ما مدى قدرة النظام الإيراني على الاستجابة للمتغيرات في أفغانستان؟

ما مدى قدرة النظام الإيراني على الاستجابة للمتغيرات في أفغانستان؟


19/08/2021

مثّل وصول مسلحي حركة طالبان المباغت إلى العاصمة الأفغانية كابول، لحظة عميقة من التفكير، تتناسب وصعودها الميداني السريع واللافت؛ لاستدراك طبيعة الجسم السياسي، الذي ستظهر به الحركة الإسلاميّة المُسلّحة والمُتشدّدة ومن ثم فهم الثابت والمتحول في ممارساتها السياسيّة المحليّة، وكذا تعاطيها مع العالم الخارجي؛ حيث إنّ الحركة التي جذبت عشائر الباشتون، في تسعينيات القرن الماضي، وأعلنت الإمارة الإسلاميّة، وارتبطت صورتها التقليدية بـ"القتل والذبح والجلد" ضد المخالفين لأدبياتها، وخصومها السياسيين، كانت تقف وبنفس الدرجة على النقيض من جارتها إيران.

 في مطلع العام 1997، عمدت طالبان إلى إغلاق سفارة إيران بأفغانستان، وقد صلت الأمور المأزومة بينهما لذروتها، بينما في العام التالي بلغت التحركات والمناوشات بين الجانبين حداً، كادت تنزلق معه المنطقة إلى حرب، حيث حشدت طهران نحو مائتي ألف جندي على الحدود، وذلك في أعقاب اقتحام طالبان لمدينة مزار شريف، والأخيرة كانت تحتضن "التحالف الشمالي الأفغاني" المدعوم من إيران؛ لمواجهة "المجاهدين" الأفغان.

مناورة إيرانية لاحتواء طالبان

ولطالما ظلت مسألة انسحاب الحركة من جلدها القديم، أمراً يرافقه تمددها وتسيدها المشهد الأفغاني مجدداً، والآن فإنّ جملة من المعطيات تشير إلى براغماتية طالبان السياسية، في مقابل تأثير أيديولوجيتها، على خياراتها المحلية والخارجية، وهو الأمر ذاته الذي يظهر بمؤشرات طفيفة ولافتة في إيران، في ظل التعامل مع الأمور وفقاً للمستجدات العالمية، والتغيرات الجيوسياسيّة، وقد كانت إيران حريصة على استضافة جولة من محادثات السلام والحوار، بين الحركة والحكومة الأفغانيّة، مطلع الشهر الحالي.

كما زار رئيس المكتب السياسي لطالبان، الملا عبد الغني برادار، العاصمة طهران، بدعوة رسميّة من وزارة الخارجية الإيرانية، مطلع العام الجاري، بينما صرّح وزير الخارجية الإيراني وقتها، محمد جواد ظريف، بأنّ: "إيران تدعم إقامة دولة إسلامية في أفغانستان، تشارك فيها القوميات، والطوائف، والأطراف الأفغانية كافة".

 

زار رئيس المكتب السياسي لطالبان، الملا عبد الغني برادار، العاصمة طهران، بدعوة رسميّة من وزارة الخارجية الإيرانية، مطلع العام الجاري

 

وبحسب الموقع الرسمي للحركة، قال رئيس المكتب السياسي لطالبان: "نحن نريد أن نقيم علاقات إيجابية ومفيدة مع العالم الأجنبي، والأفغان من أجل إعمار أفغانستان المستقبلية، بحاجة إلى دعم العالم، ويرحبون به، وشعب أفغانستان يريد أن يعيش حياة سلمية، عالي الهامة، في ضوء قيمه الإسلامية والوطنية".

وفي نهاية حزيران (يونيو) الماضي، قالت المنصات الرسميّة التابعة للحركة، ومن بينها مجلة "الصمود": "نطمئن جميع الدول المجاورة لأفغانستان، بأنّه لن يلحقهم أيّ أذى بوصول المجاهدين إلى المناطق الحدودية، بل ستستمر العلاقات الحسنة كما كانت في السابق، ولن توجد أيّ عقبات في ما يتعلق بالمنافذ والتنقل، كما أنّ أراضي الدول المجاورة، ستكون في أمان من جهتنا".

ثمة متغيرات تتحكم في العلاقة بين إيران وحركة طالبان، وينطبق ذلك على مجمل الأجندة السياسية الإقليميّة لها، حيث إنّ الأوضاع الجيواستراتيجيّة في أفغانستان، بعد صعود حركة طالبان سوف تفرض شروطها، بالإضافة إلى عوامل الجغرافيا السياسيّة والأمنيّة، التي ستشكل انعكاسات مباشرة في العلاقة مع إيران، التي تشترك في حدود تبلغ نحو ألف كيلومتر، مع أفغانستان.

تفاهمات مع الإدارة الأمريكية

كما أنّ التنافس المحموم الذي تتهيأ له القوى العالمية، وتحديداً الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، سوف يتفاعل بقوة مع التطورات التي تجري في وسط آسيا، والتي ستفرض تداعياتها السياسيّة والأمنيّة أوضاعاً ملتهبة، حيث يستبد بذهنية السياسة الخارجية الأمريكية، النمط التقليدي باتجاه الحفاظ على مصالحها، وتوظيف قوى محلية، لا سيما الإسلام السياسي، لإثارة القلق في الحديقة الخلفية لروسيا، حتى تظل هيمنتها السياسية والاقتصادية على العالم، وتحافظ على الشروط الموضوعية، التي تكفل لها حضوراً مميزاً، لا سيما مع التواجد الروسي، وتنامي الطموح الصيني اقتصاديّاً، فضلاً عن صراع واشنطن مع طهران، في ما يتصل بمشروعها النووي، ونشاطها الإقليمي .

وإلى ذلك يرى الدكتور مايكل مورجان، المحلل والباحث السياسي، في مركز لندن للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة، أنّ خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وبهذا الشكل، له تداعيات كثيرة جداً، على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا.

وبالرغم من المشاهد الصعبة، التي جرت على مرأى ومسمع المجتمع الدولي برمته، وخاصّة مشهد سقوط بعض المواطنين، من طائرات الشحن الأمريكية، بيد أنّ طريقة الخروج السريع بهذا الشكل، والسيطرة الكاملة على أفغانستان من قبل تنظيم طالبان، يشي بالتنسيق الكامل مع الحركة، بحسب مورجان، في حديثه الذي خصّ به "حفريات"، ما أدى إلى المشهد الحالي. 

ويلفت مورجان، إلى أنّ محاولات تحليل ما حدث في أفغانستان للوهلة الأولى، قد تجعلنا نستنتج أنّ الولايات المتحدة أدركت حجم الخسائر المادية والإنسانية، بعد قرابة عقدين من الزمان؛ ولهذا جاء قرار إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، بخروج القوات الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومن سوريا وأفغانستان بشكل خاص.

لعبة الأدوار الوظيفية

 غير أنّ القراءة الدقيقة للمشهد كاملاً، لا سيما بعد فشل العودة للاتفاق النووي مع إيران تذهب بالتحليل إلى أنّ الخطوة تستقر في ذهنية رجل السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية باتجاه محاصرة طهران، وتحفيز عوامل  الجغرافيا الساخنة؛ لتحقيق أغراض تكتيكية؛ تمكنها الوصول لأهدافها الاستراتيجيّة، التي تحقق لها الحفاظ على هيمنتها الدولية، وذلك بحسب مورجان.

وأفاد المحلل والباحث السياسي، في مركز لندن للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة إلى أنّ البعض يرى أنّ الولايات المتحدة تستعد لحروب جديدة بالوكالة ضد إيران، من ناحية عسكرية واستراتيجية، على الحدود الإيرانية مع أفغانستان، وكذا حرب اقتصادية ضد الصين؛ بعرقلة أو تفخيخ المنطقة بالصراعات المسلحة، على خريطة طريق الحرير " Silk Road “ الصيني، والذي قد يضع الصين على قمة العالم اقتصادياً، وأخيراً حرب استنزاف وحرب تكسير عظام سياسيّة مع روسيا.

 

مايكل مورجان: خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وبهذا الشكل، له تداعيات كثيرة جداً، على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا

 

ويرجح المصدر ذاته، أنّ إيران بالتبعية، سوف تعمل حثيثاً على الاستفادة من الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، بعد خروجها من أفغانستان، فالاستقرار الأفغاني يصب بشكل مباشر في مصلحه إيران، فالآن نجد طهران تتواصل مع أعضاء الحركة، وتقيم الاجتماعات مع عناصرها؛ لمحاولة احتواء الأزمة، خاصّة بعد تاريخ حافل من الصراع مع التنظيم، الذي كان يعد النموذج المغاير والضد، للنظام في طهران.

من جانبه يحذر مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، جاسم محمد، من الأوضاع الجديدة، مؤكداً أنّه مع صعود حركة طالبان في أفغانستان، سيزداد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا والعراق وشمال أفريقيا، ويوضح في حديثه لـ"حفريات" أنّه برغم وجود بعض الخلافات بين طالبان وداعش، في بعض المناطق، إلا أنّه يعتقد، حدوث تفاهمات بين الطرفين؛ لتنفيذ عمليات إرهابية خارج أفغانستان، وليس داخلها، إذ سيعمل تنظيم "داعش" على توسيع نطاق وجوده في أفغانستان، بعد انكساره في سوريا والعراق، مثل تنفيذه عمليات ضد الحكومة الأفغانية، وهو ما حدث، قبل شهر، عندما نفذ هجوماً صاروخيّاً بالقرب من القصر الرئاسي في كابول.

 ويلفت مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، إلى أنّ هناك اختلافاً بين طالبان والتنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، موضحاً أنّ كل هؤلاء تجمعهم مظلة التطرف، ويتابع: "رغم أنّني أعتبر أنّ طالبان هي المظلة الأكبر لتنظيمي القاعدة وداعش، بيد  أنّها تختلف عنهما في أنّ عناصرها من أهالي البلد، وأنّها تتبدل، إذ يقدم أعضاؤها أنفسهم الآن كسياسيين، فطالبان 2001 ليست كطالبان 2021".

ويشير جاسم إلى أنّ أكثر بلدين سيتأثران بصعود طالبان في أفغانستان داخل الشرق الأوسط هما: سوريا وليبيا؛ حيث إنّ سوريا فيها فرع لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى حضور جبهة تحرير الشام، التي تسيطر على إدلب، أمّا ليبيا فالفوضى فيها عارمة، وتضاريسها الصعبة تتيح لشبكات الإرهاب العالمية دعم بعضها البعض، فضلاً عن وجود أطراف إقليميّة ودوليّة متورطة في الصراع، تستخدم الشبكات الإرهابية لصالحها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية