رجال الدين في إيران إذ يواجهون كورونا بالشعوذة

رجال الدين في إيران إذ يواجهون كورونا بالشعوذة


07/10/2020

تعكس أزمة فيروس كورونا في إيران وضعاً هو الأسوأ في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أنّ الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها وزارة الصحة، تشير إلى تسجيل نحو 3523 إصابة، و179 وفاة، الأحد الماضي، ليصل إجمالي الحالات إلى 468 ألفاً و119 حالة، بحسب ما أعلنت الناطقة الرسمية بلسان وزارة الصحة، سادات لاري، الأمر الذي تسبّبت فيه عدة أمور، منها؛ التلكؤ والتباطؤ في الالتزام بالتدابير الوقائية لمواجهة انتشار الفيروس، الذي تزامن مع الانتخابات البرلمانية.

إيران في قبضة الموجة الثالة

وتضاف إلى ذلك؛ الصراعات المحتدمة في إدارة أزمة الفيروس التاجي بين أطراف النظام، تحديداً الحرس الثوري من جهة، والجناح التابع للرئيس الإيراني، حسن روحاني من جهة أخرى؛ إذ تمّ توظيف الأزمة الصحية في إطار الصراعات السياسية والأيدولوجية والولائية، وقد ترتب على ذلك صعود خطابات أيدولوجية وتعبوية، تتماهى ومصالح كلّ طرف، وتعبّر عن توجهاته وانحيازاته.

وصل إجمالي الحالات إلى 468 ألفاً و 119 حالة

ومن جانبه، قال علي رضا زالي، رئيس فريق العمل المكلَّف بمكافحة الفيروس، في طهران؛ إنّه في حالة تفشي الفيروس بالمعدلات والأرقام الحالية؛ فسوف يعني ذلك زيادة عدد الحالات، بصورة تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أمثال، كما سيرتفع معدل الوفيات بين 1.5 و3%.

اقرأ أيضاً: خامنئي وروحاني والواقع الإيراني

ومع صعود الموجة الثالثة للفيروس في طهران، التي أصابت وحصدت أرواح الآلاف، وغالبيتها من الفئات العمرية الصغيرة، أعلن محافظ طهران، أنوشيروان بندبي، مطلع الأسبوع الحالي، فرض إجراءات إغلاق جزئية على بعض الأماكن العامة، لمدة أسبوع، موضحاً أنّ "إجراءات الإغلاق ستطبَّق اعتباراً من السبت وحتى التاسع من تشرين الأول (أكتوبر)، ويشمل ذلك الجامعات، والمراكز التربوية، والمساجد، وصالات السينما، والمتاحف، وقاعات الزفاف، وصالونات التجميل، وصالات التدريب الرياضي، والمقاهي، وحدائق الحيوانات، وأحواض السباحة".

يعكس الخطاب الديني والأيديولوجي لرجال الدين، في إيران، الهوّة العميقة الراهنة بين الفكر الديني المحدود لدى هؤلاء الشيوخ ورجال الدين، من ناحية، والأطروحات العلمية لمواجهة المخاطر

كما لن تقام صلاة الجمعة، خلال هذه الفترة، وكذا الأحداث والمؤتمرات الثقافية والاجتماعية، بحسب مكتب محافظ طهران؛ الذي أوضح أنّ تلك الإجراءت هي استعادة للقيود السابقة التي جرى تخفيفها، منذ نيسان (أبريل) الماضي، تحت وطأة الأعباء والمشاكل الاقتصادية، لكن مع تسجيل عدد قياسي من الإصابات اليومية، بلغت نحو 3825 حالة، خلال 24 ساعة، جاءت إجراءات الإغلاق الجديدة.

وأوضح الرئيس الإيراني، في كلمة له أمام اللجنة الوطنية لمكافحة "كوفيد 19"، ضرورة "معاقبة المخالفين للقوانين وتخصيص الغرامات في حقهم"، مشيراً إلى "فرض غرامات قاسية على أولئك الذين يعرفون بأنّهم مصابون (بالمرض) لكن لا يلتزمون بالعزل الذاتي لمدة 14 يوماً، أو لا يقومون حتى بإبلاغ الآخرين بمرضهم"، وأشار إلى أنّ الموظفين الحكوميين الذين يمتنعون عن التزام القوانين الصحية بعد إنذارهم بذلك، سوف يواجهون الإيقاف عن العمل لمدة عام.

اقرأ أيضاً: الرئيس الأمريكي يضغط والاقتصاد الإيراني يواصل السقوط

خلال تموز (يوليو) الماضي؛ كشفت وزارة الصحة الإيرانية، إصابة 5000 عامل في قطاع الصحة بفيروس كورونا، بينما قضى نحو 140، وذلك حسبما أوضحت وزارة الصحة، في بيان رسمي؛ أنّه "تمّ تصنيف 12 محافظة من محافظات البلاد الـ 31 ضمن "المستوى الأحمر" لانتشار الفيروس، و13 في حالة "تأهب" أو قريبة من التصنيف الأحمر".

اقرأ أيضاً: بعد تنكيل إيران بالمعارضين: هل يكشّر المعسكر الغربي عن أنيابه؟

وفي ظلّ تداعيات الجائحة الفيروسية، برزت عدة خطابات أيديولوجية في الدوائر الدينية الرسمية بطهران، تصنّف فيروس كورونا بأنّه "فيروس علماني"، كما صرّح عباس موسوي مطلق، إمام وخطيب مسجد في مدينة قم بإيران، مما يعكس سلوك طهران التقليدي، وكذا قياداتها الدينية والسياسية في إدارة الأزمة الصحية، منذ انتشار الفيروس التاجي؛ إذ ضغطت الجائحة على الأزمات السياسية المتفاقمة داخل النظام، وكشفت التناقضات والصراعات داخله، بينما أبرزت حجم التوظيف السياسي والديني، للتعمية على الإخفاق في محاصرة المرض وانتشار العدوى.

المرشد والرئيس.. أصل النزاع

التضارب والخلاف داخل النظام الإيراني وبين قياداته السياسية والدينية، حول فيروس كورونا، يكاد يكون الثابت الوحيد منذ انتشاره؛ إذ سبق أن اتهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، الولايات المتحدة، بأنّها قامت بـ "تخليق فيروس كورونا بشكل يتناسب مع جينات الإيرانيين"، في حين أنّ وزارة الصحة، أصدرت بيانات رسمية توضح فيها أنّها حذرت من وجود الفيروس، في إيران، قبل الإعلان عنه بشهرين كاملين.

برزت عدة خطابات أيديولوجية في الدوائر الدينية الرسمية بطهران، تصنّف فيروس كورونا بأنّه "فيروس علماني"

ومن جانبه، قال المرجع الشيعي الإيراني، المقرب من النظام، آية الله محمد سعيدي، في آذار (مارس) الماضي، إنّ "المبالغة في تقدير خطر الوباء هو مؤامرة من قبل الأعداء"، موضحاً أنّ كورونا يعدّ جزءاً من "صراع الحضارات"، بحسب توصيفه، وتعتمد عليه القوى الغربية ضدّ الإسلام والمسلمين.

اقرأ أيضاً: أطماع إيران وتركيا.. ماذا بعد سقوط البوابات العربية؟

بيد أنّ روحاني، الذي سبق أن زعم في خطاب رسمي وجود 25 مليون إصابة، ويتناقض مع بيانات الصحة الرسمية، بل ويكذبها، يكشف عمق الخلاف القائم والمستمرّ بين الرئيس والمرشد، والممتدّ منذ الإعلان عن أول إصابة رسمية في طهران، في 19 شباط (فبراير) الماضي؛ إذ استحوذ الجناح الراديكالي في النظام، خاصة القطاع الطبّي التابع للحرس الثوري على الأزمة، ما نجم عنه تبادل الاتهامات والتلاسن بين الطرفين، وحشد كلّ طرف لأدواته الأيدولوجية والسياسية للردّ والهجوم.

اقرأ أيضاً: نظام خامنئي يدمر البيئة.. حقائق مروعة تهدد الحياة في إيران

وفي كلمة بثّها التلفزيون الرسمي، قال روحاني: "تقديرنا أنّه، حتى الآن، أصيب 25 مليون إيراني بهذا الفيروس، وفقد نحو 14 ألفاً أرواحهم"، وأضاف: "ثمة احتمال بأن يكون ما بين 30 و35 مليوناً آخرين عرضة للخطر، وأنّ ما يزيد عن 200 ألف تلقوا العلاج في المستشفيات، بينما تتوقّع الوزارة أنّ عدداً مماثلاً ربما يحتاج إلى العلاج بالمستشفيات في الأشهر المقبلة".

اقرأ أيضاً: بعد أربعة عقود من الدم: هل انتهت الحرب العراقية الإيرانية؟

وبينما تولى محمد باقري، رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية، تشكيل لجنة لإدارة الأزمة، في آذار (مارس) الماضي، وأعلن خطة لمنع التواجد في الشوارع والأسواق والمراكز التجارية بالمدن المختلفة، خرج روحاني ليعلن أنّه "لن يتمّ تطبيق أيّ حجر صحِي، لا اليوم ولا في أيام أعياد النوروز"، وهو ما أبرز الفجوة بين الأطراف المتباينة داخل النظام، والتي تعاملت من دون تنسيق فيما بينها.

رأس حربة خامنئي

وبالعودة إلى الجدل الذي أثاره عدد من المراجع الدينيين الشيعة، والذي يعدّ أحد أعراض الأزمة المتفاقمة بين جناحَي النظام، ويدخل ضمن الأدوات الأيديولوجية والدفاعية من جانب جناح المرشد ضدّ الرئيس الإيراني، فقد انتقد عباس موسوي، بصورة مباشرة، الإجراءات الطبية الاحترازية لمكافحة الوباء، خاصّة مع اقتراب مواعيد عدد من المناسبات الدينية، فطالب المواطنين بـ "اتباع تعليمات الخبراء الدينيين في إقامة مراسم دينية هذا الشهر"، ورأى أنّ الفيروس "يستهدف المجتمعات المتدينة لحرفها عن الدين، ويحاول بآثاره المدمرة دفعها إلى الضلال"، بحسب وصفه.

محمد باقري رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية

وإلى ذلك، يرى المفكر اللبناني، محمد علي العاملي، أنّه "منذ انتشار جائحة كورونا، شهدنا التخبط الذي وقع به العديد من رجال الدين في العالم، بسبب تسييسهم للدين، من جهة، وتوظيفه لخدمة أغراضهم المحدودة والبراغماتية، من جهة أخرى"، موضحاً لـ "حفريات": "وجدنا أنّ الكورونا قد أعطت درساً لرجال الدين من كافة الأديان، كما أعطت درساً لغيرهم، بضرورة تصحيح الفهم الديني، باعتباره منظومة روحية وقيمية وأخلاقية، ينبغي أن تبتعد عن الأدلجة والتسييس".

اقرأ أيضاً: أمريكا تكشف الحيل التي تستخدمها إيران لتمويل أعمالها الإرهابية في العالم

ويعكس الخطاب الديني والأيديولوجي لرجال الدين، في إيران، الهوّة العميقة الراهنة بين الفكر الديني المحدود لدى هؤلاء الشيوخ ورجال الدين، من ناحية، والأطروحات العلمية لمواجهة المخاطر العديدة بالحياة، من ناحية أخرى، بحسب العاملي؛ إذ إنّ أيّ تغيير لموقع الدين، وتوظيفه في مساحات سياسية ليست من شأنه، يمثل إساءة حقيقية للدين، بالتالي؛ لا يبدو الشخص الذي صرّح مثل هذا التصريح أنّه يفهم الأبعاد الحقيقية للدين الإسلامي، وتأثيرات سلوكه السلبي على المسلمين والآخرين، فضلاً عن عدم إدراكه لأبعاد الأديان السماوية الروحية، بوجه عام.

ما وراء "فيروس علماني"؟

يتّفق والرأي ذاته، الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية، إسلام مصطفى، الذي أكّد أنّ الخطاب الديني التقليدي المسيس، إنّما يعكس حال بعض رجال الدين، الذين يتعمّدون توصيف الأحداث السياسية والاجتماعية، من خلال إطار ديني خاص بهم، بغية خدمة الأيديولوجيا، وممالأة الأنظمة المنتمين لها، ويعدّ النموذج الإيراني خير شاهد على هذا المعنى، وتلك المقاربة التي نحاول صياغتها؛ فهو يخدم أغراضه السياسية بواسطة الخطاب الديني الوعظي، حتى يغطّي على فشله في إدارة الأزمة، كما يبرر القمع الذي يمارسه النظام.

الباحث المصري إسلام مصطفى لـ"حفريات": منذ بداية انتشار فيروس كورونا، لم تخلُ تصريحات رجال الدين بإيران من الاستعانة بالأزمة، للتأكيد على رواياتهم الخاصة باقتراب نهاية الزمان

ويضيف لـ "حفريات": "منذ بداية انتشار فيروس كورونا، لم تخلُ تصريحات رجال الدين بإيران من الاستعانة بالأزمة، للتأكيد على رواياتهم الخاصة باقتراب نهاية الزمان؛ حيث قال المرجع الشيعي الإيراني، علي رضا باناهيان؛ إنّ ظهور فيروس كورونا هو مقدمة لظهور إمام آخر الزمان (يقصد ظهور المهدي)، وذلك بهدف تخويف الناس، وبثّ الذعر فيهم، وتشتيت تفكيرهم، وهو ما تكرّر مع هادي المدرسي، أحد المراجع الشيعية في العراق، والمقرَّب من النظام في طهران؛ حيث قال إنّ فيروس كورونا "جند من جنود الله بسبب حصار الصين لمسلمي الإيغور"، بحسب زعمه، وذلك قبل أن يصاب هو ذاته بالفيروس، بعد زيارته لمدينة قم".

ويخلص الباحث المصري إلى أنّ مثل تلك الخطابات، إنّما تستهدف إنقاذ النظام، من ناحية، وإبعاده أيّ لوم أو مسؤولية عنه فيما يخصّ تداعيات العدوى بالفيروس، أو انتقاله وتفشّيه بهذه الصورة المتفاقمة، ناهيك عن فشله في إدارة الأزمة، من ناحية أخرى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية