هدنة بعد خراب غزة

هدنة بعد خراب غزة


19/05/2021

تتوالى الأنباء عن هدنة توقف نزيف الدم الفلسطيني، بعد أن تحول قطاع غزة إلى كتل مترامية من الدمار والأشلاء.

المؤشرات توحي بأنّ قطاع غزة هو آخر الأوراق السياسية المتبقية لإنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الفشل الذريع. هو يريد، كما يرى مراقبون، أن يظهر بصورة البطل، مهما بلغت الكلفة. لذلك تنقل الأخبار أنه لم ينهِ مهمته في غزة بعد. ثمة بنك أهداف سيكون وقودَه، بلا ريب، الأطفالُ والأبرياءُ والمزيدُ من التدمير الوحشي.

حالة غزة فرضت واقعاً جديداً في الداخل الفلسطيني الأوسع، وخلقت تجاوزاً للفواصل بين عرب ثمانية وأربعين أو عرب إسرائيل، والفلسطينيين تحت الاحتلال

أمس، الثلاثاء، طلب نتنياهو من الرئيس الأمريكي جو بايدن مهلة ليومين أو ثلاثة لإنهاء العمليات العسكرية في غزة، واستكمال ضرب "الأهداف" في القطاع، بينما شجع بايدن إسرائيل على "اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لضمان حماية المدنيين الأبرياء". ويبدو موقف الإدارة الأمريكية من العدوان على غزة، كموقف الإدارات السابقة. لا تغيير يذكر، مهما اختلفت اليافطات الحزبية بين معسكر جمهوري وآخر ديمقراطي. عند "أمن" إسرائيل تتساقط كل الأقنعة والذرائع.

ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر غربية مطلعة أنّ نتنياهو طلب من الإدارة الأمريكية مهلة يومين إلى ثلاثة لإنهاء عمليته العسكرية في قطاع غزة، مشيرة إلى أنّ الأميركيين طلبوا من نتنياهو إنهاء عدوانه على غزة، فرد أنه ما زال بحاجة ليومين إلى ثلاثة لاستكمال ضرب الأهداف في القطاع.

24-48 ساعة لإتمام العملية

وقال المراسل السياسي في موقع "والا" الإخباري الإسرائيلي باراك رافيد، لشبكة "سي إن إن" (CNN) الأمريكية فجر أمس، الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين "إنهم بحاجة إلى 24-48 ساعة لإتمام العملية في غزة ثم سيتوقفون".

طلب نتنياهو من الرئيس الأمريكي جو بايدن مهلة ليومين أو ثلاثة لإنهاء العمليات العسكرية في غزة

في المقابل، قال موقع أكسيوس (Axios) الأمريكي إنّ إدارة بايدن لم تعط إسرائيل مهلة نهائية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي قوله إنّ رسالة واشنطن العامة في اتصال بايدن ونتنياهو هي أنها تدعم إسرائيل، لكنها تريد إنهاء العملية في غزة، مضيفاً أنّ إدارة بايدن أوضحت أنّ قدرتها على كبح الضغط الدولي على إسرائيل بشأن عملية غزة وصلت إلى نهايتها.

المحللون رأوا في طلب نتياهو احتمالين؛ إما أنه أخفق في العملية الوحشية على القطاع، أو أنه يريد، كما توعّد، أن يكبّد المقاومة الفلسطينية، وحماس بخاصة، خسارة لا تقوم بعدها لها أية قائمة.

اقرأ أيضاً: مسيرات تجوب الضفة الغربية والداخل الفلسطيني نصرة للقدس ودعماً لغزة

الأيام الأولى بعد "الهدنة" واستقرار الوضع الميداني، سيتيح لأهل القطاع أن يُحصوا خسائرهم، وهي بكل تأكيد ستفوق الخيال. ويرى خبراء أنّ إعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى جهود كبيرة، وهو ما لا يقر به العالم الغربي الذي ردّد موقفه التقليدي بضرورة حماية المدنيين في إسرائيل ووقف الصواريخ ضدهم، أما الفلسطينيون التي دمرت أبراج وبيوتهم فلا نصير لهم في معجم السياسة الدولية، وليس أدل على ذلك من أنّ مجلس الأمن لم يصدر حتى الآن بياناً ينصر الضحية في مواجهة أبشع عدوان يمارسه الاحتلال ضدها.

هل نجح نتنياهو؟

السؤال الذي يطرح بقوة الآن، فيما قطاع غزة يلملم جراحه، ويتوقع ما هو أسوأ، هل نجح نتنياهو في مشروعه التدميري لغزة؟

يرد على هذا السؤال، رئيس صحيفة (هآرتس) العبريّة الذي جزم في مقال له أمس، بأنّ العملية الإسرائيليّة الحاليّة هي العملية الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل، وبالتالي يتحتّم على صُنّاع القرار في تل أبيب وقفها حالاً، على حدّ تعبيره.

وتابع رئيس التحرير، ألوف بن، كما نقل موقع "رأي اليوم" أنّ عملية "حارس الأسوار" كشفت النقاب عن سلسلة من الإخفاقات في استعداد الجيش وعملياته، وبالإضافة إلى ذلك كشفت عن وجود حكومة مُرتبكة غير فعّالة، لافتاً في الوقت عينه إلى أنّه عوضاً عن البحث عن "صورة انتصار"، يتعيَّن على نتنياهو أنْ يُوافِق على وقف إطلاق النار بشكلٍ فوريّ.

وقال الصحفي الإسرائيلي، إن تل أبيب صبّت جُلّ اهتمامها في العقد الأخير على "الحرب بين الحروب"، وركّزت مهامها على ما يجري على الساحة الشماليّة، وقصفت سوريا بهدف وضع حدّ للتمركز الإيرانيّ، ومن ناحية أخرى، شدّدّ على أنّ إسرائيل تعاملت مع قطاع غزّة كحلبة ثانويّة، على حدّ قوله.

كاتب: حماس في كل حروبها لا تستند إلى مرجعية وطنية أو إجماع. تفتعل حروبها متى تريد ولأسباب خاصة بها ولا تأخذ بعين الاعتبار أيّ طرف

أمّا الفشل الثاني، بحسب ألوف بن، فإنّه تحت غطاء الإخفاق المخابراتيّ- الإستراتيجيّ في التقليل من أهمية حركة (حماس)، تطوّر الفشل المخابراتيّ التكتيكيّ.

وخلافاً للمرّات السابقة، يقول ألوف، لم تُسمَع في إسرائيل المطالبات بإعادة احتلال قطاع غزّة، أو الدخول في معركة بريّة ضدّ المُقاومة في غزّة؛ لأنّ الجميع يعلم بأنّه إذا أقدم الاحتلال على عمليّة من هذا القبيل فإنّه سيسقط المئات من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيليّ، ذلك لأنّ الجيش ليس مُستعداً للقيام بعملية من هذا القبيل، ولا يقدِر أنْ يقوم بتنفيذها، كما قال.

هآرتس: وقف العملية العسكريّة فوراً

رئيس تحرير صحيفة (هآرتس) العبريّة طالب نتنياهو أنْ يُوقف العملية العسكريّة فوراً وبدون تأخير، لأنّه لا يوجد أيّ مُبرّر لمُواصلة العدوان على غزّة، فضلاً عن أنّ الحياة اليوميّة في كلّ من جنوب الدولة العبريّة ومركزها، شُلّت شللاً تاماً.

ومهما يكن من أمر ما يجري من تدمير منهجي في غزة، فقد أعاد العدوان الإسرائيلي إلى الواجهة قضية الشعب الفلسطيني الأعزل في مواجهة أعتى احتلال معاصر.

صحيفة "لوموند" الفرنسية اختارت مانشيتها الرئيسي ليكون: "غزة تحت النيران، بايدن تحت الضغط والاتحاد الأوروبي غارق بصمته". "لوموند" أعدت، كما ذكرت "مونت كارلو"، ملفاً ضخماً عن العدوان الإسرائيلي تضمن مقالاً عن "مجزرة شارع الوحدة في غزة" ومقالاً آخر عن "الضفة الغربية حيث انضم مؤيدو فتح الى الاحتجاجات كي يحافظوا على شرعيتهم بوجه حماس". وندد هاغاي العاد، مدير "بيت سلام" المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وأيضاً حماس. أما فيما خص الدبلوماسية الأمريكية، فقد أشارت "لوموند" إلى أنّ الحرب على غزة كشفت مدى انقسام الحزب الديمقراطي حول الصراع العربي الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: العدوان الإسرائيلي يواصل عدوانه على غزة.. تفاصيل

وفي تعليقات الصحف أيضاً، تساءل الكاتب مأمون فندي في صحيفة "الشرق الأوسط": "هل غيَّرت غزة رؤية العالم؟" المقال اعتبر أنّ حالة غزة فرضت واقعاً جديداً في الداخل الفلسطيني الأوسع، وخلقت تجاوزاً للفواصل بين عرب ثمانية وأربعين أو عرب إسرائيل، والفلسطينيين تحت الاحتلال، فلقد انتفضت المدن العربية في الداخل الإسرائيلي في أم الفحم وعكا ويافا وغيرها... إذاً، لقد فرضت غزة واقعاً فلسطينياً جديداً، يقول الكاتب.

أما فاروق يوسف فكتب في صحيفة "العرب": "انتصر الفلسطينيون في القدس فهزمتهم حماس في غزة. حماس في كل حروبها لا تستند إلى مرجعية وطنية أو إجماع وطني. تفتعل حروبها متى تريد ولأسباب خاصة بها ولا تأخذ بعين الاعتبار أيّ طرف فلسطيني آخر حتى لو كان ذلك الطرف معترَفاً به من قبل المجتمع الدولي كونه ممثلاً للشعب الفلسطيني".

حماس استغلت أحداث القدس

وفي السياق ذاته، يشير ساري نسيبة، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية السابق في القدس، في صحيفة "لوجورنال دو ديمانش"، إلى أنّ حماس تحاول إثبات أنها الوحيدة القادرة على الدفاع عن الإسلام والقدس.

وفي لقاء مع الصحيفة نوه نسيبة إلى مدى خطورة الأحداث الراهنة على طرفي النزاع، مضيفاً أنّ التهدئة في الوقت الراهن قد تكون صعبة، كما ربط إمكانية عودة الهدوء إلى الأحياء المعنية بالاشتباكات في القدس بوقف القصف على قطاع غزة.

ويرى نسيبة أنّ حماس استغلت أحداث القدس لاستعراض قوتها داخلياً وإقليمياً وحتى دولياً، معتبراً أنّ فرص المصالحة الوطنية الفلسطينية ممكنة ليس بالضرورة على برنامج مشترك لتقاسم السلطة، ولكن في شكل من أشكال التعايش السلمي.

وفي سؤال للصحيفة عن مدى إمكانية الرئيس الأمريكي جو بايدن التأثير على الإسرائيليين لإنهاء الحرب، يقول نسيبة إنّ الأمريكيين قادرون على فعل ذلك، ولكنه يبقى حلاً مؤقتاً، مضيفاً بأنه من واجب الفلسطينيين العمل على إيجاد حلول لمشاكلهم مع إسرائيل، والسعي على التصالح فيما بينهم من أجل مستقبل الأجيال القادمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية