من يحارب الإرهاب في إفريقيا؟

من يحارب الإرهاب في إفريقيا؟

من يحارب الإرهاب في إفريقيا؟


06/09/2023

أحمد مصطفى

تركز التغطيات، سواء في الإعلام الغربي أو العربي، لما يجري في دول غرب إفريقيا على تاريخ الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية وعلى التكالب الدولي في العقود الأخيرة على القارة كمنطقة نفوذ تزخر بالمواد الأولية وإمكانياتها الواعدة كسوق استهلاكي. فضلاً طبعاً عن أحاديث الحرية والديمقراطية وغيرهما مما يعظ به الغرب، غالباً كقول حق يراد به باطل.

على أهمية العوامل الداخلية المحلية، وحتى الحديث عن تأثير تلك التغيرات على النفوذ الفرنسي في المنطقة، إلا أن هناك جانباً في غاية الأهمية لا يحظى بالاهتمام. ذلك هو صعود الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء وخاصة في بلدان الساحل بغرب إفريقيا.

حتى فيما ينقله الإعلام من تصريحات رسمية، سواء من القادة الجدد أو المخلوعين أو من بلد النفوذ التي كانت تستعمر أغلب المنطقة – فرنسا – ليست هناك إشارة لخطر الإرهاب كعامل مؤثر في تلك التغييرات التي تشهدها دول المنطقة خاصة في العامين الأخيرين. فضلاً عن أن القوة العالمية التي ورثت الاستعمار القديم، بل وتعتبر نفسها رأس حربة ضد الإرهاب – الولايات المتحدة – لا تبدو مهتمة بذلك الخطر الكامن هناك. على الأقل هذا ما يبدو من الخطاب الرسمي الذي ينقله الإعلام، ولا نرى ما يجعل المرء يعتقد غير ذلك. منذ إعلان التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا قبل نحو خمس سنوات، انتقلت أخبار نشاط الجماعات الإرهابية إلى شمال إفريقيا، تحديداً في ليبيا، وجنوب الصحراء. وأصبحت مجموعات إرهابية محلية مثل «بوكو حرام» في نيجيريا و«القاعدة في بلاد المغرب» وغيرها ضمن تحالف أوسع من داعش والقاعدة. وشكلت ليبيا مرة أخرى رافداً للعناصر الإرهابية التي فرّت من العراق وسوريا، عبر تركيا لتلك الجماعات المحلية.

الغريب، أن ذلك تزامن مع خفض أمريكا جهودها لمكافحة الإرهاب، وتقليص قاعدتها في النيجر التي كانت تقوم بمهام المراقبة وأحياناً التصدي لنشاط تلك الجماعات الإرهابية من جنوب ليبيا إلى مالي. أما القوات الفرنسية في منطقة الساحل، والتي بلغت في أوجها خمسة آلاف، فلم تفلح في صد هجمات الإرهابيين، خاصة على مناجم الذهب في مالي وبوركينا فاسو والقرى والبلدات المحيطة بها.

يحدث ذلك منذ سنوات، وزاد في الأعوام التي سبقت أول انقلاب عسكري في منطقة غرب افريقيا في 2020 في مالي. وبغض النظر عن أي عوامل داخلية، أو حتى صراعات مصالح تدخل المؤسسة العسكرية طرفاً فيها بشكل أو بآخر، إلا أن القوة الوحيدة في أي من تلك البلدان التي يمكنها التصدي للارهابيين هي الجيش. وأغلب هجمات الجماعات الارهابية في مالي وبوركينا فاسو وعبر الحدود في النيجر كانت على قوات الجيش والأمن. وتجبر تلك الجماعات سكان القرى والبلدات التي تغير عليها كي يعملوا في مناجم الذهب، حيث يوفر لها ذلك المصدر التمويلي الجيد موارد لشراء السلاح ولتجنيد عناصر جديدة. ومعروف أن عقيدة تلك الجماعات الارهابية، كما هي لتنظيمها الأم الاخوان، تقوم على التناقض التام مع الجيوش النظامية.

ومن غير المستبعد أن تكون تلك الجيوش في بلدان غرب إفريقيا التي شهدت انقلابات عسكرية على السلطة أدركت أنها مهددة كمؤسسة تدّعي القوى الغربية التي تتحالف معها السلطة الحاكمة (فرنسا أو أمريكا) أنها تدعمها في مواجهة الإرهاب بينما الواقع أنها تترك الإرهاب يهددها. والرد الطبيعي أن تتولى هي كمؤسسة السلطة بنفسها، وتحسم العلاقة مع تلك القوى الخارجية وتحشد لمحاربة الإرهاب بقدراتها الذاتية وبدعم ممن يعمل فعلاً على مكافحة الإرهاب.

صحيح أن لروسيا الآن مصلحة في إضعاف النفوذ الأمريكي، والغربي عموماً، في أي مكان في العالم لكن من غير الواضح إن كان لموسكو دور واضح في مكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا. ولأن فرنسا تدّعي منذ سنوات، كمبرر لوجودها العسكري في دول المنطقة، أنها من يقود الحرب على الإرهاب هناك، فمن مصلحة روسيا أيضاً، سواء بالفعل المباشر أو فقط الاستفادة من الأحداث، أن ترى فرنسا تفشل ويطالب الحكام الجدد من العسكريين في دول المنطقة برحيل القوات الفرنسية كما فعلت سلطة الانقلاب في مالي وطردت تلك القوات.

أما أن تتدخل روسيا فيما بعد، وتدعم القيادات الجديدة في حربها ضد الإرهاب، فذلك لن يكون أمراً سيئاً على الإطلاق. حتى لو كان المقابل تعزيز الوجود الروسي في غرب القارة الإفريقية.

عن "الخليج" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية