ميليشيا مسلحة مدعومة إيرانياً تهدد بقص أذن رئيس الوزراء العراقي

ميليشيا مسلحة مدعومة إيرانياً تهدد بقص أذن رئيس الوزراء العراقي


29/03/2021

كان الخميس الماضي يوماً عصيباً على حكومة مصطفى الكاظمي؛ حين انتشرَ فصيلٌ شيعيٌّ مسلح في شوارع العاصمة بغداد، يتوعّده بالقصاص وفريقهُ الأمني في الجهاز الحكومي. 

تتأرجح نتائج المنازلة بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والفصائل الشيعية الولائية لإيران، على حلبة اختبار فرض "هيبة الدولة" من عدمها

وتتأرجح نتائج المنازلة بين رئيس الوزراء العراقي والفصائل الشيعية الولائية لإيران، على حلبة اختبار فرض "هيبة الدولة" من عدمها، منذ تشكيل الحكومة، في أيار (مايو) العام الماضي، في وقتٍ يشهدُ العراق فيه انفتاحاً دولياً كبيراً عليه، ودعماً واسعاً له من قبلِ دوائر القرار العالمي والعربي. 
وكان من المفترض أن تشهد العاصمة بغداد، السبت، انعقاد قمة ثلاثية بين العراق ومصر والأردن، يحضرها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، والملك الأردني، عبد الله بن الحسين، لكنّ الكاظمي أعلنَ، مساء أمس الجمعة، تأجيل القمة إلى وقتٍ آخر.  

عناصر من فصيل ربع الله يتلون بيانهم أثناء استعراضهم العسكري في بغداد الخميس الماضي
وعلى طول القاطع الشرقي للعاصمة بغداد ووصولاً إلى أطراف المنطقة الرئاسية الخضراء (عقر دار الحكومة والبرلمان والبعثات الدولية)، استعرضَ فصيل ربع الله (اسم محلي عراقي يعني جماعة الله) الولائي، بسلاحهِ وعجلاتهِ، وهو ينادي بـ "قصّ أذن الكاظمي"، و"خفض صرف سعر الدولار أمام الدينار العراقي"، و"إقرار الموازنة"، وكان الاستعراض بعجلات تابعة لهيئة الحشد الشعبي. 

الحشد يتبرّأ ممّا حصل 
المباغتة الولائية من قبل فصيل "ربع الله" الإيراني، دفعت هيئة الحشد الشعبي إلى نفي ارتباط هذه الجماعة الحديثة العهد بالهيئة، وقالت الأخيرة، في بيان رسمي لها: "ننفي نفياً قاطعاً وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد الشعبي داخل العاصمة بغداد، حسبما تمّ تداوله في بعض وسائل الإعلام".
وأضافت: "تحرّكات قوات الحشد تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة"، مشيرةً إلى أنّ "أولويّتها تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أنّ مديرياتها تحمل التسميات الرسمية المعروفة".

اقرأ أيضاً: "ذا إيكونوميست": ميليشيات إيران تتوغل في العراق وتلوح بالتصعيد
وأعقب بيان الحشد، بيان لهادي العامري، رئيس تحالف الفتح الولائي، الذي عدّ انتشار المظاهر المسلحة "أمراً مرفوضاً"، وتحت أيِّ مسمى، وأكد أنّ "المطالبة بحقوق المواطن والدفاع عنها أمر مشروع وفي غاية الأهمية، لكن يجب أن يكون عبر الوسائل السلمية وطبق الإجراءات القانونية والدستورية". 

هادي العامري

لكن لوحظ في بيان العامري وجود تناغم مع المطالب التي رفعها فصيل "ربع الله"؛ حينما قال "ندعو الحكومة إلى أن تولي أهمية خاصة لمعالجة الآثار السلبية لرفع سعر الصرف  على المواطنين خصوصاً على الشرائح الفقيرة من خلال إجراءات عملية سريعة".

الكاظمي: لن نذهب إلى حرب أهلية 
الاستعراض العسكري من قبل الولائيّين لإيران، قوبلَ بردّ من أعلى مستوى حكومي، والذي أكّد على "عدم الاستسلام للسلاح" وتكرار تجربة صدام حسين الدموية.  

وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي: "السلاح لا يبني الحياة، ولن يجعلنا البعض نستسلم للسلاح"، مبيناً أنّ "السلاح لا يبني سوى الألم، ولا يترك سوى الوجع". 

وأشار إلى أنّ "هناك من يظنّ أنّه باستخدام السلاح سيهدّد الدولة أو يخيف رئيس الوزراء والحكومة، والله لن نخاف من أحد إلا من ضمائرنا"، مضيفاً: "لا نريد أن نذهب بالبلاد إلى حرب أهلية، أو إلى دوامة دماء، فقد حصدنا الكثير من الدماء، ولا نريد أن تتكرر تجربة صدام حسين بصناعة الدماء وتحويل شبابنا ونسائنا إلى وقود للحروب". 

الصحفي العراقي سلام الطائي لـ "حفريات": ميليشيا "ربع الله" تمارسُ عنفاً باسم الله تجاه المخالفين، لكنّها ذراع سياسية لإيصال رسائل إيران للعراق

وأكّد الكاظمي أنّ "هناك محاولات استعراضية من البعض لإفشال أيّة محاولة للعراق للانفتاح على العالم، واستعراض اليوم (الخميس الماضي) في بغداد الهدف منه إرباك الوضع وصناعة اليأس والإحباط في نفوس العراقيين". 

لكنّ الخبير الأمني، حسن الخليلي، علّقَ على خطاب الكاظمي قائلاً: "الفصائل تؤكد لرئيس الوزراء أنّها ما تزال قوية وحاضرة وتمسك الأرض في العاصمة، بغداد، وفي محافظات وسط وجنوب العراق".

الولائيون وخطورتهم على الأمن الوطني
يضيف الخليلي، لـ "حفريات": "الاستعراض المسلح غير الشرعي وغير القانوني في شوارع العاصمة، في ظلّ صمت الدولة، يكشفُ عن حدة التوتر بين اتجاهين متخاصمين في الشارع العراقي، تحديداً بين الشيعة العراقيّين"، مبيناً أنّ "الفئة الأخطر على الأمن الوطني العراقي تؤمن على نحو اليقين بنظرية ولاية الفقيه، وتعتقد أنّ الدفاع عن مصالح النظام الإيراني تكليف شرعي؛ لأنهُ يمثل الحكومة الإلهية، ولذلك يعبّرون عن أنفسهم بـ "حزب الله" و"ربع الله" و"جماعة الله" و… إلخ". 

الكاظمي يرد على استعراض ربع الله بفرض هيبة الدولة ويشدد على ضبط الأمن الداخلي.

ويطالب الخبير الأمني العراقي الحكومة العراقية بـ "التصدّي لكلّ من يستعمل العنف من تلك الجماعات، أو فتح باب الحوار معها لتعديل سلوكها، وذلك أضعف الإيمان"، مستدركاً "لكن يبدو أنّ الحكومة العراقية لا تعتمد أيّاً من هذين الخيارين". 

ويضيف أيضاً: "شعار "لا مواجهة ولا حوار" هو ما تريده الفصائل التي تتبع سياسة المرشد الإيراني، علي الخامنئي، الذي يعتمد الطريقة نفسها في مواجهة أمريكا: (لا حوار ولا مواجهة)"، واصفاً ما حصل في بغداد بأنّهُ "استعراض من أجل بثّ الرعب".

كتائب حزب الله تبرّر لشبابها "المتحمس" 

على الرغم من غموض الإدارة الرسمية لفصيل "ربع الله" الجديد، الذي أخذت مصادر تنسبهُ إلى كتائب حزب الله العراقي، أصدرت الأخيرة بياناً تبنت هذه الجهة المنسوبة إليها إعلامياً. 

اقرأ أيضاً: عناصر من ميليشيات الحوثي في العراق... ما مهامها؟ ومن يدعمها؟

وقال أبو علي العسكري، المشرف الأمني على الكتائب: "تمّ نقل قوات من الحشد الشعبي، التي نشرفُ على إدارتها ودعمها، إلى أحد أطراف بغداد لأداء مهامها للدفاع عن بلدنا العزيز، وهذا النقل روتيني، ولا يحتاج للتنسيق مع أيّة جهة، وبسبب بعض العوامل الأمنية والفنية تغيّر مسار الرتل إلى وسط العاصمة". 
وأضاف "استثمر بعض الشباب المتحمس (غير المنضبط) هذا المسار ليعبّروا عن مطالب حقّة، لكن بطريقة غير مقبولة لنا، أما مفهوم ضبط السلاح؛ فإن تم، فيجب أن يسري على الجميع دون استثناء الدول المحتلة للعراق"، مطالباً  "الجهات الإعلامية والحكومية بتوخّي الدقة في نقل الأخبار". 
وتابع قوله: "على مدّعي الإصلاح والمشاركين في الحكومة، النظر إلى حاجات المساكين والمستضعفين، وترك التنابز، وكيل التهم، والتصيد بالماء العكر". 

"إيران تعرف متى وكيف توصل رسائلها" 

من جانبٍ آخر، انتقد مراقبون عراقيون، الأداء الحكومي وضعف الأجهزة الأمنية في فرض هيبة الدولة على الجميع، مؤكدين أنّ "إيران تعرف متى وكيف توصل رسائلها" للعراق. 

وقال الكاتب والصحفي العراقي سلام الطائي: "مهما حاولت حكومة الكاظمي أن تجد تبريراً يعفيها من فشلها في مواجهة جماعات السلاح المتمردة، فلن تجد ذلك؛ لأنّ كلّ المؤشرات توضح أنّ السلاح يستحوذُ على القرار العراقي، ويملك مساحة كبيرة تمكّنه من التلاعب بخطوات انتشارهِ، تارةً بشكلها القانوني تحت عنوان الحشد وتارة أخرى بشكلٍ عقائدي"، مضيفاً: "هذا يشير إلى أنّ قوة السلاح أعلى من كلّ المسميات الأخرى التي تندرج ضمن إطار الدولة". 

ويؤكّد لـ "حفريات"؛ أنّ "فصيل "ربع الله" فرع من الفصائل الكبيرة التي تمارسُ عنفاً باسم الله تجاه المخالفين، لكنّها، في الحقيقة، ذراع سياسية تعرف أين تضرب ومتى وكيف، لإيصال رسائل إيران للعراق"، عازياً عجز الأجهزة الأمنية العراقية إلى "عدم وجود سند حكومي لها في حال قررت اتخاذ الإجراءات اللازمة". 

ويتابع قوله: "المخجل أنّنا صرنا نشعر بالاستحياء فيما لو قلنا دولة العراق، لأنّنا نناقض أنفسنا بذلك؛ ففي الحقيقة لا توجد دولة هنا، إنما عصابات مسلحة تتصارع على المغانم". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية