هبة شعبية في حضرموت ضد هيمنة الإخوان

هبة شعبية في حضرموت ضد هيمنة الإخوان


22/12/2021

تشهد المناطق المحررة في اليمن حراكاً اجتماعياً كبيراً احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية، والتي زادها صعوبةً انخفاض سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار، وإخفاق السياسات المالية للحكومة الشرعية في معالجة الأزمة.

وتزداد الأزمة الاقتصادية وطأةً في المحافظات الجنوبية، على الرغم من توافر مقومات تحسين الأوضاع، وهو ما جعل الحراك الشعبي يصوب انتقاداته تجاه السلطة التنفيذية، والتي تهيمن عليها الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن، حزب التجمع الوطني للإصلاح، بشكل مباشر، كما في محافظة شبوة، وبشكل غير مباشر في محافظة حضرموت، والتي تشهد هبّة شعبية تشارك فيها سائر المكونات الاجتماعية ضدّ السلطة التنفيذية التي أفقرت الحضارمة.

مؤتمر حضرموت العام

وعقدت قوى اجتماعية وسياسية ونقابية حضرمية، في 26 من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لقاء باسم مؤتمر حضرموت العام "حرو"، لبحث الأوضاع الاقتصادية المتردية والمخاطر التي تحيق بالمحافظة، استجابةً لدعوة كتلة وحلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت والجنوب، والتي تمثّل كياناً سياسياً واجتماعياً ونقابياً يعبّر عن مطالب حضرموت والجنوب ككل.

لقاء لقوى سياسية واجتماعية من حضرموت

واتفق المجتمعون على مطالب اقتصادية وسياسية واجتماعية، من بينها: رفض تسعيرة المشتقات النفطية والمطالبة بتخفيضها، وأن تكون حضرموت منطقة عسكرية واحدة بقيادة النخبة الحضرمية، في كلّ من الساحل والهضبة والوادي والصحراء. وفتح معسكرات ومراكز تدريب الشباب الحضارمة، وتشكيل مقاومة حضرمية بقوام أقلّه 25000 ألف مقاتل، وتفعيل قرار رئيس الجمهورية بتجنيد 3000 مجند، على أن تشمل جميع أبناء حضرموت، وغير ذلك من المطالب الاقتصادية.

ودعا اللقاء إلى توحيد الصف الحضرمي، والاستعداد لمجابهة أيّ عدوان حوثي، وتشكيل لجنة من الأعيان والشخصيات الاجتماعية للتواصل مع التحالف العربي والسلطة المحلية من أجل رفع المعاناة عن المواطنين.

تنبع المشاكل في المناطق الجنوبية من هيمنة حزب الإصلاح الإخواني على معظم المناصب التنفيذية، وتسخيرها لخدمة مصالحه على حساب شعب الجنوب، وذلك عبر نفوذهم القوي في الرئاسة

ونتيجةً لعدم استجابة السلطة التنفيذية بقيادة المحافظ وقائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فرج سالمين البحسني، شهدت المحافظة حراكاً اجتماعياً متنوعاً، منذ مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وقدم رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، ووكيل أول المحافظة، الشيخ عمرو بن حبريش، استقالته من السلطة التنفيذية، وكان الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد عيّنه في منصبه ضمن مصالحة اجتماعية في المحافظة، بعد الهبّة الشعبية التي شهدتها، إثر اغتيال شيخ قبائل حضرموت، المقدم سعد بن حبريش.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: "جريمة" في مقر النهضة وتحريض في المغرب وتواطؤ في اليمن

وقال مراقبون سياسيون لصحيفة "الأيام" اليمنية؛ إنّ تخلي المؤتمر الجامع عن قيادة دفة المحافظة يعدّ مفاجأة غير متوقعة للمحافظ، كما يعدّ إحدى تبعات المتغيرات القادمة على الساحة اليمنية بعد سقوط معظم مناطق مأرب، وتفاقم الأوضاع المعيشية داخلياً، وتصاعد غضب الشارع الحضرمي بعد سقوط قتلى برصاص قوات الأمن.

وانبثقت لجنة تنفيذية عن مؤتمر حضرموت العام "حرو"، تقود الحراك الشعبي، وتحدّد خطوات التصعيد، وعقدت أكثر من لقاء، كان آخرها بتاريخ السبت الماضي، جاء في بيانه: "الإفراج عن الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمرور في النقاط الشعبية من جميع مناطق حضرموت بشرط التزام السلطة المحلية وقيادة المنطقة العسكرية الأولى، بمطالب تتعلق بإيقاف تصدير الثروة السمكية، وإعادة تسعير المحروقات، وعدم تحصيل جبايات غير شرعية".

الهبّة الشعبية الثانية

ويُطلق على الحراك اسم الهبة الشعبية الثانية، وهو المسمى الذي لا يوافق عليه مؤتمر حضرموت الجامع، نظراً لاختلاف الجهات الداعية والمشاركين والأهداف، وإن كان كلاهما يهدف إلى تحقيق مصالح مأرب، لكنّ مؤتمر حضرموت الجامع يعمل تحت غطاء الشرعية، ويضمّ جميع ألوان الطيف السياسي بمن فيهم حزب الإصلاح، بينما كتلة وحلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت والجنوب الداعية للفعاليات الجارية، تؤيد القضية الجنوبية، وتدعو إلى حكم فيدرالي في دولة جنوبية، وتضمّ المؤيدين للمجلس الانتقالي الجنوبي.

الصحفي الشرفي: جاءت الهبة بعد ضغوطات شعبية ومسيرات متفرقة في مختلف نواحي حضرموت

ومن حضرموت، يقول الصحفي محمد الشرفي: "جاءت الهبة بعد ضغوطات شعبية ومسيرات متفرقة في سائر نواحي حضرموت، بدايةً من مدينة المكلا، للمطالبة بتحسين الوضع المعيشي ووقف فساد السلطة التنفيذية. وأدّى سقوط قتلى على يد الأمن إلى تداعي أهل المحافظة ضدّ السلطة التنفيذية التي أفقرتهم، حتى صاروا لا يستطيعون شراء المحروقات، رغم أنّ المحافظة مُنتجة للنفط، الذي يذهب إلى مأرب ومناطق الحوثيين".

اقرأ أيضاً: التحالف العربي يحبط هجمات حوثية... آخر تطورات المعارك باليمن

وأضاف الشرفي لـ "حفريات": "لهذا جاء مؤتمر "حرو" بمطالبه، وحين لم تستجب السلطة التنفيذية والحكومة والرئاسة، بدأ التصعيد بإقامة نقاط تفتيش مسلحة من القبائل لمنع مرور شاحنات النفط والبضائع، لحين الاستجابة للمطالب وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمحافظة أولاً، وما زالت الاحتجاجات مستمرة لحين تلبية المطالب".

خلافات سياسية

وكان بيان مؤتمر "حرو" دان ما وصفه بـ "غياب شبه كامل عن مجريات الأحداث، الذي يشهده حلف حضرموت ومؤتمرها الجامع"، وقبيل ذلك جاء تدشين كتلة وحلف وجامع حضرموت من أجل حضرموت والجنوب؛ كالانفصال عن مؤتمر حضرموت الجامع، بسبب خلافات حول الرؤى السياسية وتفعيل اللوائح الداخلية، وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب الحقيقية وراء إجلاء السفير الإيراني من اليمن؟

ولم يشارك مؤتمر حضرموت الجامع في الدعوة إلى الحراك الشعبي الذي تشهده المحافظة، وإنّ كان داعماً لتحسين الأوضاع المعيشية، ورافضاً في الوقت نفسه بعض الخطوات التصعيدية، ويقول رئيس الدائرة الإعلامية لمؤتمر حضرموت الجامع، صلاح بو عابس: "جاءت استقالة الشيخ عمرو بن حبريش من منصبه الرسمي كوكيل أول لمحافظة حضرموت، للفت نظر السلطات العليا لهذه الأوضاع المتردية ودعوتهم إلى انتشالها والتدخل لترميم البيت الداخلي، والعمل على كل ما يخدم المواطنين ويحسن من حياتهم المعيشية. كما أبدى مؤتمر حضرموت الجامع تأييده لكل التحركات الشعبية والنقابات على وجه الخصوص، والتي تتبع خطوات سليمة وتنادي بالطرق السلمية والحضارية لانتزاع الحقوق وتحقيق مطالب تحسين المعيشة".

وقفة احتجاجية للنقابات في حضرموت

وأفاد لـ "حفريات" بأنّ "أبناء حضرموت جميعهم ليسوا مع الفوضى والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة أو إقلاق حالة السلم، وهم ليس مع من يحمل معاول الهدم أو أجندات لا تخدم حضرموت وأمنها واستقرارها".

اقرأ أيضاً: مارتن غريفيث يشيد بدور السعودية في المشاريع الإغاثية في اليمن

وكانت بعض الأصوات الحضرمية عبّرت عن شكوكها تجاه الحراك الشعبي، الذي يرتبط بالكتلة المؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وشنّت وسائل إعلام حملات ضدّ هذا الحراك ورموزه، وتعليقاً على ذلك، يقول نائب رئيس لجنة الدراسات والبحوث والتدريب بالجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، عمر باجردانة: "قيام كتلة وحلف وجامع حضرموت بالدعوة والتحشيد للهبة الشعبية جاء من أجل وقف النهب والفساد الذي أفقر الحضارمة، والانتقالي الجنوبي بارك علانيةً هذا الحراك، كونه جزءاً من مطالب وحقوق الحضارمة والجنوب ككل، وليس هناك أية أجندات خفية، كما يزعم البعض".

ومن جانب آخر أشارت صحيفة "الأيام" اليمنية إلى دور قطري وعُماني وإيراني، لتوظيف شخصيات قيادية جنوبية لبناء نفوذ شعبي داخل حضرموت.

هيمنة الإخوان

وتنبع المشاكل في المناطق الجنوبية من هيمنة حزب الإصلاح الإخواني على معظم المناصب التنفيذية، وتسخيرها لخدمة مصالحه على حساب شعب الجنوب، وذلك عبر نفوذهم القوي في مؤسسة الرئاسة، والتي يصدر عنها معظم التعيينات الرسمية.

الباحث اليمني د. عمر باجردانة لـ "حفريات": محافظة حضرموت تشهد نهباً كبيراً للإيرادات، على يد المسؤولين المنتمين إلى الإخوان الذين يديرون قطاعات الموانئ والقضاء والإدارات الإيرادية

وحول وجود الإخوان في حضرموت، يقول عمر باجردانة: "تنقسم مديريات حضرموت إلى: مديريات الساحل، ومديريات الوادي والصحراء، والأولى لا نفوذ رسمياً للإخوان بشكل مباشر فيها، لأنّ المحافظ البحسني لا ينتمي للإخوان تنظيمياً، ولكنّه متماهٍ بشكل تامّ معهم، وهم في مديريات الساحل التي تضمّ عاصمة المحافظة، المكلا، لديهم نفوذ تجاري ومالي، ويعملون بقوة تحت غطاء العمل الإنساني".

الصحفي بو عابس: أبدى مؤتمر حضرموت الجامع تأييده لكل التحركات الشعبية

وتابع لـ "حفريات": "تُدار مديريات الصحراء والوادي من وكيل المحافظة، وقائد المنطقة العسكرية الأولى، عصام حبريش الكثيري، وهو محسوب على حزب الإصلاح الإخواني، ولا سلطة للمحافظ البحسني إطلاقاً عليه".

وأفاد بأنّ "المحافظة تشهد نهباً كبيراً للإيرادات، على يد المسؤولين المنتمين إلى الإخوان، والذين يديرون قطاعات الموانئ والقضاء والإدارات الإيرادية، ولهم سيطرة عسكرية في مناطق الوادي والصحراء".

اقرأ أيضاً: كم عدد خبراء حزب الله اللبناني في اليمن؟ وما مهمتهم؟

وعلى الرغم من الخلافات السياسية داخل المكوّن الاجتماعي لحضرموت، إلا أنّ هناك استجابة شعبية واسعة لدعوات "الكتلة"، واللجنة التنفيذية المنبثقة عن مؤتمر "حرو"، كون المطالب المرفوعة تمسّ الحياة اليومية للمواطنين، ولا تحمل تصعيداً يهدد الاستقرار.

وتشهد المحافظة منذ شهور العديد من الإضرابات التي دعت إليها النقابات العمالية، وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات، فضلاً عن الدعوة إلى العصيان المدني في عدد من المدن الكبرى، إلى جانب المسيرات التي تشهدها مناطق المحافظة بشكل يومي.

الباحث د. باجردانة: المحافظ البحسني لا ينتمي للإخوان تنظيمياً، ولكنّه متماهٍ بشكل تامّ معهم

وتقع محافظة حضرموت في شرق اليمن، وتمثّل 36% من مساحته، وتشترك في حدودها الشمالية مع المملكة العربية السعودية، ويوجد بها العديد من الآبار النفطية، وبلغ حجم الإنتاج ما يقرب من 260 ألف برميل يومياً في بعض الأعوام، وتتميز بثروتها السمكية في مناطق الساحل، والتي تعدّ من أهم مصادر الدخل.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية