مواجهات عسكرية أم حوارات سياسية؟.. آخر تطورات المشهد الليبي

مواجهات عسكرية أم حوارات سياسية؟.. آخر تطورات المشهد الليبي


23/03/2022

تراوح أزمة الحكومتين الليبيتين برئاسة فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة مكانها، دون ظهور أيّ أفق لحلّها على المدى القريب.

وفاقمت عملية الاستقطاب السياسي والعسكري بين الطرفين الأزمة، لتعيد إحياء ميليشيات مسلحة كانت قد فقدت أيّ تأثير لها على أرض الواقع في مناطق الغرب الليبي.

فما هي تطورات المشهد الليبي؟ وكيف ستنتهي الأزمة بين الدبيبة وباشاغا؟ وكيف ستكون الاصطفافات العسكرية؟

باشاغا وصل إلى تونس قبل أيام للتفاوض مع قادة الميليشيات في المنطقة الغربية في مسعى لاستمالتها ضد الدبيبة

نقلت صحيفة "العرب" اللندنية عن مصادر خاصة لها أنّ رئيس الحكومة المكلف باشاغا وصل إلى تونس قبل أيام للتفاوض مع قادة الميليشيات في المنطقة الغربية، في مسعى لاستمالتها ضد الدبيبة الذي يرفض التنازل عن السلطة إلّا لسلطة منتخبة.

وقد رافق باشاغا في زيارته وزير الدفاع بحكومته أحميد حومة الذي أكد أول من أمس، في تصريحات إعلامية محلية، أنّه التقى ممثلي بعض التشكيلات المسلحة والمناطق العسكرية في تونس، وتواصل مع آخرين هاتفياً، مشدداً على استعداده "للجلوس مع من يرغب، والإجابة بكلّ صراحة".  

إقرأ أيضاً: لماذا تخلى إخوان ليبيا عن فتحي باشاغا؟

وأضاف حومة أنّه سوف يتواصل لاحقاً مع أمراء المناطق العسكرية في غرب ليبيا "للوقوف على كلّ الاحتياجات والتشاور معهم، والتشاور المباشر مع رئيس الأركان الفريق الحداد، والتواصل مع التشكيلات المسلحة التي تتبع المجلس الرئاسي".

ووفقاً للصحيفة، فإنّ مراقبين يقللون من إمكانية نجاح باشاغا وحومة في إقناع الميليشيات بدعم الحكومة الجديدة، خاصة أنّها الآن في وضع أكثر من مريح، مستفيدة من حالة الاستقطاب بين الحكومتين، وهو ما أعاد الاعتبار إليها، حيث همّش دورها خلال الفترة الماضية في ظل حالة الاستقرار الهش الذي كانت تشهده البلاد.

وينظر إلى هذه المحادثات على أنّها الفرصة الأخيرة لباشاغا لدخول العاصمة، وإلا فإنّ حكومته ستكون قد ولدت ميتة، إذا ما اتخذ من مدينة أخرى (سرت أو بنغازي) مقرّاً له.

في حين يقول مراقبون إنّ الخيار العسكري لن يكون لصالح باشاغا، في ظلّ اختيار أغلب الميليشيات الانحياز إلى الدبيبة.

حومة يؤكد أنّه سوف يتواصل مع أمراء المناطق العسكرية في غرب ليبيا للوقوف على كل الاحتياجات والتشاور معهم، ومع التشكيلات التابعة للمجلس الرئاسي

فأغلب المجموعات المسلحة في مصراتة وطرابلس والمنطقة الغربية بشكل عام تدين بالولاء للدبيبة، غير مستبعدة أن تكون قد حصلت على إغراءات مالية مقابل هذا الموقف.

وباشاغا لا يسيطر إلّا على جزء من كتيبته الشخصية "حطين"، التي شهدت بدورها انقساماً، حيث ينظر بعضها إلى الحكومة الجديدة على أنّها خطر يهدد تماسك مدينة مصراتة التي ينحدر منها الدبيبة وباشاغا.

إقرأ أيضاً : ليبيا: الإخواني المشري يغير موقفه من باشاغا ويهاجم مجلس النواب... ماذا حدث؟

وراجت الأنباء عقب منح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة ونزول باشاغا في مطار طرابلس، وعقده مؤتمراً صحفياً من هناك، بأنّه يسيطر على أكبر المجموعات المسلحة في طرابلس، وخاصة ما يُسمّى بـ"جهاز دعم الاستقرار" بقيادة عبد الغني (غنيوة) الككلي وثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري، لكنّ قيادات من هذه المجموعات نفت مؤخراً ذلك.

وبدلاً من العثور على توافقات سياسية والخروج بصيغة مقبولة للاستقرار إلى حين موعد الانتخابات، إذا كانت هناك انتخابات أصلاً، يبدو أنّ الدبيبة وباشاغا قرّرا خوض منافسة للسيطرة على الميليشيات المنتشرة في الغرب بالدرجة الأولى.

مراقبون يؤكدون أنّ الخيار العسكري لن يكون لصالح باشاغا في ظل اختيار أغلب الميليشيات الانحياز إلى الدبيبة

وفي صورة ما لم يتمكن باشاغا من دخول طرابلس، فإنّه سيكون رئيس حكومة موازية بلا ميزانية وغير قادرة على السيطرة حتى على المنطقتين الشرقية والجنوبية الواقعتين تحت سيطرة قائد الجيش المشير خليفة حفتر.

وفي هذه الحال سيكون باشاغا قد خسر شعبيته في المنطقة الغربية التي اكتسبها في البداية خلال مشاركته في الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، ثم قيادته لعملية فجر ليبيا التي يوصف بـ"مهندسها"، وأخيراً مساهمته في صد الهجوم الذي نفذه الجيش بقيادة حفتر على طرابلس في نيسان (أبريل) 2019

.

بعيداً عن المقارنات العسكرية، حذّر رئيس الحكومة الليبية المُعيّن من البرلمان، فتحي باشاغا، جميع المؤسسات الرسمية من تنفيذ تعليمات وقرارات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وأعلن نائبه سالم الزادمة عن استلام مقار حكومية بجنوب البلاد، تزامناً مع اتخاذ رئيس المجلس الرئاسي موقفاً محايداً من الأزمة السياسية والدستورية التي دخلت شهرها الثاني.

إقرأ أيضاً: ليبيا: باشاغا يبدأ المشاورات لتشكيل حكومته... وحراك عسكري موالٍ له في طرابلس

وأصدر باشاغا منشوراً أمس بصفته رئيساً لمجلس وزراء الحكومة الليبية، وجّهه لرؤساء المؤسسات والمصالح والهيئات والأجهزة والشركات العامة وما في حكمها والشركات التجارية المملوكة للدولة وعمداء البلديات.

وقال في منشور عبر الصفحة الرسمية لحكومته بفيسبوك: "يُمنع منعاً باتاً تنفيذ أيّ قرارات أو تعليمات صادرة عن حكومة تصريف الأعمال منتهية الولاية قانوناً"، وفق ما نقلت صحيفة "بوابة أفريقيا".

باشاغا يُحذّر جميع المؤسسات الرسمية من تنفيذ تعليمات وقرارات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة

وأضاف: "يُمنع منعاً باتاً إجراء أيّ تعديل أو تغيير كلي أو جزئي في المراكز القانونية والإدارية لمجالس إدارات المصالح والمؤسسات والأجهزة والشركات العامة المملوكة للدولة تنفيذاً لقرارات الحكومة منتهية الولاية".

وتابع باشاغا أنّه "يحظر على الجهات المختصة قانونياً مباشرة أيّ إجراء بشأنها"، مُحذّراً: أنّ "كلّ من يخالف أحكام هذا القرار يقع تحت طائلة المسؤولية القانونية الكاملة ويُعرّض نفسه للمساءلة".

في سياق متصل، أعلن نائبه سالم الزادمة أمس مباشرة حكومة باشاغا أعمالها ومهامها بالمنطقة الجنوبية من خلال مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية بمدينة سبها، بحضور عدد من أعضاء الحكومة والمشايخ والأعيان.

إقرأ أيضاً : ليبيا: الدبيبة يلجأ إلى مصراتة لحصد التأييد... وهذا موقف القيادة العامة من باشاغا

وأكد الزادمة، في بيان مصوّر من مقر ديوان رئاسة الوزراء بمدينة سبها، التزام الحكومة المكلفة من مجلس النواب "بخريطة الطريق المنبثقة من التوافق الليبي- الليبي، المعتمدة من مجلس النواب، وعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفقاً للمؤسسة الدستورية والتوافق وانتهاء بالمرحلة الانتقالية".

وتعهّد نائب باشاغا بأن تكرّس الحكومة جهودها لحماية الثوابت الوطنية "المتمثلة في ضمان وحدة ليبيا واستقرارها وسيادتها، تمهيداً للوصول إلى المصالحة الوطنية الشاملة، على أسس العدالة التصالحية، ومحاربة ممارسات الفساد الإداري والمالي بكلّ أشكاله، وعدم التهاون مع المعتدين على أموال الشعب الليبي في الداخل والخارج".

سالم الزادمة: مباشرة حكومة باشاغا أعمالها ومهامها بالمنطقة الجنوبية من خلال مقار الوزارات والمؤسسات الحكومية بمدينة سبها

بالمقابل، يستمرّ الدبيبة في ممارسة مهامه من خلال اجتماعه أمس مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، ووزراء المالية، والتخطيط، والدولة لشؤون مجلس الوزراء، بحضور مستشار المحافظ، ومدير إدارة الميزانية بوزارة المالية، بحسب المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية.

 وأكد الدبيبة خلال الاجتماع على أهمية دعم المؤسسة الوطنية للنفط من خلال اعتماد الخطة التقديرية السنوية، وتوفير الموارد المالية اللازمة لها.

من جانبه، أكد محافظ مصرف ليبيا المركزي أنّ الاهتمام بإنتاج النفط الليبي أصبح ضرورة ملحّة، مبدياً استعداد المصرف لتقديم كافة التسهيلات اللازمة لدعم المؤسسة الوطنية للنفط.

إقرأ أيضاً : الإخوان المسلمون في ليبيا (1): المال والعلاقات الخارجية

من جهته، أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، خلال لقائه أمس بطرابلس عدداً من المترشحين للانتخابات الرئاسية، أعلن التزام المجلس بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن، وفق قاعدة دستورية يتفق عليها الجميع.

وأضاف المنفي في بيان للمكتب الإعلامي للرئاسي أنّ "المجلس يقف على مسافة واحدة من الجميع"، مشيراً إلى نجاح المجلس في تثبيت وقف إطلاق النار، وتوحيد المؤسسات، ودعم عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، وكذلك إنشاء مفوضية وطنية للمصالحة الوطنية.

"فرانس برس": أطراف دوليون يخشون من أن يؤدي المأزق الحالي في ليبيا الناتج عن محاولة باشاغا تسلُّم السلطة، وسط رفض الدبيبة التنحّي، إلى تصعيد ومعارك جديدة

من جانبه، رحّب المرشحون للانتخابات الرئاسية وفق البيان بمقترح المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز بشأن دعم الانتخابات.

وأكدوا ضرورة أن تكون الانتخابات البرلمانية والرئاسية متزامنة، وتُجرى في أقرب الآجال، كما عبّروا عن امتنانهم لجميع الجهود الوطنية والدولية الداعمة لهذا الاتجاه.

وأوضح بيان المجلس الرئاسي أنّ "المرشحين أكدوا على أهمية عمل المفوضية العليا للانتخابات تحت الإشراف المباشر للقضاء".

وقبل أسبوعين وجّه باشاغا خطاباً لمؤسسات الدولة والجهات الرقابية والقضائية أمرهم فيها "بعدم الاعتداد بأيّ قرارات صادرة عن حكومة الوحدة".

وقتها ردّ الدبيبة على ذلك طالباً من وزراء حكومته الاستمرار في أعمالهم، مجدداً رفضه تسليم السلطة، إلّا لحكومة منبثقة عن برلمان جديد منتخب من الشعب.

هذا، وقالت وكالة "فرانس برس" في تقرير لها نُشر أمس: إنّ أطرافاً دوليين يخشون من أن يؤدي المأزق الحالي في ليبيا، الناتج عن محاولة الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة باشاغا، تسلُّم السلطة وسط رفض حكومة "الوحدة الوطنية المؤقتة" التنحّي، إلى تصعيد ومعارك جديدة في البلاد، فيما تتركز أنظار العالم على الحرب في أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في ليبيا (2): المال والعلاقات الخارجية

ونقلت الوكالة عن أستاذ العلاقات الدولية في جامعات ليبيا خالد المنتصر قوله: إنّ "باشاغا راهن على سياسة الأمر الواقع، وظنّ أنّه بمجرد نيل حكومته ثقة البرلمان، سيكون المخوّل تشريعياً تغيير الحكومة، فيزيح حكومة طرابلس المدعومة دولياً بسهولة؛ لكن تبيّن سريعاً عدم صواب هذا الاتجاه".

ومع ذلك، يرى المنتصر أنّ هناك فرصة لـ"الحوار السياسي" تظلّ ورقةً ممكنة عبر تقديم بعض "التنازلات".

من جهته، قال المحلل السياسي فرج الدالي للوكالة الفرنسية: إنّ الخلاف بين الحكومتين أظهر نوعاً من التضامن الدولي تجاه الأزمة الليبية، مضيفاً: "واشنطن والبعثة الأممية تقودان بوتيرة عالية مفاوضات بين الدبيبة وباشاغا، ممّا يدلّ بشكل قاطع على عدم رغبة المجتمع الدولي والولايات المتحدة برؤية مشهد الحرب يتكرّر في ليبيا، خصوصاً مع التطورات العالمية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية".

ويرى الدالي أنّ الأمم المتحدة تدرك جيداً أنّ "الخلاف القائم بين الحكومتين يمكن حلّه عبر التفاوض ومنح كلّ طرف بعض المكاسب، وبالتالي خيار الحوار ربما يكون متفوقاً على خيار الحرب".

وعقد مجلس الأمن اجتماعاً الأسبوع الماضي حول ليبيا "التزمت خلاله القوى الكبرى والأمم المتحدة حذراً كبيراً حيال الأزمة السياسية التي تهز البلاد، من دون أن تنحاز لأيّ من الطرفين، باستثناء روسيا التي أعلنت صراحة دعمها لباشاغا"، وفق التقرير.

بدورها، قالت الخبيرة القانونية والأستاذة الجامعية إيمان جلال، لـ"فرانس برس": "رغم تراجع رئيس الحكومة (باشاغا) عن خياره العسكري لدخول طرابلس؛ فإنّ ذلك لا يعني عدم إعادة الكرة مستقبلاً، في حال استمرت حالة الجمود السياسي، قطعاً لن يرضى باستمرار إبعاد الدبيبة له عن مركز القرار السياسي في العاصمة".

وفي 3 آذار (مارس) الجاري، طرحت المستشارة الأممية لدى ليبيا ستيفاني ويليامز مبادرة لاحتواء الأزمة الليبية تنصّ على تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والدولة لوضع قاعدة دستورية تقود البلاد إلى الانتخابات في أقرب وقت، وانطلقت أولى اجتماعات تلك اللجنة أمس بتونس.

وأكد سفير الولايات المتحدة الأمريكية ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلان، دعم بلاده مبادرة ستيفاني وليامز فيما يتعلق بالقاعدة الدستورية، قائلاً: "هناك الكثير من الاصطفاف حولها، والمجتمع الدولي يدعم أيضاً هذه المبادرة، ونرغب في أن ينضم الليبيون لدعم هذه العملية، ونحن متفائلون أن يستعاد هذا الزخم للانتخابات بأسرع وقت".

كما جدد نورلاند، في مقابلة مع وكالة الأنباء الليبية "وال"، الدعوة إلى ضرورة إجراء الانتخابات في ليبيا بشكل عاجل، قائلاً: "سنكون مستغربين إذا لم تنظم الانتخابات بشكل عاجل، وإنّ أولئك الذين يدعون إلى تأجيلها إلى وقت طويل هم مخطئون، فالشعب الليبي يريد الانتخابات عاجلاً غير آجل".

الصفحة الرئيسية