ما علاقة الحوثيين والإخوان بسرقة مليار دولار من السعودية؟

ما علاقة الحوثيين والإخوان بسرقة مليار دولار من السعودية؟


31/01/2021

وضع صدور قرار لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي حول اليمن خاتمة لأكبر قصة فساد شهدتها البلاد منذ عام 2011، وقعت في البنك المركزي في عدن، الذي يديره محسوبون على حزب الإصلاح الإخواني ورئاسة الجمهورية.

تبدأ القصة بتقديم السعودية وديعة قدرها ملياري دولار إلى البنك المركزي، بهدف استخدامها في تمويل عمليات استيراد السلع الغذائية الأساسية، وتوفيرها بأسعار معقولة للمواطنين، بما يدعم السياسات النقدية، وتحسين سعر صرف الريال اليمني.

وبعد عامين أعلن البنك عن استهلاك 95 % من الوديعة، في وقت ارتفعت فيه الأسعار بنسب جنونية، وارتفع سعر الصرف من 480 ريال مقابل الدولار، وقت استلام الوديعة، إلى 930 ريال للدولار.

الفساد والحرب حرما الشعب من الحصول على الغذاء

وأرجع تقرير الخبراء سبب الانهيار إلى مجموعة عوامل؛ من بينها تواطؤ إدارة البنك مع مجموعة من التجار على احتكار استيراد السلع، مقابل سعر دولار أقل، ما أدى إلى خسارة 423 مليون دولار من الوديعة، ذهبت مباشرة إلى التجار، ووصف التقرير ذلك بأنّه جرائم غسيل أموال، تورطت فيها الحكومة الشرعية.

اقرأ أيضاً: اليمن.. بعثة الأمم المتحدة لصيانة الناقلة "صافر" تتأخر لهذا السبب

وإلى جانب ذلك؛ هناك ملايين الدولارات نُهبت باسم الاعتمادات الوهمية، وملايين أخرى منحت إلى بنوك تفضيلية في انتهاك صارخ للوائح العمل المصرفي، ما أدى إلى تحميل الشعب اليمني أعباء اقتصادية فادحة، بينما زادت قلة مختارة ثراءً.

نهب 423 مليون دولار

أودعت السعودية مبلغ 2 مليار دولار أمريكي في بنك عدن المركزي، في 31 تموز (يوليو)، 2018، لتمويل استيراد خمس سلع أساسية؛ (الدقيق والسكر والأرز وحليب الأطـفال والزيوت النباتية)، وفق سعر صرف السوق، حيث جرى تعويم الريال في 2017.

كان الهدف من الوديعة ضمان الواردات الأساسية، التي تحفظ الحد الأدنى من الأمن الغذائي للشعب اليمني، إلى جانب المحافظة على سعر صرف الريال، حتى لا ترتفع الأسعار.

يقدر الصحفي اليمني صلاح بن لغبر، حجم المنهوب من الوديعة السعودية بمليار دولار، من بينها 423 مليون دولار، نتيجة الأسعار التفاضلية

وبعد عامين، أعلن البنك المركزي عن نفاد 95 % من الوديعة، وإنفاق مبلغ 1.89 مليار دولار، حتى تاريخ 8 أيلول (سبتمبر)، 2020، عبر 38 دفعة، سددتها السعودية إلى البنك، بناء على اعتمادات صادرة عنه.

وكان الريال انخفض إلى رقم غير مسبوق، مسجلاً 800 ريال مقابل الدولار قبيل التصرف في الوديعة، ثم تراجع أسعاره وصولاً إلى 550 ريال، في الفترة ما بين تشرين الأول (أكتوبر)، 2018، حتى أيلول (سبتمبر)، 2019، وشهدت الفترة استهلاك 1.35 مليار دولار من الوديعة.

ثم عاود الريال التهاوي، مسجلاً سعر 930 مقابل الدولار، في السوق السوداء، وشهد صعوداً وقتياً بوصول الحكومة الجديدة إلى عدن، قبيل أنّ يعاود الهبوط.

وقبيل صدور التقرير الدولي، شدد رئيس الوزراء، معين عبد الملك، في الثاني من شهر كانون الثاني (يناير)، على الإسراع في إنهاء إجراءات تكليف فريق تدقيق مالي خارجي، للتدقيق في عمليات البنك المركزي.

اقرأ أيضاً: "يوتيوب" يتضامن مع الشعب اليمني ضد الحوثيين.. كيف؟

وصدر تقرير لجنة خبراء مجلس الأمن في 27 كانون الثاني (يناير)، العام الجاري، وأشار إلى "أدى سعر الصرف التفضيلي الــذي منحه البنك المركزي اليمني إلى المستوردين إلــى تحقيق أرباح كبيرة، قــبل الاستيراد، ناتجة عن التفاوت في سعر الصرف بين المحدد للتجار وقدره، 440 ريال للدولار، بينما كان سعر الصرف في السوق 748 ريال للدولار، وصولاً إلى 930 ريال للدولار، وكلف هذا التفاوت الوديعة مبلغ 423 مليون دولار".

اقرأ أيضاً: رسالة إلى إدارة بايدن... اليمنيون يثورون على ميليشيات الحوثي الإرهابية

واتّهم التقرير الأممي إدارة البنك المركزي بجرائم غسيل الأموال والفساد.

ومن جانبه؛ نفى البنك المركزي في بيان صدر عقب ساعات من البيان الأممي ما نُسب إليه، مُتهماً جهات معادية بإمداد الفريق الأممي بوثائق مغلوطة، ومؤكداً على دراسة التقرير، فور وصوله رسمياً، والرد عليه.

مسؤولية الإخوان

ويتعلق ما كشفه التقرير الأممي بمراجعة عدد من وثائق البنك المركزي، التي يمكن مقارنتها بمثيلاتها السعودية، التي كانت تمنح الإذن بصرف الدفعات المالية، لكن للوقوف على المصير الكامل للوديعة السعودية يجب توسيع التحقيق ليشمل أوامر الاستيراد، التي منحت لجميع التجار والشركات من الوديعة، والتحقيق في تنفيذ العقود، ومع التجار.

اقرأ أيضاً: لماذا رفضت القوى السياسية والقبلية قرارات الرئيس اليمني؟

وفي ذلك؛ أشار التقرير الأممي إلى عدة ملاحظات، منها أنّ 91 شركة حصلت على أوامر الاعتماد، ومن بينهم، حصلت 9 شركات على 48% من الوديعة السعودية، وجميعها تنتمي إلى شركة قابضة واحدة، وهي مجموعة هائل سعيد أنعم (HSA). وتلقت مجموعة HSA مبلغ 872.1 مليون دولار، مقابل توريد سلع أساسية في السوق اليمني.

ولفت التقرير إلى وجود علاقة قوية بين الشركة القابضة والحكومة اليمنية، نتيجة قيام المجموعة "بتعيين الموظفين السابقين في الأدوار الحكومية الرئيسية، بما في ذلك المناصب العليا في البنك المركزي، ومجلس الوزراء".

وهناك علاقات وطيدة بين مجموعة أنعم وحزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان في اليمن، وتولى الحاج عبد الجبار هائل سعيد أنعم، رئاسة جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية فرع تعز، حتى الاستقالة في 2014.

اقرأ أيضاً: اليمن: لماذا أثار إعلان الإخوان افتتاح ميناء قنا كل هذه السخرية؟

ووفق تقرير منظمة الشفافية الدولية، لعام 2020، جاء ترتيب اليمن في أسفل قائمة الدول المكافحة للفساد، واحتلت المرتبة الثالثة عربياً، بعد الصومال وسوريا، كأشد الدول فساداً، والمرتبة 167 عالمياً في مكافحة الفساد.

ويقول الصحفي اليمني الجنوبي، محمد الكندي: "الفساد مستشرٍ في كافة مؤسسات الدولة، الخاضعة لسيطرة كبار التجار، الذين يمولون عمليات مخالفة للقانون، ولديهم علاقات بجهات مصنفة إرهابياً، في سبيل بقاء ديمومة العنف التي تدر عليهم أرباحاً طائلة".

الصحفي اليمني الجنوبي محمد الكندي

ويورد الكندي، لـ"حفريات" مثالاً واحداً على الفساد يتمثل في "أحمد صالح العيسي، نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادية، المحسوب على الإخوان، فهو المتحكم في واردات النفط، ويجبر الحكومة على الشراء منه بأسعار تفوق السعر العالمي، إلى جانب سيطرته على إنتاج النفط مع الإخوان".

وذكرت صحيفة "الأيام" اليمنية؛ أنّ خمسة مصادر من داخل بنك عدن المركزي أكدت أنّ إدارة البنك تقوم بنقل وثائق من قسم الأرشيف، وحرقها على سطح البنك، عقب أنباء عن وصول لجنة تحقيق سعودية خلال أيام.

الكاتب اليمني أنيس الشرفي لـ"حفريات": هناك 3 بنوك مركزية في اليمن؛ عدن، صنعاء، ومأرب، والأخير يقع تحت السيطرة التامة لحزب الإصلاح الإخواني

وكانت السعودية رفضت تقديم وديعة جديدة إلى البنك، قبيل التحقيق في مصير الوديعة السابقة، وإجراء إصلاحات هيكلية في القطاع المصرفي، وسبق ذلك ترويج مصادر في البنك أنباء عن وصول وديعة سعودية جديدة، وتسبب ذلك في اضطراب أسعار الصرف.

وكشفت صحيفة "الأيام" اليمنية عن قيام الحكومة الشرعية، وقت هيمنة الإخوان، بسحب ملايين الدولارات، إلى وزارة الدفاع من الوديعة المخصصة لتمويل السلع الغذائية الأساسية، وذلك بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر)، 2019.

ونشرت الصحيفة وثيقة تعود إلى وزارة الدفاع، بطلب صرف مبلغ 5 مليارات ريال يمني، ما يوازي 11.3 مليون دولار، وفق سعر الصرف الذي اعتمده المركزي للتجار.

وأشار الكاتب اليمني، أنيس الشرفي إلى وجود ثلاثة بنوك مركزية في اليمن؛ عدن، صنعاء، ومأرب، والأخير يقع تحت السيطرة التامة لحزب الإصلاح الإخواني.

الكاتب الصحفي أنيس الشرفي

ويضيف الشرفي، لـ"حفريات": "البنك المركزي في مأرب يديره حزب الإصلاح بشكل مستقل استقلالاً كاملاً عن سلطة الشرعية في عدن، بالرغم من أنّ حزب الإصلاح أيضاً متغلغل في كافة سلطات الحكومة المركزية في عدن، ولكنه يدير بنك مأرب بشكل مستقل، ويورد إليه أغلب الموارد النفطية والجمركية والضرائبية، ويصرف منه أمراء الحزب على هواهم دون رقابة أو محاسبة".

كيف استفاد الحوثي؟

ويقدر الصحفي اليمني، صلاح بن لغبر، حجم المنهوب من الوديعة السعودية بمليار دولار، من بينها 423 مليون دولار، نتيجة الأسعار التفاضلية.

ويقول بن لغبر، لـ"حفريات": "حزب الإصلاح يسيطر على رئاسة الجمهورية، ومؤسسات حيوية أخرى، وهو المسيطر على إدارة اليمن، وتحالف مع لوبيات الفساد في الشمال والجنوب، في سبيل هزيمة خصومه، والسيطرة على اليمن".

اقرأ أيضاً: هل ربطت واشنطن الصراع اليمني بالبرنامج النووي الإيراني؟

وتعتبر شركة HSA حلقة وصل بين الإخوان والحوثيين، وعمدت الشركة إلى الشراكة مع الطرفين، لوجود مصالح وشركات لها في مناطق سيطرتهما.

وأشار بن لغبر، إلى أنّ "الحوثيين استفادوا من فساد الإخوان، عبر إجبار التجار على تخفيض أسعارهم في مناطق الحوثيين، فمثلاً HSA تبيع كيس القمح في عدن بسعر 18 - 20 ألف ريال، بينما تبيعه في مناطق الحوثيين بعشرة آلاف ريال".

وإلى جانب ذلك؛ قامت إدارة البنك المركزي الحالية بإقصاء الكوادر المنتمية إلى جنوب اليمن، والتي جرى تعيينها خلال السنوات الأخيرة، عقب نقل البنك إلى عدن، وتعيين كوادر من المناطق الحوثية.

الصحفي اليمني، صلاح بن لغبر

وقال تقرير سابق، بتاريخ 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، الماضي، نشرته صحيفة "الأيام"؛ إنّ محافظ البنك المركزي السابق، محمد زمام، قام باستدعاء منصور راجح، ومعه فريق من قطاع الرقابة في بنك صنعاء المركزي، توظيفهم في قطاع الرقابة في عدن، ما سمح للحوثيين بالاطلاع على سير العمليات المصرفية في عدن، وتوظيفها لصالحهم.

ويذكر الكاتب صلاح بن لغبر "ليست هذه الوديعة السعودية الأولى التي يتم سرقتها، بل سبقتها عدة ودائع على مدار عقود".

وكانت الحكومة اليمنية قامت بتعويم العملة الوطنية في عام 2017، دون دراسات كافية للقرار، ما تسبب في ارتفاع كبير للدولار مقابل الريال.

ومطلع العام الماضي قامت الحكومة بطباعة عملة جديدة، دون أنّ تسحب القديمة من السوق، ومنع الحوثيون التداول بالعملة الجديدة، ما أدى إلى زيادة التضخم، وارتفاع الأسعار، واختلال سعر الصرف، وفقدان المركزي القدرة على ضبط السوق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية