيا في إطار علاقات التعاون والصداقة المستقرة"، بحسب ما أورده موقع النشرة.

وأضاف الموقع أنه بموجب الاتفاقية ستستلم ألبانيا من تركيا تمويلاً على شكل منحة، لتستخدمه لاحقاً في شراء خدمات ذات أغراض عسكرية.

ولا تبدو الاتفاقية غريبة إذا ما أبرمت مع دولة أخرى لا تملك خطط تركيا وسوابقها، فقد اتبعت تركيا النهج ذاته مع الصومال، ومن منطلق التعاون العسكري، ومساعدة الدولة في مواجهة الإرهاب، رغم أنها عملياً متهمة بدعم الإرهاب هناك، فقد وضعت قدماً عسكرية بقاعدة كبيرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2017.

يقول الباحث في العلاقات الدولية مصطفى صلاح: إنّ المتتبع لسياسة تركيا الخارجية يلاحظ أنّ أنقرة تعتمد على الانتشار الثقافي والاقتصادي كبداية للتواجد العسكري التقليدي من خلال القواعد العسكرية.

اقرأ أيضاً: هل تسعى تركيا للتمدد إلى لبنان انطلاقاً من الشمال؟

ويتابع في حديثه لـ"حفريات": أنّ القواعد العسكرية التركية في الخارج جاءت نتيجة لتنامي العلاقات الاقتصادية مع الدول التي تضمّها، وليس من المستبعد أن تتجه تركيا نحو إنشاء قاعدة عسكرية لها في ألبانيا، وخاصة أنّ الاتفاق الثنائي الموقع مع ألبانيا يهدف إلى تعزيز التعاون العسكري وتدريب القوات، كبداية لتعاون أكبر مستقبلاً، وما قد تمثله هذه الاتفاقية من أهمية في تعزيز النفوذ التركي بمختلف مستوياته.

البلقان ليست بديلاً للشرق

وإلى جانب ألبانيا، استغلت تركيا مناوشات عسكرية بين أذربيجان وأرمينيا في تموز (يوليو) الماضي، لدعم الأولى التي تُعدّ أحد أبرز مناطق النفوذ التركي في البلقان، وتجري حالياً مناورات عسكرية مع أذربيجان، ردّاً على أخرى بين أرمينيا وروسيا اللتين تجمعهما اتفاقية دفاع.

 

باحث في العلاقات الدولية: أنقرة تعتمد على الانتشار الثقافي والاقتصادي كبداية للتواجد العسكري التقليدي

وانطلاقاً من ذلك، يوضح صلاح أهمية منطقة البلقان لتركيا قائلاً: تعتبر منطقة البلقان أحد الأحواض الجيوسياسية المهمّة لسياسة تركيا الخارجية، وعلى الرغم من حقيقة أنّ بعض دول شبه جزيرة البلقان لديها تصور تاريخي سلبي عن تركيا، في إشارة إلى أرمينيا، بسبب الاحتلال العثماني السابق لهذه الأراضي، إلّا أنّ بعض الدول لديها علاقات وثيقة مع أنقرة، وتعمل اليوم كجسر يربط تركيا في هذه المنطقة مع المناطق المجاورة.

ويضيف أنّ "الاهتمام التركي بهذه المنطقة يأتي كمحاولة من جانب أنقرة لتحقيق مصالحها، خاصّة بعدما شهدت السياسة التركية تراجعاً في المنطقة العربية، ولعل دعمها أذربيجان من قبل في مواجهة أرمينيا وإبرامها اتفاقاً عسكرياً مع ألبانيا ما هو إلّا مؤشر على تصاعد الاهتمام بهذه المنطقة".

ويتابع أنّ تركيا لاعب نشط في البلقان، وهي تنطلق من أنّ ألبانيا، مثل العديد من الدول الأخرى في شبه الجزيرة هذه، تتبع مجال نفوذها. وقد دعمت أنقرة انضمام تيرانا إلى الناتو من قبل، وتمتلك علاقات اقتصادية كبيرة معها، وهذا الاقتصاد من النوع الموجّه، أي في قطاعات محددة لكي تضمن من خلاله التأثير عليها في إطار أهدافها.

وضمن السياق ذاته، تسعى دول غرب البلقان إلى إقامة علاقات استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي في إطار جهودها للانضمام إلى الاتحاد. ومع حزمة التوسع الجديدة التي أوصت بها المفوضية الأوروبية ستكون ألبانيا أول من يبدأ محادثات الانضمام، بحسب الباحث.

وسبق أن تعثر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لتستبدل حلم أن تصبح دولة أوروبية، باستعادة حلمها القديم المستعمل حيث "الدولة العثمانية" من الخزانة، دون وضع أيّ اعتبار للتغيرات الإقليمية والدولية.

 

دول البلقان عليها الاختيار بين تركيا والاتحاد الأوروبي في ظلّ التوترات المتصاعدة بينهما

ومن ثمّ فإنّ توسع تركيا ولعبها دوراً في البلقان لا يبدو بديلاً عن طموحها في الشرق الأوسط أو أفريقيا، وفيما تنفق على تلك الأحلام، تضع خططاً للاستفادة من تلك الدول.

يقول صلاح: تدرك تركيا أهمية تواجدها بنفوذ كبير داخل ألبانيا لمحاولة الاستفادة منها اقتصادياً وسياسياً، وجذب دول البلقان الأخرى إلى تحقيق أهدافها الجيوستراتيجية من جهة، ومن جهة أخرى ضمان التأثير على دول الاتحاد الأوروبي.

 كما تُعدّ ألبانيا من الدول ذات الأهمية الكبرى بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وخاصّة فيما يتعلق بقضية اللاجئين، ولعل اتفاق كلٍّ من تركيا وألبانيا على تسكين اللاجئين في المقاطعات والمدن في جنوب ألبانيا ذات الأغلبية اليونانية من شأنه المساهمة في تغيير ديموغرافية هذه المنطقة في تحدٍّ واضح لليونان من جانب، ومن جانب آخر ضمان امتلاك ورقة ضغط من جهة جغرافية مختلفة على دول الاتحاد الأوروبي، بحسب الباحث.

اقرأ أيضاً: كيف تسعى تركيا لتطويق المنطقة العربية بالحزام الأفريقي؟

ويُعدّ ملف اللاجئين أحد أبرز الأسلحة التي تشهرها تركيا في وجه أوروبا كلما دعت الحاجة، حيث تبتزّ أنقرة أوروبا بموجات من النازحين تجتاح القارة مقابل الحصول على أموال، أو مواءمات سياسية، وقد فتحت تركيا، في آذار (مارس) الماضي، حدودها مع اليونان أمام آلاف اللاجئين.

وعلى صعيد آخر، يشير الباحث السياسي إلى بُعد داخلي بالتغلغل في منطقة البلقان، وهو سدّ الطريق على المعارضة التركية على فتح نفوذ أو تواجد يزعج أنقرة فيما بعد؛ يقول: هذه التوجهات تأتي بالتزامن مع ملاحقة عناصر حركة الخدمة التركية بقيادة الداعية فتح الله غولن داخلياً، وتستهدف تركيا أيضاً مواجهة جماعة الخدمة وانتشارها في دول البلقان.

 

توسع تركيا ولعبها دوراً في البلقان لا يبدو بديلاً عن طموحها في الشرق الأوسط أو أفريقيا

ولفت إلى أنّ السياسة التركية تحاول بصورة أو بأخرى تحقيق مكاسب اقتصادية بشكل خاص لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجهها على خلفية نشاطها التصعيدي في المنطقة العربية، وهو ما يفسّر تركيزها على الجوانب الاقتصادية في تعزيز نفوذها في منطقة البلقان.

وهنا تأكيد آخر على أنّ البلقان لا يمكن أن تشبع نهم تركيا للتوسع في الشرق الأوسط، حيث تُعتبر البلقان خزنة جديدة لتمويل أطماعها.

لكن في المقابل، لا يبدو أنّ تركيا هي الصفقة الرابحة لدول البلقان، أو بعضها، يوضح صلاح: في ظلّ التوترات التركية الأوروبية، فإنّ تلك الدول عليها الاختيار ما بين الاستمرار في التقارب مع الدول الأوروبية أو تركيا، وهو ما يمكن أن يساهم في إشكالية تتعلق بتحديد التوجهات الجديدة لهذه الدول، ومن المتوقع أن تشهد هذه المنطقة تصاعداً في التوترات، ولا سيّما أنّ دول منطقة البلقان يتمّ استخدامها وتوظيفها في السياسة التركية لمقايضة الدول الأوروبية على الكثير من القضايا المشتركة.

الصفحة الرئيسية