نهج جديد لتفكيك الأساس المادّي للحركة الإسلامويّة في تونس

نهج جديد لتفكيك الأساس المادّي للحركة الإسلامويّة في تونس

نهج جديد لتفكيك الأساس المادّي للحركة الإسلامويّة في تونس


02/01/2023

أحمد نظيف

بموازاة الصراع السياسي القائم بين الرئيس التونسي قيس سعيد والحركة الإسلاموية، يدور صراع قضائي – قانوني حول التشكيلات المادية للحركة، من شركات وجمعيات ومنظمات، شكلت على مدى العقد الفائت الرافد المالي لنشاط "حركة النهضة" وقوتها التنظيمية والسياسية. ربما تكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها الاقتراب من هذا الملف قضائياً، إذ احتفظت الحركة طويلاً بأسرار تمويلها، التي لم تكن حتى في متناول قيادتها، بل منحصرةً في القيادة العليا للحركة، وبخاصة الخاصة من جناح رئيسها راشد الغنوشي.

قبل يوم من العام الجديد، قررت النيابة العامة في المحكمة الابتدائية في تونس توقيف القيادي السابق في "حركة النهضة" والعضو في جمعية ''نماء تونس'' عبد الكريم سليمان، من أجل شبهات تبييض الأموال. ونقلت وسائل إعلام محلية أن هذا القيادي يشتبه في تورطه بالحصول على تدفقات مالية مشبوهة من الخارج بعد عام 2011، تقدر بأكثر من 30 مليون دولار وإيداعها في الداخل تحت واجهة شركات بطرق معقدة، بالإضافة إلى امتلاكه عقارات عديدة تقدر قيمتها بملايين الدولارات.

وفي وقت سابق أصدر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب قراراً بتجميد أموال جمعية ''مرحمة'' الخيرية، المقربة من الحركة، في علاقة بالتحقيقات المتعلقة بشبكات التسفير إلى بؤر التوتر والإرهاب خارج البلاد. وهنا لا يتعلق الأمر بمجرد جمعيات خيرية، بل بمنظمات ذات تمويل ضخم تعتبر من الركائز المالية للحركة منذ سنوات. فقد شكلت جمعية "نماء تونس"، إحدى المنظمات الاقتصادية الرافدة للحركة، وقد اشتغلت منذ سنوات على ربط مجتمع الأعمال التابع للحركة بمجتمعات الأعمال في تركيا وقطر، ومن أبرز قياداتها رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي. أما "مرحمة" فهي منظمة خيرية تأسست منذ عقود في المهجر ثم عادت إلى تونس بعد ثورة 2011، وشكلت عنصراً هاماً في النسيج الاجتماعي للحركة. 

في أعقاب صدور المرسوم الرقم 88 في أيلول (سبتمبر) 2011، والذي سهل كثيراً الإجراءات الإدارية لإنشاء الجمعيات، ظهرت العديد من الجمعيات ذات المرجعية الدينية، مثل المنظمات الخيرية والدعوية، في الفضاء العام التونسي الجديد. تم تطوير معظم هذه الجمعيات في البداية كمحفزات للنشاط الإسلاموي، في اتجاه حصر الحزب في التخصص السياسي والتخلي عن العمل الاجتماعي والثقافي لهذا السديم من الجمعيات المنتشرة في كل قرية ومدينة. في هذا السياق من انتشار المنظمات الحزبية والجمعيات، تمت إعادة استثمار الروابط الإسلاموية التي كانت مخفية في الماضي، كما كانت الحال في تركيا في الثمانينات، من خلال طفرة في إنشاء الشركات والجمعيات، بما في ذلك جمعية "نماء" أو "الجمعية التونسية للاقتصاد الإسلامي" وغيرهما. وقد أدت هذه الروابط أيضاً إلى تحركات خلال الانتخابات التي تجرى في المنظمات النقابية الاقتصادية، مثل الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي تسيطر عليه الآن "النهضة". وفّر هذا الالتزام الحزبي النقابي للحركة عندما ضعفت مكانة الحزب بعد 2014. وهكذا أصبحت العضوية في هذه الشبكات الناشطة الاقتصادية موقعاً للنفوذ والتأثير، كما توفر هذه الجهات الفاعلة الاقتصادية الحزبية، المحلية أو في الشتات، فرصاً غير مسبوقة للاستثمار، مستفيدةً من قوة الحزب داخل الدولة، في ضرب رأسمالية المحاسيب التي كانت سائدةً في عهد الرئيس زين العابدين بن علي. كما أن هذه الجمعيات، من خلال نموذج تمويلها القائم على طلب التمويل الخارجي، كانت أفضل وسيلة لتأمين التدفقات المالية اللازمة لتشغيل التنظيم الحزبي الضخم، والمترامي الأطراف، وطنياً ومحلياً. 

في ورقة بحثية نشرتها الأستاذة ديليك يانكايا عام 2020 حول "أصحاب الأعمال والمواقف الاقتصادية للإسلاميين في تركيا وتونس: من إطار عمل جماعي إلى الأجندة الحزبية"، تشير الباحثة إلى أن مجموعة أصحاب العمل في جمعية "نماء" حصلت على رعاية علنية من "حركة النهضة"، عندما ضعفت مكانة الحركة في الحكومة منذ عام 2014، مثل حزب "العدالة والتنمية" الذي أقام روابط مع "جمعية الصناعة والأعمال التركية"، ممثلة الشركات الكبرى، لضمان وصوله إلى السلطة، وخلال ولايته الأولى (2002-2007)، أظهر تحالفه الاستراتيجي مع الجمعية على نحو علني. أولاً، لأن إضفاء الطابع السياسي على "أسطورة التنمية" لا يمكن أن يحدث إلا مع قادة الشركات الكبرى، "الوكلاء" التقليديين لتأسيس الدولة التنموية. ثانياً، يوضح هذا التحالف كيف يهتم حزب جديد بتعزيز قاعدة سلطته أكثر من اهتمامه بتنفيذ سياسة عامة معينة.

ومع ذلك، فإن الحركة الإسلاموية التونسية طيلة وجودها في السلطة لم يكن لديها نموذج اقتصادي واضح للغاية. كانت دائماً تحاول التحرك نحو نموذج يوازن بين مصالح الجميع. وهكذا نلاحظ كيف أن ما كان يُنظر إليه على أنه غياب لنموذج اقتصادي بديل في حزب "النهضة" هو نتيجة نهج كامل لمصلحة عملية تحول حركة دينية تريد التغيير الجذري إلى حزب سياسي هدفه الوحيد السلطة. لكن هذه التحولات لا تؤدي، مع ذلك، إلى ظهور فرضية الاعتدال بمعنى تسوية أيديولوجية أو معرفية، أو عدم وضوح العلاقة بالدين. تظل المعتقدات التعبوية، سواء كانت اقتصادية أم دينية، مهما حدث، في بناء دائم.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية