مصر: عمّها قدّمها قرباناً للجن.. متى تنتهي ظاهرة الشعوذة؟‎

مصر: عمّها قدّمها قرباناً للجن.. متى تنتهي ظاهرة الشعوذة؟‎


06/09/2021

على الرغم من القفزات الكبيرة التي حققها القانون المصري في نواحٍ مجتمعية عدة، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا التحرش والاعتداء الجنسي، ما يزال المشرع غائباً عن مواجهة ظاهرة ليست بالجديدة، بل هي قديمة ضاربة بجذورها في المجتمع، ويعجز العلم والتكنولوجيا عن تحجيمها، بل إنّ التكنولوجيا أتاحت فرصاً ومنصات جديدة لها.

الدجل والشعوذة تجاوزا مجرّد محاولات الاحتيال أو النصب أو الضرب أو الجرائم الجنسية إلى القتل، فالطفلة شيماء (10 أعوام)  ذهبت مؤخراً ضحية للدجل في محافظة سوهاج (صعيد مصر) بعدما اختطفها عمها وزوجته من أجل تقديمها "قرباناً" للجن، في بحثهم عن الآثار.

اقرأ أيضاً: مقتل امرأة وابنتها البالغة 5 أعوام في طقوس السحر والشعوذة.. ما القصة؟ 

الجريمة المفزعة ليست الأولى، فالصحف المصرية والمحاكم تعجّ بجرائم مفجعة كانت بداية خيطها الدجل والشعوذة، أمّا الجريمة الأخيرة، فقد كشف موقع "المصري اليوم" ملابساتها قائلاً: إنّ "أجهزة الأمن بسوهاج كشفت اليوم بالتنسيق مع الأمن العام غموض اختفاء طفلة معاقة ذهنياً وحركياً "10 أعوام" بدائرة مركز أخميم، وتبين قيام عم الطفلة باختطافها بمعاونة زوجته تنفيذاً لطلب أحد الدجالين من أجل ذبحها وتقديمها قرباناً للجن لاستخراج الآثار من منطقة أثرية بدائرة المركز، وعند بحث الشرطة والأهالي عن الطفلة خاف المتهم من افتضاح أمره فخنقها حتى فارقت الحياة، ووضعها في جوال، ودفنها في حوش ماشية ملحق بمنزله.

اختطفها عمها وزوجته من أجل تقديمها "قرباناً" للجن، في بحثهم عن الآثار

ولم يكن المصير الذي لاقته الطفلة في منزل عمها بأسوأ من ذاك الذي ينتظرها عند الدجال، فقد كشفت التحريات أنّ المتهمة اختطفت الطفلة عند علمها بوجودها بمفردها في المنزل وخروج والدتها لشراء بعض متطلباتها، وسلمتها لزوجها بناء على طلبه من أجل تسليمها لأحد الدجالين الذي أوهمه بوجود آثار في منطقة بالقرية وحاجته إلى طفلة صغيرة لذبحها وتقديمها قرباناً للجن لاستخراج الآثار، وأنهما تخلصا من الطفلة خشية افتضاح أمرهما، وقبل تنفيذ طلب الدجال بذبح الطفلة.

ولم يكشف الموقع عمّا إذا كان قد تم توقيف الدجال كمتهم في القضية أم أنه لاذ بالفرار، أو إذا كانت الجريمة ستخضع لقانون الجنايات، فيما يتعلق بحالات القتل العمد، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، فالقانون المصري يفتقر إلى مواد رادعة لمواجهة هذه الظاهرة (الدجل والشعوذة) قبل وصولها إلى جرائم أكبر.

المتهمة اختطفت الطفلة من أجل تسليمها لزوجها لتسليمها لأحد الدجالين الذي أوهمه بوجود آثار في منطقة بالقرية وحاجته إلى طفلة لذبحها وتقديمها قرباناً للجن لاستخراج الآثار

يُعاقب الدجال عند توقيفه وفق المادة 336 من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه "يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إمّا باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، وإمّا بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له وليس له حق التصرف فيه، وإمّا باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، وأمّا من شرع في النصب ولم يتمّمه، فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز عاماً، ويجوز جعل الجاني في حالة العود تحت ملاحظة البوليس مدة عام على الأقل وعامين على الأكثر".

اقرأ أيضاً: رجال الدين في إيران إذ يواجهون كورونا بالشعوذة

ويرى مراقبون أنّ العقوبة السابقة ليست رادعة ولا تتناسب مع جرم الشعوذة الذي يتداخل فيه النصب والاحتيال مع الدين ما يمثل سبباً إضافياً لاستقطاب البسطاء، فضلاً عن آثاره المدمرة على المجتمع، والتي تتجاوز في ضررها الضحية مباشرة إلى ضحايا آخرين.

القانون المصري يفتقر إلى مواد رادعة لمواجهة هذه الظاهرة (الدجل والشعوذة) قبل وصولها إلى جرائم أكبر

والمثير للتعجب أنّ ظاهرة الدجل والشعوذة تتناسب تناسباً طردياً مع التقدم التكنولوجي، فإن كان اتساع الدجل في القديم مفهوماً في ظل انتشار الجهل والأميّة، إلا أنّ ذلك لم يختفِ في عصر التكنولوجيا والهواتف الجوالة والإنترنت، فحتى مع توافر المعلومات وكثرتها، كان الدجل ومواده ضمن تلك الأبواب التي تتكاثر، وتأخذ فقرات على التلفاز، وتتابع بالملايين عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

وتحاول بعض الجهات الدينية والثقافية مواجهة تلك الظواهر، سواء بفتاوى أو أعمال فنية تفضح كذب وادعاء ذلك المجال، غير أنّ بعضها الآخر يرسّخ تلك الأفكار ولو على نحو غير مباشر.

تقول دراسة علمية صدرت في آذار 2017 عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إنه رصد قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر

وقال المستشار العلمي لمفتي مصر وأمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية مجدي عاشور، قبل أيام خلال بث مباشر على الفيسبوك: إنّ "القول بفك السحر عبر قراءة شيخ القرآن الكريم هو دجل"، وأضاف "نحن أمّة علم وعقل وفهم وتزكية ولسنا أمّة تغيّب الناس عن الواقع وتغيّب العلم والعقل".

وتابع: "مش كل واحد يعمل شيخ ونوصل في الأخير أنه ساحر، لكن عمله عمل شيطان، خاصة مع ادعائه الولاية والصلاح، والأمر تحول لبيزنس وسبوبة، الدين هداية وفهم وتزكية وإحسان، دار الإفتاء ضد ظاهرة الدجل ممّن يدعون أنهم يفكون السحر أو الحسد. لدينا أشياء بديلة توضأ وصلّ وادعُ للمريض، ودعاء المريض أولى من دعاء غيره لأنه المبتلى، علينا قراءة الفاتحة والمعوذتين والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وندعو لفكّ الكرب وتفريج الهم".

واختتم: "نريد القضاء على تلك الظواهر التي تدعو إلى الدجل والشعوذة، ونرجع بالأمّة إلى العلم والفهم والثقافة".

تحاول بعض الجهات الدينية والثقافية مواجهة تلك الظواهر

وتقول دراسة علمية صدرت في آذار (مارس) 2017 عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: إنه رصد قرابة 300 ألف شخص يعملون في مجال الدجل والشعوذة في مصر، منذ أكثر من 5 أعوام، ما يعني ارتفاع العدد حالياً، وهذا يأتي نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية بدور هؤلاء الدجالين في حل الكثير من المشاكل المستعصية، مثل تأخر سن الزواج أوعدم الإنجاب والعقم، أو فك السحر والأعمال، وإنّ كمّ الخرافات والخزعبلات التي تتحكم في سلوك المصريين يصل إلى 274 خرافة.

وفي دراسة أخرى في أيار (مايو) 2015، أعدها أستاذ الثقافة الإسلامية بالجامعات العربية والسودانية الدكتور إسماعيل محمد الحكيم، تحت عنوان "الإسلام ومحاربة الدجل والشعوذة"، خلص إلى أنّ العالم العربي ينفق كل عام أكثر من 5 مليارات دولار على أعمال الدجل والشعوذة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية