مقاتلو الشمال السوري... أين وكيف سعت تركيا لتوظيفهم في خدمة مشاريعها التوسعية؟

مقاتلو الشمال السوري... أين وكيف سعت تركيا لتوظيفهم في خدمة مشاريعها التوسعية؟


01/06/2021

بسبب الحرص التركي على عدم خسارة جنود أتراك في جبهات القتال العديدة التي اختارت تركيا الانخراط فيها خلال الأعوام الأخيرة، ونظراً للكلفة الداخلية لذلك، وخاصة في حال سقوط الضحايا من الجنود الأتراك، والضغط المتوقع من قبل المعارضة في حال حدوث ذلك، فإنّ الخيار التركي كان بالتوجه نحو الاستثمار والاستفادة من مقاتلي فصائل ما أطلق عليه اسم "الجيش الوطني السوري" في الشمال السوري، والذي تدعمه تركيا وترعاه، حتى غدت هذه الفصائل بمثابة فرق قتالية جاهزة لتلبية مصالح ومشاريع الأمن القومي التركي غير المحدود وفي مختلف القارات.

في ليبيا... شركة "سادات" تتولى المهمة

بعد توقيع الحكومة التركية اتفاقاً للتعاون العسكري مع حكومة "الوفاق الوطني" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، شرعت تركيا بتجنيد وإرسال مقاتلين من الشمال السوري إلى معسكرات قتالية تشرف عليها تركيا في غرب ليبيا، وذلك بغرض الدفع بهم ضمن المواجهات مع قوّات "الجيش الوطني الليبي" التي كانت تتقدم آنذاك في عملياتها العسكرية بوتيرة متسارعة باتجاه مدن الغرب الليبي.

مقاتلون سوريون بعد وصولهم إلى المعسكرات في غرب ليبيا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

قامت الفصائل السورية بافتتاح مراكز لتسجيل الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا، وتراوحت عروض الرواتب ما بين 1000 و2000 دولار، ومن ثم تمّت عملية إرسال المقاتلين السوريين بتنسيق وإشراف من قبل شركة "سادات" الأمنية التركية.

تمّت عملية إرسال المقاتلين السوريين إلى ليبيا بتنسيق وإشراف من قبل شركة "سادات" الأمنية التركية

وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2019 بدأ المقاتلون بالوصول إلى المعسكرات في ليبيا، وكان هؤلاء المقاتلون ينتمون لفصائل: "السلطان مراد"، و"سليمان شاه"، و"فرقة المعتصم"، وفرقة "الحمزة"، من الفرق المنضوية تحت ما يُعرف بـ "الجيش الوطني السوري" المتواجد في الشمال السوري، والذي تديره وتشرف عليه تركيا، وقد قام التوجيه المعنوي التركي بتعبئتهم باعتبارات تراوحت ما بين "التأكيد لهم بأنهم في ليبيا لمحاربة روسيا، وما بين القول لهم إنهم هناك لمحاربة حفتر (الذي يريد تدمير السُّنة)".

ومع مطلع العام 2021، وصل عدد المقاتلين السوريين في ليبيا إلى قرابة الـ7000 آلاف. وبحسب تقرير صادر في شهر نيسان (أبريل) 2021 عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فإنه ما يزال في ليبيا منهم نحو (6750) مقاتلاً، ولم تتمّ إعادة سوى أعداد بسيطة، في حين تم إجراء عملية استبدال أعداد أخرى منهم بآخرين من الشمال السوري كذلك.

اقرأ أيضاً: زعيم المافيا يفضح نقل الأسلحة التركية إلى الجهاديين في سوريا

ويشار إلى أنّ شركة سادات التي أشرفت على عمليات نقل السوريين إلى ليبيا هي شركة أمن تركية، وتستثمر بشكل كبير في الحرب الليبية، بما في ذلك تقديمها الاستشارات العسكرية لحكومة الوفاق في طرابلس، وتولّيها عمليات جلب المقاتلين من الخارج إلى ليبيا وتسليحهم بعد تدريبهم.

في أذربيجان... مفاجأة الإلقاء على الجبهات الأمامية

وفي أيلول (سبتمبر) 2020 اتهم وزير خارجية أرمينيا، زوهراب مناتساكانيان، تركيا بنقل (مرتزقة سوريين) إلى أذربيجان، ومن ثم بدأت التقارير الصحفية والصادرة عن المنظمات تتوارد من الشمال السوري عن تجهيز دفعات من المقاتلين السوريين للالتحاق بجبهات القتال في إقليم "نافوري كاراباخ" المتنازع عليه في أذربيجان.

مقاتلون سوريون في مواقع متنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا... نقلتها "وكالة جرابلس" الإعلامية السورية المعارضة

وأشارت التقديرات إلى وصول ما بين (1500) و(2000) مقاتل سوري، سافروا إلى أذربيجان عبر تركيا، وجرى نقلهم على متن طائرات عسكرية تركية، انطلقت من مطار غازي عنتاب القريب من الحدود السورية.

اقرأ أيضاً: مؤرخو الإخوان والدعم التاريخي للعدوان التركي على سوريا

وقد تداولت وسائل الإعلام الأرمنية صوراً لجثث بعض المقاتلين السوريين، في حين قام عدد من المقاتلين السوريين بمشاركة صور لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفقاً لتقرير أعدّته الـ "بي بي سي"، وقامت خلاله باستعراض شهادات عدد من المقاتلين المشاركين في العمليات، فإنه لم يتم إبلاغهم بكامل تفاصيل العمليات، وإنما (يكون الكلام في البداية على أنّ الأمر هو فقط حراسة منشآت حيوية، ليتفاجأ الذاهبون بأنهم في خطوط النار الأمامية).

وكذلك، ومن الناحية المعنوية، فإنه وبحسب الشهادات، جرى تصوير الحرب هناك لهم على أنها حرب ضد الروس وضد حلفائهم الأرمن، مع عدم الإشارة إلى كونهم يقاتلون إلى جانب الأذربيجانيين المنتمين في أغلبهم إلى الطائفة الشيعية، وهي الطائفة التي يكنّ لها مقاتلو المعارضة السورية عادة بالعداء، بسبب اعتبارات ومنطلقات تتعلق بالصراع في بلدهم سوريا. وكذلك لا يتم إخبارهم بأنهم يقاتلون في سبيل صراع يتعلق باعتبارات ومنطلقات تحقق مصالح القومية التركية، التي تجمع كلاً من الأتراك والأذربيجانيين.

اليمن... تعرقل المخطط في اللحظات الأخيرة

وفي اليمن، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في حزيران (يونيو) 2020 أنّ الاستخبارات التركية طلبت بشكل رسمي من الفصائل السورية في الشمال السوري تحضير مقاتلين بهدف إرسالهم إلى اليمن للقتال إلى جانب قوات "الشرعية" هناك، وبالتحديد بهدف دعم حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وهو الحزب الذي يُعتبر بمثابة الممثل للإخوان المسلمين في اليمن.

صورة تم تداولها على أنها لضباط أتراك يشاركون في العمليات إلى جانب قوات الشرعية في اليمن

وجاء في تقرير المرصد أنّ الطلب التركي جاء للفصائل في مناطق عمليات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" بتجنيد 300 مقاتل من كل فصيل، وفي تموز (يوليو) 2020 كشفت مصادر إعلامية في منطقة عفرين (شمال سوريا) عن افتتاح مكتب لتسجيل مسلحي الفصائل السورية للتوجه إلى اليمن والقتال إلى جانب مقاتلي حزب الإصلاح، إلا أنه لم ترد أيّ تقارير من اليمن تفيد بوصول ومشاركة هؤلاء المقاتلين.

في أذربيجان، جرى تصوير الحرب هناك للمقاتلين السوريين على أنها حرب ضد الروس وضد حلفائهم الأرمن

ومن ثمّ، في آذار (مارس) 2021، تجددت الأنباء من مصادر محلية في الشمال السوري عن أنّ الفصائل التابعة لتركيا أعلنت بدء تجنيد السوريين للتطوع للقتال في اليمن ضد الحوثيين، وخاصة في جبهات مأرب، مع التقدم والضغط الحوثي المشتدّ هناك آنذاك. وذكرت المصادر أنه في 4 آذار (مارس) 2021 افتتح في بلدة "حوار كلس" الواقعة قرب الحدود التركية مكتب للتسجيل المقاتلين الراغبين وإرسالهم إلى الحدود السعودية اليمنية، مع عروض برواتب شهرية وصلت إلى ما مقداره (2500) دولار.

وجاءت هذه الخطوات بالتزامن مع أنباء عن دخول ضباط أتراك إلى اليمن في كانون الأول (ديسمبر) 2020 متخفين ضمن بعثة إنسانية تركية، وذلك فضلاً عن الحضور التركي في اليمن عبر غطاء الجمعيات الخيرية، إضافة إلى احتضان تركيا لعدد كبير من رجال الأعمال والقيادات المنتمية لحزب الإصلاح.

ومن منظور تركيا، فإنها تتطلع لجني مكاسب استراتيجية من وراء التدخل في اليمن، وأهمها التواجد السياسي والعسكري في منطقة استراتيجية عند باب المندب ومدخل البحر الأحمر، وهي التي كان سعيها للتموضع العسكري في جزيرة سواكن قد فشل إثر التغيّر الأخير في النظام السياسي السوداني، ولكنها، عبر هذه الأدوات، تجدد مساعيها للتموضع في المنطقة من جديد.

اقرأ أيضاً: أين وصل ملف مرتزقة أردوغان في ليبيا؟.. المرصد السوري يعلق

إلّا أنّ هذه المساعي لم تتطور إلى نقل وتواجد حقيقي للمقاتلين السوريين على الأرض في جبهات اليمن، والسبب الأوّل في ذلك كان الحذر وعدم التعاون السعودي بهذا الخصوص، باعتبار السعودية الداعم الأول لقوات الشرعية، وذلك مع الخشية السعودية من نوايا تركيا التوسعية على المدى الأبعد في اليمن والمنطقة، ما حال دون تطوّر هذا المسعى من قبل تركيا.

أوكرانيا... تحشيد وتأهّب

وفي نيسان (أبريل) 2021 كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه، وبالتزامن مع تصاعد التحشّدات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، فإنّ الاستخبارات التركية طلبت من متزعمي الفصائل السورية في الشمال السوري تجهيز قوائم بأسماء مقاتلين مستعدين للذهاب والمشاركة بالقتال في أقاليم منطقة "دونباس" (شرق أوكرانيا)، وذلك بغرض إعدادهم قبل التحاقهم بجبهات القتال هناك، وذلك في حال استدعت تطورات الموقف بين روسيا وأوكرانيا. وبالطبع فإنّ الإقناع والتوجيه المعنوي تركز حول الحديث عن أنّ المهمة ستكون الانتشار والقتال على الحدود الأوكرانية المهددة بالقضم من قبل القوات الروسية.

مقاتلون سوريون من فرقة "السلطان مراد" يرفعون علم تركيا

وبحسب المرصد، فإنّ الاستخبارات التركية أشاعت عبر وسطاء يتعاونون معها أنّ عقد القتال في أوكرانيا سيكون مغرياً أكثر من العقود التي جرى توقيعها لإرسال المقاتلين إلى جبهات القتال في ليبيا وأذربيجان، وبحيث من المتوقع أن يصل راتب المقاتل الواحد إلى 4 آلاف دولار في الشهر.

تواردت الأنباء خلال العامين 2020 و2021 عن تحضير المقاتلين السوريين بهدف إرسالهم إلى اليمن لدعم مقاتلي حزب التجمع اليمني للإصلاح

جاء ذلك بعدما كانت تركيا قد أوقفت رواتب عناصر "الجيش الوطني السوري" لشهرين متتاليين، من دون معرفة السبب، وبحيث بدا لاحقاً أنّ السبب الفعلي هو الضغط على العناصر من أجل إجبارهم ودفعهم للمشاركة والتسجيل والتوجه نحو الجبهات في أوكرانيا. 

وقد نقلت صحيفة "الوطن" السورية أنّ (130) مقاتلاً سورياً وصلوا إلى جبهات القتال في "دونباس" قادمين من ليبيا بعد اختفائهم دون معرفة الوجهة التي قصدوها. ونقلت الصحيفة عن مصادر مُعارِضة تأكيدهم أنّ مقاتلي بعض الفصائل مثل "السلطان مراد" و"فرقة الحمزة" ممّن انتهت عقود خدمتهم في ليبيا وصلوا إلى أوكرانيا مطلع نيسان (أبريل) 2021، وباشروا بالانتشار في المناطق الحدودية الروسية الأوكرانية، كإجراء احترازي بهدف المشاركة في الحرب ضد روسيا في حال نشوبها.

إلا أنّ التخفيض المتبادل في التصعيد من قبل الجانبين الروسي والأوكراني في نهاية نيسان (أبريل) أوقف وعلّق هذا المخطط التركي بالنهاية.

وكانت الدعاية الأكثر استخداماً في هذه المهمات بغرض التعبئة هي أنهم ليسوا "مرتزقة"، وإنما هم يشاركون في جبهات متعددة بغرض محاربة الروس الذين كانوا عدواً لهم في سوريا، وبأنهم في ذلك يؤدون خدمة للإسلام والمسلمين، في حين لم يذكر لهم بأنهم لا يتحركون إلا في نطاق المصالح القومية التركية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية