مواجهة خطابات التّمييز والكراهية... ركيزة في الدبلوماسيّة الإماراتيّة!

مواجهة خطابات التّمييز والكراهية... ركيزة في الدبلوماسيّة الإماراتيّة!

مواجهة خطابات التّمييز والكراهية... ركيزة في الدبلوماسيّة الإماراتيّة!


18/06/2023

حسن المصطفى

العمل الدبلوماسي، والسياسة الخارجية للدول، لم تعد تتوسم الأساليب التقليدية، بل صارت تجترح أنماطاً مختلفة من الأداء، بناءً على تطور مفهوم "الدبلوماسية" وتفرعه لمسارات عدة مختصة، تعمل على معالجة ملفات معينة وتحقيق أهدافٍ مرصودة وفق رؤية استراتيجية، وليس مجرد علاج نزاعات آنية أو قضايا طارئة، لأن الفعل السياسي في حقيقته، فعل يقوم على التراكم، حتى لو كانت بعض الخطط لا تبرز نتائجها إلا بعد حين، إلا أنها فعالة!

في هذا السياق، وضمن ما يمكن تسميته بـ"الدبلوماسية العامة"، أتت الخطوة المشتركة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، في "مجلس الأمن الدولي"، والمتعلقة بالقرار الرقم (2686) حول "التسامح والسلام والأمن الدوليين"، وهو "أول قرار يعترف بأن العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز العنصري والتمييز بين الجنسين يمكن أن تؤدي إلى اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها"، وفق ما نقله موقع "الخارجية الإماراتية".

القرار "يعترف بأن العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز العنصري والتمييز بين الجنسين، يمكن أن تؤدي إلى اندلاع النزاعات وتصعيدها وتكرارها"، لذا شجع القرار الأممي "جميع الشركاء المعنيين، بما يشمل القادة الدينيين والمجتمعيين ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، على التصدي لخطاب الكراهية والتطرف الذي يؤدي إلى النزاع المسلح أو إلى تفاقمه".

إن النزاعات لا تحدث فجأة من فراغ، بل لها أسبابها التقليدية؛ إلا أنها أيضاً قد تحدث لأسباب تتعلق بالخطابات العنصرية والتحريض على الكراهية والعنف الرمزي؛ ويمكن ملاحظة ذلك في الصراعات التي برزت لأسباب عرقية – دينية، كما جرت في ألبانيا، أو أفريقيا، أو الحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي؛ فضلاً عن تلك الصراعات التي تؤججها "التنظيمات الإرهابية" المؤسسة على خطاب ديني يجترح التكفير وكراهية الآخر.

هذا القرار الأممي، يأتي ليحفز على علاج جذر المشكلة، المتعلق بالجانبين الثقافي والاجتماعي، لأن الأفكار هي التي تحرك العنف وتدفع نحو حمل السلاح أو التفجير!

الدبلوماسية التي انتهجتها الإمارات في مشاركتها بريطانيا في العمل سوية، تشير إلى أن أبو ظبي تدرك أن المسؤولية أكبر من مجرد كونها جهد دولة واحدة وحسب، بل على الهيئات الدولية مثل "مجلس الأمن" و"الأمم المتحدة" أن ترعى بجدية خططاً مشتركة لحصار خطابات الكراهية والتمييز.

من أجل فهم المشهد، يجب ألا يُقرأ هذا الجهد منفرداً، كونه جزءاً من سياق متصل، يعود لسنوات خلت، سعت فيها أبو ظبي لتحصين "الدولة" من تداعيات الصراعات التي شهدتها المنطقة ما بعد عام 2011؛ لذا اتخذت إجراءات واضحة ضد جماعات الإسلام السياسي، والخطابات التكفيرية أو التي تستخدم الدين أداة في العمل الحزبي.

هذه الإجراءات تزامنت مع خطة شاملة في التحديث وتمدين المجتمع، مع الحفاظ على هويته الإسلامية والعربية، دون أن تجعل هنالك تضاداً بين "الدين" و"الحداثة"، بل على العكس سعت الإمارات لأن تخلق كيانات فاعلة تساهم في ترسيخ قيم التسامح والسلم الأهلي ورحمانية الدين وتجاوز الانقسامات المذهبية.

عملية نقد الخطابات العنيفة ليست أمراً كافياً، بل لا بد من نقض الأسس الفقهية والفكرية التي قامت عليها، وبناء سردية جديدة، متماسكة، ومحكمة، على قدرٍ من الإقناع والموثوقية، تحل مكان الخطابات القديمة. 

السردية الجديدة عملت عليها مؤسسات حديثة، تنوعت مهامها، وحظيت بهيكليتها الخاصة، ودعمت بميزانيات مجزية، واستقلالية في الإدارة، حيث تم إنشاء: مجلس حكماء المسلمين، ومنتدى أبو ظبي للسلم، ومركز الموطأ؛ فضلاً عن اجتراح جوائز تشجيعية من أجل الإعلاء من قيمة التسامح، على غرار جائزة زايد للأخوة الإنسانية، وجائزة الحسن بن علي للسلم الدولية، وجائزة البردة؛ وهي جوائز تحفز على التنافس وفعل الخير والبعد من التعصب والانغلاق، وموجهة لفئات عدة، وليست مقتصرة على النخب الدينية والقيادات الثقافية وحسب، بل تلامس الجيل الجديد.

عام 2016، استُحدث منصب وزير دولة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات. وبعد التشكيل الوزاري في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، تولى هذا المنصب الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان ليصبح عضو مجلس الوزراء وزير التسامح. كما أن عام 2019، أُعلن "عام التسامح" في الدولة، حيث نظمت نشاطات ثقافية وفنية واجتماعية عدة، بهدف نشر الوعي بأهمية القبول بالآخر والتعددية الدينية والثقافية.

هذه الخطوات كلها جاءت لتبني رؤية تتحول مع الوقت إلى ثقافة عامة وسلوك مجتمعي. لأن التغيير الذهني يتطلب زمناً، وصبراً، كون البنى المعرفية الراسخة لا يستطيع الأفراد التخلي عنها بسهولة، ومسؤولية الدولة أن تخلق فضاءات داعمة للتنوير والتفكير الحر، تساهم في الدفع باتجاه التمدين والاعتدال، وهذا ما تم وفق المشاريع التي بُنيت.

لكي يتم حماية الفضاء العام، كان لا بد للقانون من أن يسود، ومن هنا،  أصدر الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في تموز (يوليو) 2015، مرسوماً بشأن "مكافحة التمييز والكراهية"، ويهدف القانون إلى "إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية". كما "يقضي القانون بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير".

ما تقدم يشير إلى منظومة عمل متكاملة، دفعت باتجاه أن تكون إحدى أدوات "الدبلوماسية العامة"، ونشطت أبو ظبي في السعي لخلق شراكات خارجية، وبناء شبكة واسعة من الفاعلين الدوليين المؤمين بهذه الأفكار.

هذه الأطروحات يجدها المراقب تحضرُ بوضوح في خطابِ وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، في أكثر من محفل دولي، وعلى مدى سنوات.

عام 2017، وفي كلمته أمام الدورة الـ 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تحدث عبد الله بن زايد عن دبلوماسية بلاده بخصوص ملف "التسامح"، مشدداً على أهمية "التركيز على نهج تعزيز قيم الرحمة والتسامح والتعددية بين الشعوب"، كاشفاً أن الإمارات تعمل "مع الشركاء الإقليميين والدوليين على وضع آليات تذكّر شبابنا بقيمنا الإنسانية المشتركة من جهة، وتعمل على مكافحة الخطاب الإرهابي من جهة أخرى، ومنها إنشاء واستضافة مؤسسات متخصصة مثل مركز "صواب" للتصدي لرسائل التطرف والإرهاب الإلكترونية، ومركز "هداية" لمكافحة التطرف، إلى جانب "مجلس حكماء المسلمين" الذي يهدف إلى التعريف بالوجه الحقيقي لديننا الإسلامي الحنيف، "ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة" الذي يهدف إلى تأصيل مبدأ السلم عند المسلمين"، مضيفاً: "أثبتت التجربة ضرورة تعرية خطاب التطرف والإرهاب وهزيمته فكرياً، والترويج لخطاب بديل قائم على مبدأ السلام والتعايش والتسامح".

إن موضوعات كـ"التعددية الثقافية والدينية" و"التسامح" و"احترام الآخر"، لم تعد مجرد مفاهيم ثقافية يناقشها المفكرون، بل هي اليوم في صلبِ "الدبلوماسية العامة"، وإحدى أدوات تحقيق السلام، حيث على الدول أن تتعاضد من أجل ترسيخ هذه القيم بين الشعوب، وفي الأداء الحكومي والمؤسساتي، لتخفيف حدّة النزاعات وتنقية البيئة من الأفكار المسببة لها!

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية