ما المانع أن يتوحد الفلسطينيون مجدداً؟

ما المانع أن يتوحد الفلسطينيون مجدداً؟

ما المانع أن يتوحد الفلسطينيون مجدداً؟


03/06/2023

فاضل المناصفة

بالتزامن مع الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية جددت حركة التحرير الفلسطيني “فتح” الدعوة لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالانضمام لها والعمل بشكل جماعي وعلى أسس وطنية من أجل النهوض بها، في الوقت الذي تتعالى فيه بعض الأصوات لوضع منظمة التحرير الفلسطينية داخل المتحف، وتنسب لها الفشل والوهن الذي لحق بالقضية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو الذي يراه المنتقدون لها بمثابة الخطيئة الكبرى التي رهنت مشروع التحرير الكامل ومهدت لشق عصا الطاعة والخروج عن المنظمة.

وإن كانت أوسلو سبب العلة في الأساس إلا أنه لا يمكن تجاهل وجود خلافات عميقة في البرنامج والاتجاهات السياسية والعلاقات الخارجية، والفكر والإستراتيجية والأرضية العقائدية، وهي من بين أبرز المسائل التي تحول دون إتمام صفقة الاندماج الحمساوي – الجهادي في المنظمة.

في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، خاضت حركة حماس حوارات عديدة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لكنها لم تفض إلى انصهار الحركة في بيت المنظمة، لأسباب تتعلق بتعارض الأيديولوجيات في نقاط أساسية منها مفهوم الدولة ومفهوم الكفاح ومفهوم الاستقلال، فالمنظمة تطرح فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة قائمة على أسس ديمقراطية علمانية بينما ترى الحركة في ميثاقها الصادر سنة 1988 أنه لا يمكن استبدال إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية، ووضعت شرطا يقوم على تخلي منظمة التحرير الفلسطينية عن الفكر العلماني، مقابل اتخاذ الفكر الإسلامي كمنهج للحياة ولإدارة الدولة.

ثم اتسعت هوة الخلاف بعد اتفاق أوسلو عندما اتجهت المنظمة إلى خيار السلام، بينما أصرت الحركة على أن فكرة التنازل عن أيّ جزء من الأرض هو مخالف للعقيدة الإسلامية. وبعد أن رفضت حماس المشاركة في انتخابات 1996، جاء إعلان القاهرة 2005 ليقدم من جديد فكرة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينيّة وفق أسسٍ يتمّ التراضي عليها، بحيث تضمّ جميع القوى والفصائل الفلسطينيّة بصفة المنظمّة الممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطينيّ. ولكن الخطأ الكبير قد كان في المرور إلى انتخابات تشريعية دون الاتفاق على تلك الأسس والشروط إلى وضعها إعلان القاهرة.

حركة حماس الفخورة بشعبيتها المكتسبة من الفراغ الذي أحدثه تراجع منظمة التحرير الفلسطينية كانت ترى في الانتخابات فرصة لاكتساح المشهد، ومن ثم تعزيز موقفها في مقترح إصلاح بيت المنظمة وفق الشروط التي تراها مناسبة، أو تمليها هي بعد أن تفضي معركة الانتخابات بتسيّدها للمشهد، وتصبح المنظمة بحكم ما تنتهي إليه النتائج محل نقاش لحلها لا لتعديلها. ولكن ذلك المخطط قد فشل مع تطور الأحداث ومرور مسلسل الصراع على السلطة عبر حلقة الاقتتال الداخلي.

قد يتفق البعض معي في أن اتفاق أوسلوا كان أصل الانقسام الفلسطيني، أما انتخابات 2006 فقد كانت بوادر ظهور الأعراض والعلل بشكل ملموس. والواضح أيضا أنه قبل أن يكون انقساما وصراعا على السلطة قد كان في الأساس صراعا أيديولوجيا بين أفكار متناقضة واتجاهات لا يمكن أن تلتقي سوى في فكرة أن النكبة تعم الجميع، وأن سفينة الوطن وإن غرقت فإنها ستغرق بجميع الفلسطينيين على اختلاف أطيافهم.

استثمرت إسرائيل في ذلك الصراع الأيديولوجي أيما استثمار، إذ أصبح بإمكانها الاطمئنان على فشل حل الدولتين في ظل وجود سلطتين متحاربتين من الصعب أن تتحدا ضد الاحتلال في مشروع يوحد الجبهات ويجمع ما بين الضفة وغزة. ومع أن حماس قد عدلت من ميثاقها في وثيقة 2017 وأبدت قبولا بإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وهو قرار صادر من مجلس الأمن الدولي تحت رقم 242، وأسقطت تهمة “الخيانة” في حق من جلس على طاولة المفاوضات من أجل تحقيق سلام يفضي إلى بناء دولة فلسطينية، إلا أنها أصرت على اعتبار اتفاق أوسلوا مخالفا لقواعد القانون الدولي، أي خطيئة ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية أفضت الى إعطاء الاحتلال الشرعية لإقامة كيانه على أراض فلسطينية، وهو موقف مناقض لنفسه إذ أنه يتهم المنظمة بقبول قرار أدى إلى خسارة الأرض، ولكنه يقبل في نفس الوقت بإقامة دولة فلسطينية وفق القرار ذاته في صيغة توافقية وطنية مشتركة.

تشترك حماس والجهاد الإسلامي في مطالب تعديل ميثاق المنظمة الذي حذفت منه الفقرات التي تدعو للكفاح المسلح والعداء لإسرائيل، كما تشتركان في الآلية التي ستحدد نسب المشاركين في المنظمة. وفيما تعتبر حركة الجهاد الإسلامي المطلب الثاني أقل إلحاحا بالنسبة إليها، بسبب صغر حجم وجودها الشعبي، ترى حماس بوجوب تناسب تمثيلها في المجلس الوطني مع ما حققته من نتائج في الانتخابات البلدية في قطاع غزة والضفة الغربية في 2006، كما ترى أنه من الضروري تغيير القيادة الحالية للمنظمة، وتشكيل قيادة مؤقتة حتى إجراء الانتخابات. وهو يجعلنا نرى صعوبة الوصول إلى توافقات.

حتى وإن تخطينا الخلافات الأيديولوجية الموجودة بين الحركة والمنظمة، فإن الحسابات السياسية بين فتح وحماس قد أصبحت جزءا من المشكلة، بل إنها أساس تعطيل الوصول إلى توافق. ومع أن فتح قد تقدمت باليد الممدودة للحركة في مناسبات عديدة كان آخرها ما جاء في بيان الذكرى السنوية 59 لتأسيس منظمة التحرير، إلا أن الرد على هذا البيان لم يأت بعد من قبل حماس ولا الجهاد الإسلامي. ليصبح عدم الرد جوابا في حد ذاته على تلك الدعوة، التي قد تحتاج إلى اتصالات مع حلفائهما للحصول على توافق حول هذه الخطوة، على اعتبار أن قطر وإيران طرفان فاعلان في غزة ومن الواجب ألاّ تتسبب أي خطوة في خلط الحسابات معهما.

في هذا الوقت العصيب على فلسطين والفلسطينيين، ومع دخول قضيتهم مرحلة خطيرة مع وجود حكومة إسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ الصراع، والتي تسعى إلى تصفية القضية وما تبقى من حل الدولتين، فإنه لا مناص من ترك الخلافات الأيديولوجية والسياسية جانبا، وتغليب المصلحة العامة، وعدم تضييع فرصة جديدة لإنهاء الانقسام وتوحيد الجبهة الداخلية في وجه التحديات المصيرية. غير ذلك سيبقى الفلسطينيون لقمة سائغة للمحتل، وستترتب عن استمرار الانقسام مساحة أكبر تسمح لإسرائيل بالمناورة مستغلة ضعف الموقف الفلسطيني داخليا وخارجيا.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية