من هم البهرة؟ ولماذا يهتمون بآثار آل البيت؟

من هم البهرة؟ ولماذا يهتمون بآثار آل البيت؟

من هم البهرة؟ ولماذا يهتمون بآثار آل البيت؟


13/08/2023

مي إبراهيم

مكانة كبيرة لآل بيت النبي محمد عند المصريين ومظاهر عديدة للاحتفاء بهم على مدار قرون، ومن هنا بات مقام السيدة نفيسة أو المشهد النفيسي واحداً من أهم المساجد التاريخية في البلاد، التي تمثل وجهة رئيسة لعموم الموجودين على أرضها.

فمع كل زيارة إلى العاصمة المصرية القاهرة لا بد من تخصيص بعض الوقت لزيارة مواقع آل البيت للتبرك والدعاء واعتباره شكلاً من أشكال الود للنبي بصلة آل بيته، والاحتفاء بهم بأشكال مختلفة أبرزها الموالد التي تقام لهم سنوياً، ويصاحبها احتفالات حاشدة تستقطب الناس من أنحاء البلاد كافة.

وجاءت السيدة نفيسة حفيدة النبي محمد إلى مصر في عام 193هـ واستقبلها المصريون بسعادة غامرة، وكان لها مكانة كبيرة وعلم غزير، حتى إنه أطلق عليها "نفيسة العلم"، فكان لها مجلس للعلم وقيمة كبيرة عند العلماء، وأبرزهم الإمام الشافعي الذي أصبح له لاحقاً مذهب يعرف باسمه وأصبح أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية، إذ عرف عنه أخذه عن علم السيدة نفيسة وتردده على مجلسها أثناء فترة إقامته في مصر وحتى وفاته ودفنه فيها هو الآخر في واحد من أهم المقامات ذات المكانة الكبيرة عند عموم المصريين.

أخيراً شهد مسجد ومقام السيدة نفيسة عملية شاملة لتطويره وتجديده، إذ افتتحه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحضور سلطان البهرة ومجموعة من القيادات الرسمية والدينية.

قصة المسجد

عن السيدة نفيسة ومسجدها يقول الأكاديمي المتخصص في الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة جمال عبدالرحيم لـ"اندبندنت عربية"، "حبى الله مصر بأنه مر عليها وأقام فيها كثير من آل بيت النبي الذين حظوا بقيمة كبيرة في قلوب المصريين، والسيدة نفيسة هي بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، وزوجها هو إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين حفيد النبي".

ويضيف عبد الرحيم "عند وفاة السيدة نفيسة كان في نية زوجها أن يذهب بها إلى البقيع ليدفنها هناك، إلا أن أهل مصر رجوه أن يبقيها ويدفنها في بلدهم كما عاشت بينهم دائماً، ووسطوا السري بن الحكم الذي كان والياً على مصر وقتها ليستجيب زوج السيدة نفيسة وتدفن في موقع بيتها الذي عاشت فيه ثم يتحول لاحقاً إلى واحد من أشهر المساجد التاريخية".

ويشير إلى أن "بعض من آل البيت الذين لهم مساجد ومقامات في مصر يختلف المؤرخون والمتخصصون عما إذا كانوا دفنوا بالفعل في هذه المقامات، أم أن إنشاءها جاء كتكريم وتقدير من المصريين لمكانه أصحابها، إلا السيدة نفيسة فهي من المؤكد والثابت تاريخياً أنها عاشت وأقامت في مصر وبعد وفاتها دفنت فيها، ليتحول مسجدها إلى قبلة لمحبي آل بيت النبي محمد من مصر وخارجها، ولتعرف المنطقة التي يقع فيها المسجد بكاملها باسم السيدة نفسية حتى اليوم".

لعل مراحل عدة مر بها قبر السيدة نفيسة منذ وفاتها في عام 208 وحتى الوقت الحالي، وأشكال مختلفة للتطوير تمت في عهد كثير من الحكام الذين اجتمعوا على حب "نفيسة العلم" وعملوا على العناية بمقامها.

يقول عبدالرحيم "كان قبر السيدة نفيسة في البداية عبارة عن مقبرة عادية حتى جاء عصر الفاطميين في مصر فعنى الخليفة الأمر بأحكام الله بها، ولاحقاً في عصر المماليك وتحديداً محمد بن قلاوون تم تجديده، إلا أن التطوير الكبير جاء في القرن الـ18 في عهد عبدالرحمن كتخدا الذي عني ببناء المقام والمسجد وزخرفته، ومع عهد عباس حلمي الثاني أوائل القرن الـ20 شهد المسجد توسعة كبيرة لتتلاحق التجديدات حتى تجديده وافتتاحه الأخير".

ويمضي في حديثه "خلال الفترة الأخيرة هناك اهتمام كبير بتطوير وترميم مقامات آل البيت في مصر، ويأتي ذلك في إطار مشروع متكامل تتبناه الدولة لإنشاء مسار لزيارة مساجد آل البيت بغرض وضعها على خريطة السياحة الدينية التي تمثل أهمية كبيرة يمكن لمصر أن تنافس فيها بقوة وسيمكن المسار الزائر من زيارة كثير من مساجد آل البيت ومن بينها السيدة نفيسة والسيدة سكينة والسيدة عائشة والسيدة زينب، وصولاً إلى مسجد الإمام الحسين الشهير".

تكريم سلطان البهرة

رافق سلطان البهرة مفضل سيف الدين الرئيس المصري في أثناء افتتاح مسجد السيدة نفيسة الذي شاركت طائفة البهرة في تمويل ترميمه، وليست هذه هي المرة الأولى التي يشاركون في عمليات ترميم المساجد التاريخية بمصر، إذ سبق لهم المشاركة في عملية تجديد مسجد الحسين ومسجد الحاكم بأمر الله.

ومنح السيسي سلطان البهرة وشاح النيل تقديراً لجهوده في مصر على المستويات الثقافية والخيرية والمجتمعية، ليعرب الأخير في خلال كلمته التي ألقاها أثناء افتتاح المسجد عن سعادته بما تمثله هذه المبادرة الكريمة من تعزيز الروابط ومتانة العلاقات المميزة التي تجمع بلاده بمصر على مدار أعوام.

سيف الدين وجه شكره وتقديره لجهود مصر في ما يتعلق بعمارة بيوت الله، مؤكداً التسامح الديني والتعايش السلمي وانفتاح هذا البلد العربي على الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق كافة.

من البهرة؟

تكرار الظهور لسلطان البهرة في أكثر من مناسبة مماثلة أثار التساؤلات لدى بعض عموم الناس عن البهرة، وماذا يمثلون؟ وما الأسباب التي تدفعهم للمشاركة بموازنات ضخمة في تطوير مساجد تاريخية مصرية؟ وما الذي يربطهم بها من الأساس؟

عن تاريخ البهرة وبداية ظهورهم تاريخياً، يقول الباحث في تاريخ الحركات الإسلامية محمد يسري "بعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر بالله عام 487 هـ نشب الخلاف بين أبنائه ليتمكن الابن الأصغر الذي كان يعرف بالمستعلي بالله من الوصول للحكم لتنقسم الشيعة الإسماعيلية إلى طائفتين، هما المستعلية مؤيدي المستعلي بالله الذين استوطنوا مصر واليمن والحجاز والنزارية مؤيدي أخيه نزار الذين تركزوا في العراق وإيران".

ويضيف "بعد وفاة الآمر بأحكام الله بن أحمد المستعلي بالله نشب الانقسام والخلاف مرة أخرى، فبايع بعضهم الحافظ لدين الله ابن عم الخليفة ليطلق عليهم الحافظية ويبايع بعضهم بن الآمر الذي كان يعرف بالطيب أبا القاسم، وكان طفلاً في ذلك الوقت ليطلقوا على أنفسهم الطيبية، ولينتقلوا به إلى اليمن عند الملكة أروى الصليحية التي أخفته ونصبت نفسها نائبة عنه في تولي شؤون الدعوة الإسماعيلية، واختارت الذؤيب بن موسى الوادعي ليصبح أول الدعاة المطلقين للإمام المستور، ولكن بوفاتها انتهت الدولة الصليحية ومن بعدها ابتعد الطيبيون عن السياسة واهتموا بالتجارة".

يشير يسري إلى أنه في اعتقاد البهرة أن الإمام الطيب تزوج وأنجب وانتقلت الإمامة لأبنائه وسلالته في الخفاء ليتولى الدعاة المطلقون مسؤولية الاهتمام بالدعوة الطيبية ونشرها، وساعدهم عملهم في التجارة في ذلك بشكل دقيق، وحالياً ليس هناك إحصاء دقيق لإعداد البهرة في العالم، ولكن يمكن أن يصل عددهم طبقاً للتقديرات إلى مليوني نسمة.

وتتركز الغالبية منهم في شبه القارة الهندية، وتحديداً في مدينة مومباي، بينما ينتشر الباقي في اليمن ومصر ودول شرق أفريقيا، والسلطان الحالي للبهرة هو مفضل سيف الدين، وتولى منصبه عقب وفاة أبيه محمد برهان الدين عام 2014، فيما يشغل طاهر فخر الدين بن السلطان مفضل منصب ولاية عهد الدعوة، وفقاً للباحث المصري.

اهتمام بتراث الفاطميين

على رغم قلة عددهم كطائفة إلا أن لهم نشاط ملحوظ في كثير من المجالات على المستوى العالمي يأتي من أبرزها الأعمال الخيرية والاهتمام بالتراث، إذ يذكر يسري أن "البهرة هي كلمة هندية قديمة معناها التاجر وبالفعل عمل كثير منهم في التجارة، بخاصة خط التجارة الذي كان ممتداً من اليمن إلى الهند، مما أسهم في انتشارهم في الهند واعتناق كثير من الهنود لمذهبهم".

وتابع "على مدار السنوات اشتهر البهرة بالاهتمام بالمشاريع الخيرية ومن بينها مشاريع متعلقة بتقديم الطعام للفقراء ومشاريع تكافلية للمحتاجين حتى إن الهند منحت جائزة السلام العالمية عام 2015 لسلطان البهرة مفضل سيف الدين".

ويضيف "يحرص البهرة في العالم بما فيهم المقيمون في مصر على الاهتمام بالجانب التراثي فيرتدون أزياء تقليدية تميزهم دائماً ويعنون بذلك بشكل كبير، وفي مصر اهتم البهرة بتاريخ وآثار الفاطميين ورصدوا مبالغ طائلة لترميم وتجديد المساجد التي تعود لهذه الحقبة باعتبارهم يرونها كإرث لأجدادهم الفاطميين أثناء فترة حكمهم لمصر عليهم العناية به، وفي الفترة الأخيرة شاركوا بالفعل في عمليات ترميم متعددة لمساجد تاريخية مثل مساجد الحسين والحاكم بأمر الله والسيدة نفيسة".

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية